مدّعي عام جبل لبنان، القاضية غادة عون، وعلى الرغم من كل انشغالاتها في ملف المصارف وحاكم مصرف لبنان وشقيقه الموقوف رجا سلامة، ارتأت قبل ساعات أنّ ما قام به أهالي شهداء فوج الإطفاء يستحقّ المتابعة والتأنيب.
قبل يومين تحرّك الأهالي أمام منزل وزير العدل، هنري خوري، ولم يجدوه فيه، فكتبوا بعض الشعارات على جدرانه اتّهموه فيه بـ"الجبان"، مع عبارات أخرى. وقد نفّذوا هذه الخطوة بعد امتناعه عن تنفيذ "ما وعدنا به بخصوص جمع أعضاء مجلس القضاء الأعلى والبحث في آلية للخروج من أزمة عرقلة التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت". فتم استدعاء كل من وليام نون شقيق الشهيد جو نون، وبيتر بو صعب شقيق الشهيد جو بو صعب، إلى التحقيق في مديرية أمن الدولة، فرع جبل لبنان.
مذكرات توقيف وجلب
أمضى نون وبو صعب 3 ساعات في التحقيق، خرجا من بعدها بسند إقامة، بعد التوقيع على التعهّد بعدم التعرّض للوزير في منزله. وفي هذا الإطار، قال نون في اتصال مع "المدن" إنّ "المعنيين في أمن الدولة كانوا لطيفين ولم نتعرّض لأي مضايقات، وقد سلّمناهم أيضاً نسخ من مذكرتي التوقيف الغيابيتين الصادرتين بحق كل من الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، إضافةً إلى مذكرة الجلب الصادرة بحق رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، وطلبنا تنفيذها". وأشار نون إلى أنّ المحقّق أكد أنّ "المذكرات لم ترده، وليست ضمن نطاق عمله".
القاضية غادة عون
وبناءً على ردّ الضابط المحقق، يحيل نون وسائر أهالي الضحايا والشهداء والمعنيين في ملف انفجار مرفأ بيروت، نسخ المذكرات القضائية الصادرة بحق المسؤولين اللبنانيين إلى القاضية عون. الأخيرة تحرّكت اليوم وطلبت استدعاء نون وبو صعب "بالحقّ العام وليس بناءً على ادّعاء قام به وزير العدل"، وقرّرت ملاحقة الشابين في القدح والذمّ والتحقير والتعرّض لمنزل الوزير خوري وترهيب عائلته. القاضية عون حرّكت الحق العام، وعلى ما يبدو تغاضت عن الأمر في الجوانب المختلفة من هذا الملف، تحديداً في تهرّب مسؤولين سياسيين وأمنيين من التحقيق. فيطلب الأهالي المعاملة بالمثل، إذ يقول بو صعب "مثل ما راح جهاز أمن الدولة على بيت رياض سلامة، يروحوا على بيت علي حسن خليل وغيره".
صليبا المطلوب للتحقيق
أعادت الخطوة الأخيرة التي قامت بها القاضية غادة عون وضع نفسها في الخندق السياسي المتّهمة بالانتماء إليه والدفاع عنه، إلى جانب التيار الوطني الحرّ ورئيسه وفريقه. الوزير هنري خوري محسوب على "العهد" الذي يعتبر أنّ التهجّم على أيّ من وزرائه تهجّماً عليه. هذا من جهة، أما في جهة أخرى فثمة خلاصة أخرى تقول الآتي: أهالي شهداء وضحايا انفجار مرفأ بيروت، مثلوا اليوم أمام جهاز أمني رئيسه مطلوب للتحقيق ومدّعى عليه وحمته السلطة السياسية، وتحديداً رئاسة الجمهورية، وأسقطت عنه إذن الملاحقة في مجلس الدفاع الأعلى. والمعني طبعاً رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، الجهاز نفسه الذي مثل أمامه نون وبو صعب اليوم بسبب كتابة شعارات على الجدران وأبواب منزل. عدا سائر التجاوزات الأخرى التي قام بها الجهاز نفسه في ملفات أخرى، أوضحها ملف الممثل زياد عيتاني واقتحام مكتب مؤسسة إعلامية.
في مجتمع طبيعي أو ربما يوتوبي، كان بإمكان نون وبو صعب أن يتواجها مع صليبا وغيره من المدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت في قاعة محكمة: ضحايا في مواجهة متّهمين ومدّعى عليهم. وفي المجتمع الطبيعي نفسه أو اليوتوبي، كان بإمكان نون وبو صعب أن يتواجها مع الوزير هنري خوري في قاعة محكمة أيضاً، لكونه وغيره من المسؤولين السياسيين يساهمون بطريقة أو بأخرى في عرقلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. لكننا في لبنان، حيث تمثل الضحية أمام القضاء ويظلّ المطلوب حاكماً بأمره خلف أسوار حماية سيّجها له القضاء والقانون والمؤسسات الرسمية الأمنية المختلفة.
هنا لبنان وعهده القوي.
تعليقات: