قضية حق الأم اللبنانية بمنح الجنسية لأبنائها تؤكد أن قضايا النساء سياسية بامتياز (علي علّوش)
يفيض شهر آذار احتفاءً وتبجيلًا بالنساء. وقد أضحى طقسًا سنويًا اعتدنا عليه، نمارسه إيمانًا بقضايانا دفاعًا عنها، ونغض الطرف عن من يطلقون مواقف زائفة، فيما تكرّس أفعالهم أشكالًا تمييزية شتى في الحيزين العام والخاص.
انكشاف لبنان
وعشية عيد الأم في 21 آذار، تبدو الاحتفالات أشدّ زيفًا في المجال العام، وتحديدًا في بلدٍ مثل لبنان، الذي يمكن وضعه عند أول عتبة من سلّم حقوق النساء، مقارنة ببعض البلدان العربية. ففي شهر آذار، تكثر أحاديثنا في لبنان عن حقوق النساء في يومهن العالمي (8 آذار)، وتتكاثر الدعوات إلى مشاركتهن في الحياة السياسية، بعدما تبين أن نسبة النساء المرشحات للانتخابات البرلمانية، عند إغلاق باب الترشح في 15 آذار، لم تتجاوز 15 في المئة، بارتفاع 3 في المئة فقط عن نسبة ترشحهن في انتخابات 2018.
ومكمن الخلل، هو أن مقاربة واقع النساء وحقوقهن الاجتماعية والمهنية والثقافية والسياسية والاقتصادية، لا تستقيم من دون مقاربة واقعهن داخل الأسرة التي تجسد أصغر وحدة مجتمعية. وبمعنى آخر: كيف نحقق مطالب سياسية ومجتمعية لنساء مسلوبات الحرية والإرادة والسلطة في أسرهن بقوّة الدستور والشرائع الدينية؟
اضطهاد الأمهات
وفي واقع الحال، تولد الإناث في لبنان، لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية، مشروع أمهات مسلوبات الحقوق قانونيًا وشرعيًا، ولا تتساوين مع الرجل إلا في الشعارات وبعض القوانين الملغومة بثغرات كثيرة ضد مصالحهن. ويعود ظلم الأمهات اللبنانيات إلى ما قبل الاستقلال، حين منح المفوض السامي الفرنسي أثناء الانتداب زعماء الطوائف الحق بتنظيم شؤون طوائفهم. ثم جاء الدستور اللبناني مكرسًا حقّ كل طائفة بتنظيم قوانين أحوالها الشخصية، فأضحت سلطة الطوائف في لبنان استثنائية، بينما السلطة التشريعية الأساسية للبرلمان.
والمفارقة لدينا، أن الأمهات اللبنانيات لا يتساوين حتى في ظلمهن. فلكل طائفة قانونها الخاص، التي نسفت مبدأ المساواة أمام القانون، وفقًا لما ينص عليه الدستور شكليًا.
وعليه، تقف اللبنانيات على اختلاف أوضاعهن الاجتماعية، أمام نحو 15 قانونًا للأحوال الشخصية. ولعل أكثر ما يمسهن، هو قضية الحضانة، والإمعان باضطهاد النساء وأطفالهن، من دون النظر بكل حالةٍ على حدة. ويكمن أصل المشكلة أن الأم اللبنانية، وخصوصًا لدى الطوائف الإسلامية الثلاث (سنة، شيعة، ودروز)، منزوعة الولاية على أولادها في جميع الحالات، وهي مسألة تختلف عن الحضانة التي تقتصر على رعاية الطفل.
أمهات الطوائف
وتعدّ الأم الشيعية لدى المحاكم الجعفرية في لبنان الأكثر اضطهادًا على مستوى الحضانة. وهي سنتان للذكر و7 سنوات للأنثى، ما يجعل قضايا النساء والأمهات الشيعيات نارًا تحت الرماد لدى الرأي العام اللبناني. فيما سن الحضانة لدى الطائفة السنية هو 12 سنة للذكر والأنثى، ولدى الموحدين الدروز 12 سنة للذكر و14 سنة للأنثى. لكن الطوائف جميعها لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل.
ويختلف الأمر نسبيًا لدى الأم المسيحية في لبنان. فالطوائف الكاثوليكية، طابقت بين سنّ الحضانة وسنّ الرضاعة، أي سنتان، لكنها أعطت للمحاكم الروحية السلطة الاستنسابية في تقرير الحاضن، وفقًا لما تقتضيه مصلحة الطفل الفضلى. وهنا يُفتح باب آخر للاجتهاد والتقدير، وتكون المرأة فيه غالبًا الأكثر ضعفًا.
عقاب الجنسية
ولعل أكثر ما تتساوى فيه الأمهات اللبنانيات هو الظلم ومن الطوائف كلها: حرمانهن من حق منحهن الجنسية لأبنائهن لدى زواجهن من أجانب. وعليه، يميز قانون الجنسية منذ وضعه عام 1925، اللبنانيات المتزوجات من أجانب، في حين يمنح الرجال حق اعطاء جنسيتهم لأبنائهم بعد سنة من عقد الزواج.
غير أن قضية حق الأم اللبنانية بمنح الجنسية لأبنائها، وما تضمره من أبعاد سياسية وطائفية وشعبوية يتذرع بها من يدعون الدفاع عن التوازن الديمغرافي في لبنان، تؤكد مرة أخرى أن كل قضايا النساء ضمن التركيبة اللبنانية الهجينة، هي قضايا سياسية بامتياز.
ولا مبالغة في القول: لا عيد للأمهات في لبنان إلا بسقوط سلطة المحاكم الدينية، التي تحتمي بالدستور وبجيش من المدافعين الطائفيين والحزبيين والسياسيين والمشرعين. وهؤلاء جميعًا، يقوضون سبل مشاركة المرأة في الحياة السياسية بطريقة فاعلة ومؤثرة، حمايةً لمكتسباتهم وسطوتهم، ولإدراكهم أن كل معارك النساء، تبدأ من هنا.
تعليقات: