أقرّ مجلس الوزراء أخيراً مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2007، وجاء هذا المشروع متأخراً أكثر من 6 اشهر عن الموعد الدستوري لإحالته على المجلس النيابي، وهو ما يحصل منذ عام 2005، اذ لم يُحل أي مشروع للموازنة في موعده، ويتم عقد النفقات وجباية الواردات على اساس القاعدة الاثني عشرية.
وتمت احالة مشروع القانون على المجلس النيابي يوم الثلاثاء الماضي في غمرة احداث الشمال والتفجيرات المتنقلة بين الاشرفية وفردان وعالية، وفي ظل إدراك الجميع بأن المجلس النيابي سيبقى موصداً، اقله حتى استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، أي أن المشروع لن يقرّ قريبا، ولا سيما أن مشروع موازنة عام 2006 لم يناقش أو يقر بعد.
ولم تواكب إقرار هذا المشروع وإحالته الضجة الاعلامية المعهودة، ولم «يعنون» بشعارات الإصلاح الرنانة، أو يُرفق بسجل الإنجازات «الإصلاحية» الباهرة.
مر المشروع «هكذا»،كما لو أن مجلس الوزراء ادى واجباً مطلوباً منه الآن وفوراً...
إن قراءة سريعة للتقرير الذي أعدّه وزير المال جهاد ازعور عن مشروع الموازنة، ورفعه الى مجلس الوزراء في جلسته الاثنين الماضي، توفر إجابات كثيرة عن الأسئلة من نوع: لماذا الآن؟ ومن يفرض الواجب؟
فقد بدا هذا التقرير محكوماً بهاجسين أساسيين:
الأول ــــــ تبرير التأخير بحرب تموز التي مضى عليها نحو 10 اشهر، ووفقاً للـ«معزوفة» نفسها التي حكمت كل الأدبيات المالية والاقتصادية منذ اجتماع باريس 3 حتى اليوم، والتي تبيّن لاحقاً أن الهدف منها هو ايجاد الإطار الملائم لدخول لبنان في برنامج مع صندوق النقد الدولي على مرحلتين،الاولى عبر ما يعرف ببرنامج المساعدة الطارئة بعد الكوارث والنزاعات، والثانية عبر برنامج تقليدي للتصحيح الهيكلي يجري التحضير له ابتداءً من العام المقبل.
اما الهاجس الثاني، فهو تقديم وثيقة رسمية يطلبها الصندوق لإثبات التزام مجلس الوزراء بالشروط المتفق عليها لتحرير جزء مهم من التمويلات التي رهنها اصحابها بصدور «براءة الذمة» او «صك البراءة» عن الصندوق نفسه،اذ إن مشروع موازنة عام 2007 تضمن عناصر كثيرة تتصل بهذه الشروط، ابرزها:
1ــــــ رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 في المئة الى 12 في المئة، والضريبة على الفوائد من 5 في المئة الى 7 في المئة، والمعروف أن هذين التدبيرين اللذين التزمتهما الحكومة امام المشاركين في اجتماع باريس 3 لن يبدأ تنفيذهما في هذا العام، بل ابتداءً من 1/1/2008، وكان يجدر أن تتم احالة مشروعي قانونين خاصين لإدخال تعديلات على القوانين الخاصة بهاتين الضريبتين، بدلاً من إمرار التعديلات المطلوبة للسنة المقبلة في مشروع قانون موازنة السنة الجارية، علماً بأن هذا الأمر يعدّ انتهاكاً فاضحاً لمبدأ أساسي من مبادئ الموازنة، وهو مبدأ «السنوية» فضلاً عن مبدأ «الشمولية»، إذ إن هذا المبدأ لا يجيز لمجلس الوزراء، ولا للمجلس النيابي، أن يرتبا أي نفقات أو إيرادات تتجاوز الحدود الزمنية للسنة المعنية، وإن مبدأ «الشمولية» يفرض أن تكون الموازنة متضمنة كل النفقات والايرادات في سنة واحدة.
2ــــــ خفض نسبة العجز المقدر في مشروع الموازنة من 40.54 في المئة، إلى 35.17 في المئة، وهي النسبة التي التزمتها الحكومة امام صندوق النقد الدولي في اطار برنامج المساعدة الطارئة، علماً بأن هاتين النسبتين غير دقيقتين، بالإضافة إلى أنهما وردتا في مشروعي قانونين لم يُقرّا بعد على الرغم من انقضاء سنة 2006، فيما سنة 2007 ستنقضي قبل إقرار مشروع موازنتها...
3ــــــ وتمّ ادخال زيادات على الواردات العادية في مشروع موازنة 2007 تبلغ نحو 1018 مليار ليرة. اذ ارتفعت قيمة الواردات من نحو 6657 مليار ليرة ملحوظة في مشروع موازنة 2006، الى 7675 مليار ليرة، على الرغم من الاوضاع السياسية والامنية غير الملائمة التي ستؤدي حتماً الى تراجع النشاط الاقتصادي عموماً وبالتالي تراجع عائدات الضرائب، وهذا يعني أن السبيل الوحيد لتأمين زيادة الايرادات، اذا تحققت طبعاً، يبقى في تنفيذ التزام الحكومة تحرير اسعار البنزين ابتداءً من ايلول، وهذا التدبير «الجمركي» هو من التدابير القليلة التي لا تحتاج الى قانون بموجب تفويض سابق من المجلس النيابي.
تبقى الملاحظة الاهم، أن إقرار المشروع في مجلس الوزراء جاء بالتزامن مع بدء بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان استطلاعاتها للأوضاع تمهيداً لإعداد التقرير الخاص الذي سيتضمن هذه السنة تقويماً لمدى التزام الحكومة بتعهداتها.
تعليقات: