رجا سلامة يعترف: هكذا بيّضت أموال رياض سلامة

هل يكون يكون رجا سلامة مجرّد \
هل يكون يكون رجا سلامة مجرّد \"كبش فداء\" وضعه رياض سلامة نفسه (علي علّوش)


حتّى صبيحة يوم الخميس الماضي، لم يكن ثمّة ما يشير إلى أنّ شقيق حاكم مصرف لبنان، رجا سلامة، سيمثل أمام القاضية غادة عون، في الوقت الذي كان رجا يعلم أن خطوة كهذه من شأنها أن تنتهي بتوقيفه. كان بإمكان رجا أن يقوم، شأنه شأن أخيه، بالتواري عن الأنظار مؤقّتًا، بانتظار وضع المخرج السياسي الملائم للملف الذي تحقق بشأنه القاضية عون، مستفيدًا من تقاعس الأجهزة الأمنيّة عن معاونة القاضية في إحضار المتهمين بالقضيّة عنوةً. كما كان بإمكان رجا أن يتفادى العودة إلى لبنان من الأساس، لينعم بإقامته الهادئة في مدينة كان الفرنسيّة.


كبش محرقة أو متسرّع؟

هنا، تتعدّد الفرضيات التي تفسّر خضوع رجا سلامة لتحقيقات عون، على نحو غير متوقّع. ثمّة من يرجّح أن يكون رجا مجرّد "كبش فداء" وضعه رياض سلامة نفسه، ليفرض على عون كشف أوراقها في التحقيقات أولًا، خصوصًا أن عون والفريق الذي قدّم الإخبار حرصا طوال الفترة الماضية على إحاطة جميع معطيات الملف بسريّة شديدة، ما أربك فريق الدفاع عن الحاكم. مع الإشارة إلى خطوة توقيف رجا ستحشر القاضية غادة عون، بين إطلاق سراحه خلال مهلة أربعة أيام، أو إحالة الملف بإسره إلى قاضي التحقيق بعد الإدعاء على الشقيقين سلامة، ما سيخرج الملف من نطاق عملها. وهذه المهلة، تنتهي تحديدًا يوم الإثنين المقبل، في الموعد الذي حددته عون لاستجواب رياض سلامة، والذي يُرجّح أن يتغيّب عن التحقيق مرّة جديدة.

الفرضيّة الأخرى، تتمثّل في إمكانيّة أن لا يكون رجا سلامة قد توقّع امتلاك غادة عون جميع المعطيات التي تم تقديمها في جلسة التحقيق، وتحديدًا تلك التي تتعلّق بتفاصيل عمليّات تبييض الأموال في فرنسا، بالإضافة إلى عقود شراء العقارات الباريسيّة التي تم استخدامها لإعادة تدوير الثروة الناتجة عن صفقات لبنان. وهذا الاحتمال، يفترض تسرّع رجا سلامة في حضوره جلسة التحقيق، لكونه اعتبر أن توسّع عون في تقفّي أثر ارتكابات شقيقه محليًّا قد لا يفضي إلى الوصول إلى ارتكاباته هو، إذا لم تمتلك عون ما يكفي من معطيات بخصوص عمليّات الأخوين سلامة في أوروبا.

مع العلم أن رجا توقّع كذلك أن لا تشمل التحقيقات مسألة "عقد فوري"، وكيفيّة تواطئه في تهريب الأموال الناتجة عن العقد إلى فرنسا وسائر البلدان الأوروبيّة، لكون مسألة العقد كانت موضوع الملف الموجود أساسًا بحوزة القاضي جان طنّوس. ولهذا السبب بالتحديد، رفض رجا سلامة الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلّقة بهذا العقد، بحجّة وجود تحقيق آخر جارٍ في هذه المسألة، رغم اتصال مسألة "عقد فوري" بالأموال التي كان يجري تبييضها لاحقًا في أوروبا، والتي تحقق فيها القاضية عون.

في الحالتين، سواء كان رجا سلامة "كبش فداء" لشقيقه رياض، لكشف مضمون التحقيق الغامض، أو كان مجرّد متسرّع لم يعلم بعمق الملف الموجود بحوزة غادة عون، من الأكيد أن سياسة الغموض التي انتهجتها عون مع الأخوين سلامة أثمرت أخيرًا بدفع رجا سلامة للوقوع في قبضتها.


تفاصيل التحقيقات

جلسة التحقيق مع رجا سلامة كشفت امتلاك القاضية عون عقود ووثائق فرنسيّة، توثّق قيام رجا سلامة باستخدام الأموال الناتجة عن عقد شركة فوري لشراء عقارات باريسيّة، تحت ستار شبكة من الأسماء المستعارة والشركات الواجهة، ومن ثم نقل ملكيّة هذه العقارات إلى شركات مملوكة من شقيقه رياض سلامة. بمعنى آخر، ما تملكه غادة عون، وبخلاف ما توقّع رجا سلامة، كان الدليل المباشر لتورّط رجا في عمليّة تبييض أموال منظّمة، لحساب شقيقه، بهدف تدوير الأموال غير المشروعة الناتجة عن عقد فوري في لبنان.

من بين هذه الشركات على سبيل المثال، كانت شركة "زيلي"، التي قام من خلالها رجا سلامة بتلقي الأموال الناتجة عن عقد فوري، ومن ثم تسجيل عقارات عدّة بإسم الشركة، قبل أن تقوم الشركة بالتنازل عن العقارات لمصلحة شركة وسيطة أخرى، ومن ثم تسجيل العقارات لاحقًا بإسم شركة "بيتا" المملوكة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (مسجّلة بإسم إبنة شقيقه لكنّ رجا سلامة اعترف بملكيّة رياض سلامة الفعليّة لها). وهذه العمليّة بحد ذاتها، تثبت أن رياض سلامة كان المستفيد الفعلي والنهائي من عمولات شركة فوري أولًا، ثم تثبت تورّط رجا سلامة في تبييض هذه العمولات لمصلحة شقيقة وإعادتها إليه على شكل ملكيات عقاريّة ثانيًا.

وعلى هذا النحو، قام رجا سلامة باستخدام عدّة شركات عقاريّة وسيطة أخرى بالطريقة نفسها، ما مكّنه من تبييض أموال تجاوزت قيمتها حدود 300 مليون دولار، لحساب حاكم مصرف لبنان. كما غاصت القاضية عون في ملف "مكتب باريس"، المتعلّق بشقة مملوكة من صديقة الحاكم الأوكرانيّة آنا كوزاكوفا، والتي تم استئجارها –بتسهيل من رجا سلامة- على نفقة المصرف المركزي مقابل عمولات خياليّة، على أساس كونها "مركزاً احتياطياً" لمصرف لبنان. مع الإشارة إلى أنّ التحقيقات الفرنسيّة أثبتت عدم تناسب المبلغ المدفوع مع حجم الشقّة وقيمة الإيجارات في المنطقة نفسها، ما فتح على الأخوين سلامة تهمة إساءة استعمال النفوذ والكسب غير المشروع.

في النتيجة، اعترف رجا سلامة أمام غادة عون بملكيّة شقيقه النهائيّة لجميع الأموال المرتبطة بعمليّات تبييض الأموال، بعد أن تم تقديم ما يكفي من وثائق ومستندات تؤكّد أن الهدف الأخير من هذه العمليّات لم يكن سوى تمليك رياض سلامة العقارات والثروات الناتجة عنها، بعد إعادة تدوير العقارات في شركات عدّة. وهكذا، مثّل هذا الاعتراف بحد ذاته خطوة للأمام في التحقيقات.


العقل المدبّر

باختصار، كان رجا سلامة العقل المدبّر لعمليّات تبييض الأموال في الساحة الأوروبيّة، والتي ارتبطت بالثروات الناتجة عن إساءة استعمال شقيقه لصلاحيّاته كحاكم مصرف لبنان. فجميع الوثائق الموجودة بحوزة عون، تثبت أن رجا سلامة قام شخصيًّا بالإشراف على عمل الشركات الوسيطة، وعلى عمليّات التنازل العقاري التي تم استخدامها لنقل الثروة من شركة إلى شركة أخرى. الإشكاليّة الأخيرة تكمن في حاجة القاضية عون لإثبات الجانب اللبناني من الملف بشكل قاطع، والمرتبط بكيفيّة تحصيل العمولات غير المشروعة لمصلحة شركة فوري، للتمكّن من تثبيت عدم مشروعيّة هذه الأموال ومن ثم تثبيت تهمة تبييض الأموال في أوروبا لاحقًا. وهذا الجانب مرتبط بتحقيقات القاضي جان طنّوس، العالقة بدورها في ظل تمنّع المصارف اللبنانيّة عن تسليم داتا حسابات رجا سلامة المصرفيّة للقضاء اللبناني.

تعليقات: