رواتب العراق الدولارية تجذب الفتيات الملتزمات: للتجميل والتمريض

صالون تجميل في العراق (Getty)
صالون تجميل في العراق (Getty)


علاقة وثيقة تربط اللبنانيين الشيعة بالعراق وإيران لأسباب دينية موغلة في القدم، ولأسباب سياسية مستجدة. ومع انهيار الليرة اللبنانية، لجأ شبان وشابات للعمل في العراق من أجل الحصول على رواتب بالدولار الأميركي. وقد اختاروها وجهةً لهجرتهم بسبب سهولة الحصول على فرص عمل فيها ووفرة الدولار. وخلال الأشهر الماضية، هاجر أكثر من 100 طالب/ة تخرجوا من جامعة الرسول الأعظم نحو العراق، بعد أن أمنت لهم فرص عمل، تتضمن المنامة ووجبات الغذاء، مقابل 700$ و800$.


هجرة دائمة

في حديث "المدن" مع سارة طبوش، إبنة الـ22 عاماً، متزوجة، تعلمت اختصاص الأشعة في جامعة الرسول الأعظم وتخرجت عام 2020، وقد وعدت الجامعة خريجيها بتأمين فرص عمل لهم في مستشفى الرسول الأعظم، إلا انها انتظرت طويلاً مع الوعود المتكررة، وبقيت عاطلة عن العمل عامين بعد تخرجها. وأثناء تواصلها هاتفياً مع زميلتها في الدراسة، أخبرتها بأنها انتقلت إلى العراق بعد أن تم قبولها للعمل هناك في قسم الأشعة مقابل 600$ شهرياً، مع تأمين منامةً لها في غرف معدة للممرضين اللبنانيين بالقرب من مبنى المشفى. ونصحتها بتقديم سيرتها الذاتية للمشفى نفسه لأنه بحاجة لطاقم تمريضي من لبنان.

وتقول سارة: "لم يكن لدي أي خيار آخر، فأنا وزوجي بحاجة لأي فرصة عمل. يعمل زوجي في مطعم في حارة حريك وراتبه لا يكفي لتأمين كل احتياجاتنا، إذ لا يتعدى ثلاثة ملايين ليرة، فيما الوظيفة بالعراق توفر لنا منامةً ووجبات طعام مجانية وراتباً بالدولار الأميركي. وهي بيئة مناسبة للعيش المؤقت أو الدائم؛ قريبة من لبنان وبإمكاننا زيارة أهلنا متى ما شئنا. كما أنها فرصة لزيارة المقامات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء. وبإمكان زوجي إيجاد أي فرصة عمل في المطاعم الموجودة في العراق، ولسنا بحاجة لتكاليف باهظة للعيش هناك!"


شروط "شرعية"

وتروي سارة: تواصلت مع مسؤول التوظيف في مستشفى النجف، وأرسلت شهادتي العلمية، وفي أقل من شهر حددوا لي مقابلة عبر السكايب. وخلال المقابلة، حاورني شخص واحد وهو دكتور في المستشفى، فطرح بعض الأسئلة العلمية التي تتعلق بإختصاصي وشرح لي طبيعة العمل، وإلى جانبه جلس شخص ذو لحية كثيفة، لم يتفوه بأي كلمة منذ بداية المقابلة، بل اكتفى بمراقبة حركاتي وأجوبتي. وقبل انتهاء المقابلة طلب مني خلع الكمامة التي كنت أرتديها، فحدّق في وجهي وسألني عما إذا كنت أضع مستحضرات التجميل على وجهي، فأجبته بأني من عائلة ملتزمة دينياً ولا أستعملها، فهز رأسه مبتسماً، وبدأ طرح أسئلته عن نوع ثيابي، مبرراً ذلك بالقول "نسعى لإستقبال اللبنانيات الملتزمات بالزي الشرعي الفضفاض أو العباءة التي ترتديها النساء في العراق". وهذا هو سبب وجوده خلال هذه المقابلة. إذ يهمه أن يعرف عما إذا كنت أستعمل مستحضرات التجميل كأحمر الشفاه وغيره، أو أرتدي لباساً غير محتشمٍ. وعندما شرحت له نوع البيئة التي أنتمي لها، وأكدت له بأنني ارتدي اللباس الشرعي الطويل، ولا مشكلة لدي في لبس العباءة الخاصة بأهل العراق. فأجابني بأني أراعي كل الشروط المطلوبة. انتهت المقابلة، وبعد يومين تم قبولي في الوظيفة! وقد علمت لاحقاً أن إحدى صديقاتي في الجامعة وهي من الأوائل في دفعتنا، رُفضت من الوظيفة نفسها بسبب وضعها الـ"PIERCING".


التمسك بالحجاب

إقبال الشابات نحو الهجرة إلى العراق يعود لأسباب كثيرة، وأهمها أن العائلات الشيعية تفضل هذا البلد عن غيره، إذ تعتبره بلداً عربياً ملتزماً دينياً ويضم مقامات دينية، وهو ملائم جداً لبناتها. لذا، في الآونة الأخيرة هاجرت الكثيرات من الفتيات للعمل وحدهن في العراق، بعد تأمين مسكن لهم. كما أنه بات يضم عدداً كبيراً من اللبنانيين في شتى المجالات. وهو ما شجع الأهالي على الموافقة على سفر بناتهن. فالعراق ليس بلداً سياحياً ولا يضم مقاهٍ سياحية وأماكن سهر ترفيهية وغيرها! لذا، بناتهم سيقضين أوقاتهن في عملهن فقط، وفي أوقات فراغهن وخلال إجازاتهن سيقصدن النجف الأشرف أو كربلاء لزيارة العتبات المقدسة. وبالتالي، ستبقين متمسكات بحجابهن وبالأجواء الدينية.


200 فتاة

من جهة أخرى، تدلي سحر شهادتها لـ"المدن"، وهي صاحبة صالون تجميل في الضاحية الجنوبية. فتقول بأنها ستنتقل للعراق برفقة فريق مؤلف من أكثر من 10 شابات للعمل كمرحلة أولى في مركز للتجميل في منطقة الديوانية العراقية. وفي التفاصيل، أن صاحب المركز تواصل معها، وعرض عليها استلام إدارة هذا المركز طالباً منها تجهيز فريق عمل كبير يضم شابات لبنانيات للعمل لديه.

وضعت سحر إعلاناً على صفحاتها في مواقع التواصل الإجتماعي، وطلبت من الراغبات إرسال سيرتهن الذاتية، لاختيار ما يناسب طبيعة العمل. وتقول، خلال ساعات قليلة، تواصل معي أكثر من 200 فتاة ترغبن بالسفر! وبعد الاطلاع على سيرتهن الذاتية، وجدت أن معظمهن من سكان الضاحية الجنوبية، ملتزمات ويرتدين الحجاب. ولأني من هذه المنطقة، فأنا أعلم جيداً أنه كان من الصعب جداً سابقاً أن يقبل أهالي أولئك الشابات أن يسافرن وحدهن. ولكن الضيقة المعيشية وضعتهم في طريق مسدود، وأجبرتهم على قبول سفر بناتهن لجني بعض المال. وبين دبي أو أي دولة عربية والعراق، طبعاً سيفضلون العراق، لأن دبي بلد سياحي وترفيهي، بينما العراق بلد متدين ومحافظ، له عادات وقيم تشبه كثيراً ما تعتنقه الشابات الشيعيات في لبنان.


رموش طبيعية وبضائع باهظة

تحتاج سحر شهرياً لأكثر من 30 مليون ليرة، تنقسم بين إيجار المحل وفاتورة اشتراك المولد الكهربائي ورواتب موظفيها وبضاعة شهرية للمحل. وعملها الأساسي هو "LASH EXTENSIONS" أي تركيب الرموش الطبيعية على الجفن لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً. وقد تعلمت هذه المصلحة من صديقتها الروسية، ولاقت إقبالاً كبيراً من أهالي الضاحية وجوارها، للحصول على هذه الكثافة الطبيعية التي تضفي جمالاً على وجوههن. وتركيب هذه الرموش يحتاج لبضائع باهظة الثمن وبالدولار الأميركي. لذا وضعت سحر تسعيرة خاصة خلال هذه الأزمة لتجنب الخسارة، في ظل ارتفاع الدولار الجنوني، وهي 40$ للزبونة الواحدة. فيما عرض عليها صاحب المركز في العراق، لإقناعها بإدارة مركزه، أن تقبض 150$ عن الزبونة الواحدة وإعطاء فريقها نسبة من الأرباح، فوافقت!

سحر كغيرها من أصحاب المؤسسات الصغيرة التي قررت ترك لبنان والتوجه نحو العراق، حيث بدأت بعرض بضاعتها للبيع، وتستعد لإقفال مركزها والانتقال الدائم خارج لبنان. وتؤكد أن أكثر من أربعة مراكز لصديقاتها اللواتي يعملن في المجال التجميلي في الضاحية الجنوبية، يحضرن أوراقهن الرسمية وينتظرن جواز سفرهن للانتقال إلى محافظات عدة في العراق للعمل، كإربيل والنجف وغيرها.

تعليقات: