التلويح بالدولرة مستمر منذ بداية العام الحالي (علي علوش)
يحكم القلق سوق المحروقات منذ بداية العام الجاري، كانعكاس طبيعي للانقطاع والطوابير، التي اختتمت العام الماضي بأبشع المشاهد والترجيحات السلبية. ولم يفلح رفع الأسعار والعدّاد المستمر صعوداً في لجم الأزمة، نظراً لارتباطها بسعر الدولار المضغوط قصراً من قِبَل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهو سبب إضافي لمستوردي النفط والموزّعين وأصحاب المحطات، للمطالبة بدولرة الأسعار. ويبدو أن المسعى قريب، ويؤخّره بشكل رئيسي، عائق الانتخابات النيابية.
إمتناعٌ عن التسليم
أكثر من جدول أسعار تصدره وزارة الطاقة أسبوعياً، لمراعاة تقلّب أسعار النفط عالمياً وتقلّب أسعار الدولار محلياً. ما يشكّل حجّة إضافية لأركان القطاع النفطي لتخزين الكميات الأكبر من المحروقات، انتظاراً لارتفاع الأسعار. علماً أن الأحداث المفصلية المفاجئة، كإقفال المصارف مؤخراً، هي هدايا مجّانية للقطاع، لكنها محطّات سيئة للمواطنين الذين يسارعون للانتظام في الطوابير سعياً للحصول على البنزين، ودرءِ مفاعيل التجربة السابقة. الأمر الذي يمهّد بدوره لإحياء السوق السوداء. وفي النتيجة، الكلّ يتحضّر لانطلاقة إضافية، أكثر سواداً.
اليوم الأربعاء "تبلّغت المحطّات من بعض الشركات المستوردة امتناعها عن تسليم البنزين يوم غدٍ الخميس إلاّ بالدولار النقدي (الفريش) بنسبة 100 بالمئة"، على ما يؤكّده عضو نقابة أصحاب المحروقات جورج البراكس في حديث لـ"المدن".
قد لا ينفّذ المستوردون قراراهم حرفياً، لكنه تمهيد للدولرة، ويسبقه عدم تسليم الكميات المطلوبة للمحطات، ما سيخلق فوضى وطوابير من المرجّح أن يرتفع منسوبها مع استمرار التهويل بالدولرة.
جدول أسعار بالدولار
لا تستطيع الشركات المستوردة إلزام المحطات بدفع الدولار، لكن لا أحد يمنعها من التسليم. أما وزارة الطاقة، فجدول أسعارها يصدر بالليرة، ما يعني أن تشريع قرار المستوردين، يمرّ عبر دولرة جدول الأسعار، وهو أمر مستبعد. والاستبعاد يعني نقل المعضلة إلى مرحلة أعمق تشبه ما يحصل مع المازوت. فلا يمكن للوزارة التسعير بالدولار، وهي في الأصل لا تحتسب بعض العمولات التي يدفعها المستوردون وأصحاب المحطات بالدولار، وبالتالي لا يُباع المازوت بالمحطات بالليرة، بل مباشرة للتجار وبالدولار.
بمعنى آخر، التمهيد لدولرة البنزين يعني التمهيد لوضعه في خانة المازوت، فيباع مباشرة بالدولار، للتجار أو الأفراد. وهذه الخطوة تفتح المشكلة في السوق بمدى أوسع، حين ستُضطر وزارة الاقتصاد للاستعانة بالقوى الأمنية لإلزام المحطات على بيع البنزين المخزّن بالليرة، وستضطر المحطات إلى عدم شراء المادة من المستوردين، وسيصبح السوق أمام معادلة إما الدولار أو عدم البيع.
ويوضح البراكس أنه "من غير المنطقي استمرار الوضع على حاله، ولا يمكن لوزارة الطاقة احتساب التكاليف بدولار المنصة، فيما يُطلَب من المحطات شراء البنزين بدولار السوق السوداء، كما أن مصرف لبنان يحتسب دولار السوق الذي يؤمّن وفقه الدولارات للمحطات، بأقل من سعره الفعلي".
السوق السوداء عائدة
جدلٌ كهذا لا يُحسَم في ظل غياب القرار الرسمي حيال تدهور قيمة الليرة وحقيقة سيادة الدولار كعملة فعلية في السوق. ودولرة أسعار المشتقات النفطية خيار مطروح منذ بداية تراجع سعر الليرة وتسارع نمو سعر الدولار. ومن غير المنتظر أن تحسم الدولة أي قرار من هذا القبيل، فلا يعود أمام القطاع النفطي سوى السوق السوداء، التي ستجد مَن يرحّب بها وإن مكرهاً، كما حصل في الأمس القريب.
المستوردون يقولون كلمتهم، والمحطات "لا دخل لها بالاستيراد لكي تقوم بتأمين الدولار، وإن أمّنه مصرف لبنان وفق سعر صيرفة" يقول البراكس، الذي يحذّر "منذ أكثر من خمسة أشهر من أننا سنصل إلى هذا الوضع في حال طُلِبَ من أصحاب المحطات تأمين دولار استيراد البنزين". والمواطن لا دولار لديه لتغطية كلفة البنزين الذي سيحلّق أكثر. أما الحل، فهو "تأمين مصرف لبنان الدولار للشركات المستوردة واحتساب العمولات المصرفية في الجدول من ضمن كلفة البضاعة، وتسليم البنزين للمحطات بالليرة اللبنانية فقط وفقاً لجدول الاسعار". وبغير ذلك، يحسم البراكس بأنه "لا يمكننا شراء البنزين بالدولار، لاننا نتكبد خسارة تفوق 35000 في كل صفيحة، وسنضطر مرغمين على التوقف عن استلام البضائع واقفال محطاتنا".
تعليقات: