اللبنانيون ما عادوا يصدّقون وعود الوزارة (Getty)
استكمل وزير الطاقة وليد فياض خطّته لإدارة ملف الكهرباء وتحسين ساعات التغذية بما يتلاءم مع حجم الأزمة اللبنانية، بجولة عربية واتصالات أجنبية ليضمن اكتمال الاستعدادات. وبالموافقة المبدئية للحكومة، أمس الأربعاء، على إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان 77 مليون دولار نقداً، لتشغيل معامل الكهرباء لتأمين 4 ساعات يومياً، تصبح وزارة الطاقة مستعدة لتأمين الكهرباء بدءاً من الغد الجمعة.. ولكن.
محطّات ووعود
سبقت جلسة يوم أمس الأربعاء سلسلة من المحطّات التي استند إليها فياض لتعزيز موقفه حيال زيادة ساعات التغذية، أبرزها الاجتماع بالبنك الدولي، وتأكيد فياض لمدير دائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، ضرورة الإسراع في تأمين تمويل استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري. وردَّ البنك، حسب فياض، بأنه "سيحدد موعداً داخلياً لموافقة الإدارة التنفيذية على برنامج للتمويل".
إقليمياً، حصل فياض على تشجيع وزير الطاقة القطري سعد شريدة الكعبي، الذي دعا فياض، خلال لقائهما على هامش المؤتمر العام السابع للاتحاد العربي للكهرباء في الدوحة، إلى "التحضير لمناقصة استيراد الغاز بشروط تشجيعية للمشاركين". واتفق الطرفان على "إعلان مناقصة لاستدراج عروض للحصول على الغاز المسيل بأفضل كلفة مع تغويزه لاستخدامه في محطة الزهراني".
وتأمين التمويل والغاز، نظرياً، رافقه استعداد شركة سيمنز الألمانية لتأهيل شبكة الكهرباء لتصبح قادرة على تحمّل الطاقة ونقلها. على أن يدفع لبنان مستحقات الشركة بعد نحو 3 سنوات.
العبرة في التمويل
الموافقات والاستعدادت والنصائح التي يستند إليها فياض لا تُصرَف على أرض الواقع إلاّ بوجود الدولار. فأي شركة أو دولة مستعدة لتقديم مواردها وخبراتها ما دام المال موجوداً، وهو ما يفتقده لبنان. أما التذكير المستمر بانتظار تمويل البنك الدولي لاتفاقية استجرار الغاز والكهرباء، فأصبح مبتذلاً، لأن موقف البنك واضح من اللحظة الأولى، إذ رَبَطَ التمويل بالإصلاحات.
ورغم تسويق فياض لموافقة البنك على الخطة المقدّمة للحكومة، فإن التأكيد الوحيد الذي يبيّنه البنك، هو استمرار دراسة الملف. وما إحالة كومار جاه الموافقة على اللجنة التنفيذية، سوى دليل على عدم حسم أي نتيجة. فالبنك ينظر إلى عدم قدرة لبنان على سداد القرض في حال إقراره. والبحث عن تأمين سلفات خزينة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان يلقى عراقيل جمّة، فكيف بسداد قرض دولي؟
هذا الواقع يُصَعِّب على مجلس الوزراء الموافقة النهائية على الـ77 مليون دولار، إلا إذا كان للقرار وجهٌ آخر يتعلّق بإحراج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لتأمين المبلغ والضغط بالتالي على سعر الدولار، من خلال الاضطرار إلى زيادة الإنفاق بالعملة الأجنبية. وفي حال رفض سلامة، يكون أمام تهمة عرقلة تأمين الساعات الأربع الموعودة. وعلى الأرجح سينفّذ سلامة قرار الحكومة، حتى لو استنزف احتياطي الدولارات بوتيرة أكبر. فالرجل لن يشتري عداءً جديداً في ذروة حصاره قضائياً. ومع ذلك، فإن الحاجة للمزيد من الدولارات وتمويل عملية شراء الفيول والغاز وصيانة وتشغيل الشبكة والمعامل، ستبقى مرهونة بالدولار الذي سينضب قريباً جداً، ولا يعود باستطاعة سلامة مجاراة المنظومة السياسية، فتسقط وعود وزارة الطاقة.
فرص ضائعة
التمويل عقبة أساسية لكنها ليست الوحيدة. فعندما كانت الدولارات متوفّرة، وإن جزئياً، عرقلت وزارة الطاقة حلولاً اقترحتها شركة سيمنز نفسها التي يُرَحَّب بها راهناً. ففي شهر نيسان من العام الماضي، تساهلَت الشركة حيال تحديد نوعية الفيول المستعمل لتشغيل مولّدات معمليّ دير عمار والزهراني. فالمولّدات من صناعة الشركة التي تلتزم بمعايير صارمة لضمان جودة الإنتاج وعدم تضرر المولّدات.
وفي شهر أيلول 2020، وإثر تفجير مرفأ بيروت، قدّمت الشركة الألمانية مساعدة تقنية عبارة عن قطع غيار لمعمليّ الزهراني ودير عمار، كان من المفترض أن تُحَسِّن أداء المعملين، لكن اللبنانيين لم يستشعروا أي انعكاس على التغذية.
على أن الفضيحة الأكبر حصلت في العام 2018، قبل نحو سنة من بدء الانهيار. إذ أسيء استقبال المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، في شهر أيلول. وبعدها في شهر تشرين الأول رفض وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل عرض شركة سيمنز، القائم على التعاون لوضع نظام طاقة فعّال وتأهيل وتطوير شبكات النقل والتوزيع وبناء معامل جديدة. كما أن الشركة أبدت استعدادها لتأمين باخرة غاز في حال أرادت وزارة الطاقة بناء معامل على الغاز. واستدعى هذا السلوك استغراب دبلوماسيين في الأمم المتحدة، ووصفوا المعاملة السيئة ورفض المساعدة بـ"الجنون". وعوض الاعتذار وتصحيح الموقف، حصلت الوزارة على 1.5 مليار دولار ضمن موازنة العام 2018، فضلاً عن 500 مليون دولار إضافية. والرفض كان متوقّعاً، إذ سيكشف دخول الشركة إلى دهاليز الوزارة والمعامل ومؤسسة الكهرباء في إطار التعاون، حجم الفساد والهدر في القطاع، ما سيؤثّر على استكمال المشاريع الباسيلية، وعلى رأسها مشروع مقدّمي الخدمات.
إنزلاق البلاد إلى ما هي عليه اليوم، قد يرغم الوزارة على قبول العروض نظرياً، لأنها تعرف استحالة تأمين التمويل الكافي، فتهرب بالموافقة إلى الأمام، وتعلن قدرتها على تأمين زيادة في الكهرباء فوراً، شرط الإتيان بالتمويل. وصعوبة تأمين الدولارات ترفد الوزارة بحجّة جديدة لرفع شعار "ما خلّونا". ليبقى الثابت الوحيد، هو عدم زيادة ساعات التغذية.
تعليقات: