غالبيتهم من النساء: 35 بالمئة من اللبنانيين مدمنو مخدرات!

جمعيات ومراكز تأهيل كثيرة تتوجّه إلى الإقفال بسبب الأوضاع الاقتصادية (Getty)
جمعيات ومراكز تأهيل كثيرة تتوجّه إلى الإقفال بسبب الأوضاع الاقتصادية (Getty)


تشير تقارير الأمم المتحدة عن إدمان المخدرات في لبنان، إلى أن عددهم تضاعف مرتين وأكثر في العامين الماضيين، وزارة الصحة توقفت عن إحصائهم، فيما تؤكد الجمعيات الأهلية ومراكز التأهيل الموزعة في لبنان أن أكثر من 35 في المئة من اللبنانيين/ات يتعاطون المخدرات. وهذه نسبة عالية جدًا وخطيرة. ويزيد من خطورة الظاهرة توجه جمعيات ومراكز تأهيل كثيرة إلى الإقفال بسبب الأوضاع الاقتصادية.


ارتفاع نسبة المدمنات

واللافت في التقارير أن النساء تتصدر أرقامهن المدمنين، إذ بلغت نسبتهن 53 في المئة، مقابل 47 في المئة من الرجال.

وفي حديثه لـ"المدن"، يؤكد الأب مروان غانم، رئيس جمعية "نسروتو" للعلاج من الإدمان، أن الأزمة الاقتصادية أثرت مباشرة على خدمات الجمعية، ولكنها تحاول إيجاد الحلول السريعة قبل التوجه للإقفال كباقي الجمعيات. علمًا أن إقفال مراكز التأهيل يؤدي إلى تشتت المدمنين/ات العاطلين عن العمل وتدهور حالتهم النفسية، فيتجه الرجال منهم إلى السرقة والنشل والقتل للحصول على المخدرات. وهذا يشكل خطرًا على المجتمع.

ويشير غانم إلى أن متابعة حالات المدمنين/ات تبين أن نسبة النساء ترتفع يوميًا. فهناك 3 نساء من كل 5 أشخاص يعانون من الإدمان. وهذه النسبة بدأت ترتفع في فترات الحجر الصحي وما نجم عنها من مشاكل اجتماعية: تزايد حالات العنف والطلاق والجريمة. وفاقم الانهيار الاقتصادي وانفجار 4 آب الوضع، مع ارتفاع نسبة البطالة. وهذا ما دفع النساء إلى تعاطي المخدرات، رغم الارتفاع المهول في أسعارها وسهولة الحصول عليها في ظل غياب أجهزة الرقابة.


قلة الاستحمام ونقص وجبات الغذاء

تغصّ مراكز علاج المدمنين بالمرضى. ومع تفاقم الانهيار الاقتصادي، عجزت المراكز عن تقديم خدماتها كالسابق، وواجهت صعوبة في تأمين الدولار الأميركي لدفع التكاليف الباهظة، في ظل انهيار الليرة وارتفاع أسعار السلع. وتترتب على الجمعية تكاليف شهرية تفوق 150 مليون ليرة، وتصل فاتورة الكهرباء إلى أكثر من 40 مليون ليرة شهريًا. ولتخفيف هذا المبلغ حاولت الجمعية إطفاء الكهرباء وتقنينها ساعات كثيرة في اليوم. وفي الأشهر الماضية في خضم أزمة المازوت التي عانى منها لبنان، واجه المرضى البرد بلا وسائل تدفئة، وتناقص استحمامهم إلى مرة واحدة أسبوعيًا، بسبب عدم توفر المياه الساخنة.

ويعاني مدمنو/ات المخدرات من نقص حاد في المناعة ومن ضعف بدني، بسبب المواد المخدرة في أجسامهم. والأزمة المالية أدت إلى فقدانهم المزيد من أوزانهم، بعد تخلّي مراكز التأهيل عن اللحوم والدجاج في وجباتهم اليومية، بسبب ارتفاع أسعارها، واستبدالها بالخضر والمعكرونة. كما تخلت الجمعية عن البيض واستبدلته بالفول المعلب.


نوبات هيستيريا

وعانت مراكز التأهيل من صعوبة الحصول على الأدوية. وعند انقطاع أي نوع منها استعانت ببدائل، ولكن بعضها فقدت أيضًا، ما أدى إلى الإستعانة بوصفات طبيعية وبالأعشاب.

وأحيانًا عجزت عن تأمين بعض المهدئات، فاستبدلتها بالأعشاب الطبيعية كالبابونج والليمون واليانسون لتهدئة نوبات المرضى الهيستيرية، على اعتبار أن هذه الأعشاب تساعد في معالجة الاكتئاب والتخلص من تقلب المزاج، وتساعد على الاسترخاء. حاولت المراكز شراء بعض الأدوية من تركيا ومصر، لكنها فشلت بسبب أسعارها الباهظة. وتفاقمت حالة المدمنين/ات النفسية بعد توقف علاجهم بالأدوية. فعانى كثيرون من نوبات هيستيرية يومية قوية. وتزايد السلوك العدائي للبعض، فعمدوا إلى تحطيم زجاج نوافذ الغرف، وامتنعوا عن الأكل، وافتعلوا مشاكل كثيرة.


اتصالات يومية واستحالة الشفاء

ويؤكد غانم أن الجمعية تتلقى عشرات الاتصالات يوميًا على الخط الساخن من مدمنين/ات يطلبون المساعدة والتدخل. وكثافة الاتصالات ظاهرة جديدة لم تكن قبل الأزمة الاقتصادية. وتحاول الجمعية قدر مستطاعها مساعدة المتصلين والتحاور معهم، وتحويلهم إلى متخصصين في الطب النفسي والروحي لمساعدتهم على تخطي إدمانهم، وتأمينهم في مراكز التأهيل المناسبة.

وتؤكد مراكز التأهيل أن نسبة الشفاء من الإدمان باتت شبه مستحيلة. فالأزمات المتتالية في لبنان ولدت اليأس في نفوس المرضى، ودفعتهم إلى التمسك بالمخدرات أكثر من قبل. في محاولة لنسيان المشاكل والأزمات الكثيرة. ورصدت المراكز عددًا كبير من أشخاص عادوا من جديد إلى إدمان المخدرات خلال هذه الأزمة، وإلى ترويجها للحصول على المال.

فالمدمن اليوم يجد صعوبة في الخروج من حالته النفسية الصعبة التي تسيطر عليه، ويجتاحه اليأس والخوف. ويحاول المعالج النفسي التخفيف عنه في شتى الطرق. لكن المعالجين يؤكدون أن شفاء المدمن في هذه الظروف بات شبه مستحيل، ومراكز التأهيل خسرت عددًا كبيرًا من الأطباء وأصحاب الاختصاص، بسبب هجرتهم إلى الخارج. ما أدى إلى الاستعانة بمساعدين لا يمتلكون الخبرة المطلوبة.


دولار واحد للمدمن

على الرغم من النداءات والاستغاثات التي ترفعها جمعيات علاج الإدمان، ظلت مؤسسات الدولة غائبة عن تقديم أي مساعدة. ويقول غانم إن الجمعية أطلقت صرختها عاليًا، طالبةً من الدولة دفع المستحقات المتوجبة عليها منذ عام 2019 والتي تجاوزت المليار ليرة، لكنها تتنصل من مسؤولياتها.

وتقدم وزارة الشؤون الاجتماعية 23 ألف ليرة لكل مدمن لتأمين احتياجاته اليومية، أي دولار واحد. فهل هذا يكفي لشراء الطعام والأدوية؟! وناشدت جمعيات علاج الإدمان الوزارة طالبةً منها رفع تكلفة المدمن، لكنها أجابت بأنها عاجزة وشبه مفلسة.

تعليقات: