تهم جديدة: التهرّب الضريبي والاحتيال وانتحال الصفة والتزوير واستعمال المزوّر (المدن)
من المفترض أن يمثل رجا سلامة يوم غد الخميس أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، نقولا منصور، الذي يتابع ملف الإدعاء المُحال إليه من قبل القاضية غادة عون، بعد أن شملت عون في ادعائها كل من رجا ورياض سلامة وصديقة رياض سلامة الأوكرانيّة آنا كوزاكوفا. وحسب القانون، وبعد التحقيق مع رجا سلامة يوم غد، على القاضي منصور أن يتخذه قراره بالإبقاء على التوقيف الاحتياطي الجاري بحق رجا سلامة، أو إطلاق سراحه في حال لم يقتنع بخطورة الأدلّة المتوفّرة في الملف. ولهذا السبب، تسارعت خلال الساعات الماضية حملة التهويل والتهديد الضاغطة باتجاه إطلاق سراحه غدًا، والتي تركّزت على التداعيات الماليّة التي يمكن أن تنتج عن إدانة حاكم مصرف لبنان وشقيقه وصديقته.
حصار بين ملفّين قضائيين
على أنّ الضغوط على الأخوين سلامة لن تقتصر على ملف القاضي نقولا المنصور، موضوع التوقيف الاحتياطي بحق رجا. فيوم أمس، كان وجود رجا سلامة قيد التوقيف مناسبة جيّدة ليستكمل القاضي جان طنّوس تحقيقاته معه في ملف منفصل يتابعه طنّوس، بالتنسيق مع النيابات العامّة الأوروبيّة. ووفقًا للمصادر المتابعة لهذه التحقيقات، فاقمت جلسة يوم أمس من حجم الشبهات التي تدور حول رجا في ملف شقيقه، حين تبيّن في الجلسة أن طنّوس توصّل إلى معطيات وارتكابات جديدة وخطيرة قام بها الأخوين سلامة، من دون أن يتمكّن رجا سلامة من تقديم أي إجابات شافية عنها. وفي خلاصة الأمر، باتت جميع المؤشّرات ترجّح توجّه طنّوس إلى تقديم طلب توقيف رجا سلامة احتياطيًا، قبل الادعاء عليه مباشرةً، ليصبح رجا أمام توقيف احتياطي مزدوج في ملفّين معًا.
مع الإشارة إلى أن القانون يفرض على القاضي طنوس الادعاء على رجا خلال أربعة أيام من تاريخ إصدار مذكرة التوقيف الاحتياطي، أو إلغاء المذكّرة، وهو ما يدفع طنّوس للانتظار قبل إصدار مذكّرة التوقيف الاحتياطي، على نحو يتم إصدار هذه المذكّرة عند اكتمال عناصر الادعاء على الأخوين سلامة، وقبل اتخاذ قرار الادعاء مباشرةً.
في خريطة الاتهامات والدعاوى، ولتوضيح الفارق بين الملفين، من المهم الإشارة إلى أن تحقيقات القاضي نقولا منصور المتصلة بالملف المُحال من غادة عون، ترتبط بالعناصر الجرميّة المتعلّقة بتبييض الأموال والإثراء غير المشروع في قضيّتي شركة فوري ومكتب باريس، مع تركيز خاص على الجانب المتعلّق بعمليّات تبييض الأموال غير المشروعة في أوروبا. أمّا طنّوس، فتتركّز تحقيقاته على الجانب اللبناني من فضيحة شركة فوري، وخصوصًا العناصر الجرميّة المتعلّقة بالاختلاس وإساءة استعمال النفوذ، في ضوء معطيات التحقيقات السويسريّة والفرنسيّة في هذا الملف.
مستجدات ملف فوري
آخر الفضائح الجديدة التي ظهرت في ملف "شركة فوري"، المسجّلة بإسم رجا سلامة، والمشتبه بتلقيها أموال غير مشروعة على شكل عمولات بعقد موقّع مع مصرف لبنان، ترتبط بتواريخ حلّ الشركة من الناحية القانونيّة، وباستمرار تلقّي الأخوين سلامة للعمولات بإسم الشركة بعد شطبها وحلّها قانونيًّا. وهو ما فتح على الشقيقين مجموعة من الشبهات الجديدة المتعلّقة بالتهرّب الضريبي والاحتيال وانتحال الصفة والتزوير واستعمال المزوّر.
فمن الناحية العمليّة، تبيّن في السجلات المصرفيّة السويسريّة أن الأخوين سلامة استمرّا بتلقي العمولات الناتجة عن عقد شركة فوري، وفي حسابات شركة فوري بالتحديد، طوال الأعوام الممتدة بين 2001 و2016، كما ظلّت حسابات الشركة في سويسرا نشطة على مدى هذه السنوات الخمسة عشر، كما أكّد طلب التعاون القضائي السويسري نفسه. في المقابل، تظهر سجلّات الشركة المسجّلة في جزر العذراء البريطانيّة تصنيف الشركة كمؤسسة "غير ناشطة" بتاريخ 19 تموز 2010، ومن ثم شطبها من السجلات –أي حلّها- في 30 نيسان 2011. بمعنى آخر، ظل الأخوين سلامة، وعلى مدى خمس سنوات، يتلقيان العمولات بإسم شركة مشطوبة من السجّلات القانونيّة، بل وظلّا طوال هذه المدّة يحرّكان حساب "شركة ميّتة" في سويسرا.
في النتيجة، ومن الناحية القانونيّة، ما قام به الأخوين سلامة عن عمد كان أشبه بالعمل بإسم شخص متوفّى، ما يعني عدم امتلاك رجا سلامة صلاحيّة أو حق التوقيع على هذا النحو عن شركة منحلّة طوال هذه المدّة، إلا في حال تجديد أوراقها القانونيّة وإعادة تسجيلها (وهو ما لم يحصل). مع الإشارة إلى أنّ هذا الفعل بحد ذاته، الذي جاء لغايات التهرّب الضريبي، يندرج في إطار المناورات الاحتياليّة أولًا، ناهيك عن ارتكاب جرم انتحال صفة المفوّض بالتوقيع عن شركة قائمة (في حين أن الشركة باتت غير قائمة، ولا صفة لرجا سلامة للتوقيع). كما يندرج الفعل في إطار جرم التزوير واستعمال المزوّر في حال تقديم أي مستندات قانونيّة مفبركة، للاستمرار بالعمل بالحساب المصرفي. وهنا، من المرجّح أن يكون الشقيقين سلامة قد أقدما على استعمال هذا النوع من المستندات للتمكن من تجديد الحساب المصرفي طوال السنوات الخمس.
التهويل لمنع الإدانة
في الوقت الراهن، تستمر محاولات التهويل من جانب السلطة السياسيّة، وخصوصًا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، لفرملة التحقيقات القضائيّة الجارية بحق الأخوين سلامة. آخر هذه المحاولات، كان التحذير من مغبة قطع علاقة مصرف لبنان مع النظام المالي العالمي والمصارف الأجنبيّة، في حال تمادي القضاة محليًّا بفتح ملفّات الحاكم والإدعاء عليه بمزيد من الملفّات. وبدل العمل على إقالة الحاكم للحفاظ على مصداقيّة المصرف المركزي، والحؤول دون تعريض علاقات مصرف لبنان مع الخارج للخرج، بات المطلوب بالنسبة للسلطة الدفاع عن الحاكم وثني القضاة عن محاكمته أو إدانته.
في كل الحالات، من المرتقب أن يصدر يوم غد قرار القاضي المنصور، بخصوص تمديد التوقيف الاحتياطي الجاري بحق رجا سلامة أو الإفراج عن الرجل. وفي حال التجديد لهذا التوقيف، فسيعني ذلك تمنّع القاضي عن الاستجابة لجميع الضغوط السياسيّة التي جرت اليوم، لفرض إصدار قرار إطلاق سراح رجا سلامة. في المقابل، يستمر سلامة بلعب جميع أوراقه في هذه المواجهة، ومنها على سبيل المثال التضييق على عمليّات بيع الدولار لمستوردي البنزين، ما أنتج أزمة المحروقات اليوم الأربعاء. المعادلة واضحة: الاستمرار بالضغط القضائي، يواجهه الضغط النقدي.
تعليقات: