رياض سلامة لم يعد مهتماً بإعادة أموال المودعين (ريشار سمور)
تبتعد المسافة بين المصارف والبنك المركزي، ويزداد الخلاف بين طرفين لطالما أشادا بأداء بعضهما البعضن ورسما تطلّعاتهما للمستقبل بكل إيجابية، حتى في بداية الانهيار. فكان التوافق بينهما مخالفاً لطبيعة أدوارهما المتعارضة في المضمون.
على أن الخلاف لم يُقفل كل المسارات التي يمكن الالتقاء عليها. والالتقاء المرحلي لا يعالج التصدّع الذي لن يلتئم، لأن مرحلة ما بعد هذه الأزمة ستكون قاسية على الجميع، بمن فيهم المصارف والمركزي. ولذلك، يسعى حاكم المركزي رياض سلامة إلى حماية نفسه بـ"بيع" المصارف وشراء الوقت عبر تهدئة الدولار في السوق.
التوافق غير مبرَّر
تتنافس المصارف مع المركزي في لعبة شد حبال المصالح بينهما. وتلك المصالح توجب التعارض لا الوئام. فالمصارف هدفها الربح الخاص فيما المركزي هدفه الحَدّ من تطرّف المصارف في سعيها لكسب الربح. كما أن المركزي عليه العمل على استقرار السوق النقدي وتهدئة سعر العملة الوطنية. أي أن على المصارف والمركزي البقاء في صراع يومي سلمي، وهو ما كان حاصلاً حين كان إدمون نعيم حاكماً لمصرف لبنان، إلى أن انفجرت علاقته مع السلطة بسبب رفضه تمويل فسادها المرتبط بالمصارف بشكل غير مباشر.
وفي معرض الخلاف، يبقى التعارض قائماً حيال هدف الطرفين وآلية الحماية والخروج من المأزق. فالمصارف تريد استعادة ثقة المصارف المراسلة وجزء من المودعين، وهذا لا يعني رياض سلامة غير المهتمّ بإعادة أموال المودعين أو استعادة المصارف الثقة، بل في إدارة معركته مع القضاء اللبناني والأوروبي، وهو مستعدّ لدفع أي ثمن، حتى وإن كان التضحية بالمصارف.
الكابيتال كونترول يوحِّد
بلغ تأزّم العلاقة بين الطرفين مرحلة متقدّمة، عبَّرَ عنها سلامة مؤخراً بقراره الذي يلزم المصارف بـ"تأمين السيولة اللازمة لسحب موظفي القطاع العام كامل رواتبهم الشهرية وملحقاتها والمساعدات الاجتماعية والمستحقات من صناديق التعاضد العائدة لهم، وعدم وضع قيود عليها سواء لناحية تحديد سقوف للسحوبات النقدية منها أو تقسيطها على دفعات أو فرض عمولات أو نفقات من أي نوع كانت، وعدم التذرع بالسقوف المحددة للسحوبات النقدية من حساباتها لدى مصرف لبنان". والقرار يزيد الضغط على المصارف لتأمين السيولة ويُبرّىء سلامة من حجز أموال المستحقّين.
لكن في المقلب الآخر، توحَّدَ الطرفان على ضرورة إقرار قانون الكابيتال كونترول. فصيغته المقترحة التي لم تمر في جلسة مجلس النواب يوم أمس الثلاثاء، تضع المصارف وسلامة ضمن لجنة واحدة تملك صلاحيات موسّعة تتحكّم بما تبقّى من ودائع، وتنظّم الأموال الآتية إلى المصارف، بما يخدم الطرفين. كما أن الكابيتال كونترول يشرّع ما مرّره الطرفان سابقاً. وبالتالي، تستفيد المصارف من استنسابية فتح الحسابات المصرفية الجديدة وتساهم في تحديد مسار الأموال في الداخل والخارج وتوقيت إجراء التحويلات ونسبتها وحجم السحوبات بما يتناسب مع قدرتها على تأمين السيولة في وقت محدد.
كما أن وجود سلامة في اللجنة إلى جانب رئيس الحكومة ووزيري المال والاقتصاد، يعني تبييض صفحته ودعمه في مواجهة القضاء اللبناني، وتحصينه رسمياً في مواجهة القضاء الأوروبي، وهو ما يتمناه الحاكم.
الدولار درع سلامة
الترحيل المستمر لمشروع قانون الكابيتال كونترول والاستعداد للانتخابات النيابية يخفّف من حدّة التوتّر بين المصارف وسلامة، لأنه يعني كسب الوقت. لكن سلامة لا يستطيع الاستكانة إلى جدار غير صلب، لذلك فهو يمسك بالكتلة النقدية بالدولار ويضخّها في السوق لتهدئة السعر كورقة لابتزاز السلطة السياسية والقضاء أولاً، ولضبط المصارف والتحكّم بها ثانياً، وهو مستعد عند الشعور بالخطر، إلى بيع المصارف والتخلّي عنها وإفلات الدولار ليحلّق مجدداً، فحينها لا ينفع بالنسبة إليه إعادة أموال المودعين أو استقرار الدولار.
اللقاء المرحلي بين المصارف وسلامة لن يدوم. فالمصارف خسرت دورها والكابيتال كونترول يشرّع صورتها الجديدة كمؤسسات تسليف انتقائية وليس كحافظة للأموال، وهذا ما يتناقض مع تعريف المصارف ودورها عالمياً. كما أن المركزي خسر دوره وبات لاجماً لسعر عملة ستنفلت قريباً. وكلّما تأزّم الوضع، احتدم الصراع وزاد الخناق على المودعين والليرة.
تعليقات: