تشكيل هذه اللائحة بحد ذاته هو العمل السياسي الوحيد الجدي في لبنان (علي علّوش)
من بين كل الدوائر الانتخابية في لبنان تعتبر معركة الدائرة الثالثة في الجنوب من أفضل وأوضح المعارك في لبنان كله. ليس لأن المعركة محصورة بلائحتين وحسب، بخلاف تشتت قوى المعارضة في كل الدوائر، بل لأن لائحة "معاً نحو التغيير" تخوض معركة جميع اللبنانيين ضد السلطة وأركانها.
المعركة الأكثر وضوحاً
هي "اللائحة" مع أل التعريف، لأنها الوحيدة في لبنان نجحت فيها المعارضة بحصر المعركة بين طرفين نقيضين: السلطة وكل القوى من خارج السلطة، مهما اختلفت توجهاتهم العقائدية. والسلطة في الجنوب تتجلى بأبهى حلتها بوجود حامي السلطة ومانع سقوطها، بما فيها المصارف وأصحابها، أي حزب الله. وكل شعوذات الحزب ضد المصارف والحفاظ على أموال المودعين، تسقط بترشيح المصرفي، الأكثر شراسة في الدفاع عن المصارف لعدم استرداد أموال المودعين، مروان خير الدين.
وهي اللائحة التي جعلت المعركة في الجنوب الثالثة الأكثر وضوحاً في لبنان كله: طرفان في معركة انتخابية وضعا الناخب أمام استفتاء لأحد الخيارين. الخيار الأول ممثل بأحزاب "المنظومة" السياسية والاقتصادية والأمنية والمصرفية (كل المآسي التي يعيشها اللبنانيون اليوم)، والخيار الثاني ممثل بكل قوى الاعتراض مهما اختلفت توجهاتهم حول سلاح حزب الله.
تجنب ملعب حزب الله
وقد تجنبت جميع القوى التطرق لسلاح حزب الله كي لا تنجر إلى خلافات داخلية لا تفيد المعركة الانتخابية. وحسناً فعلت بعدم الانجرار إلى ملعب حزب الله المفضل: جعل المعركة استفتاء على سلاحه لشد عصب ناخبيه في زمن القلة والفقر والعوز، حيث لا ينفع الصاروخ بإنارة المنازل، ولا المسيّرات في شفاء المرضى، ولا البنادق في تعليم الأطفال وجيل المستقبل.
ورغم ذلك اندفعت أطراف عدة إلى التصويب على اللائحة. طرف أهل البيت الواحد، أي المعارضين لحزب الله وسلاحه وطرف الخصم السياسي في اللائحة المقابلة.
فبعض المعارضين يستعيبون على اللائحة عدم تبني برنامجها السياسي طروحات واضحة ضد سلاح حزب الله، وطرف معارض مجهري يصوب على اللائحة لضمها مرشحين لهم مواقف واضحة من سلاح حزب الله.
اختصار السياسة بالسلاح
أما الطرف النقيض، أي السلطة، فبدأ بحملات منظمة تشهيرية وخصوصاً ضد أبرز مرشحي اللائحة علي مراد، المعروف بمواقفه المعارضة منذ سنوات، ضد كل ما تمثله السلطة. ويصوره هذا الطرف تارة أنه من جماعة السفارات وطوراً من جماعة لقمان سليم أو كتائبي أو قواتي وضد سلاح "المقاومة" وهلم جرى. والأدهى أن الجهة عينها هذه تشيع أن اللائحة رشحت حسن بزي الداعم لحزب الله، للاستفادة من الناحيتين، بما يشبه المنشار آكلاً الخشب صعوداً ونزولاً.
ورغم أن سلاح حزب الله ليس طبقاً لا أساسياً ولا ثانوياً على مائدة الانتخابات المقبلة، ولا على مائدة غالبية اللبنانيين الباحثين عن قوت يومهم وطبابة أطفالهم ومدارسهم وجامعاتهم، يستعيب أصدقاء اللائحة عليها خلو برنامجها من المواقف التصعيدية ضد سلاح حزب الله. وهذا أشبه باختصار السياسة كلها بجانب واحد لا حول ولا قوة للبنانيين والعرب ودول الغرب على حله. أو كما لو أن على هذه اللائحة التطرق لكل قضايا الكون في انتخابات تخاض في لبنان عادة ليس خارج السياسة وحسب، بل حتى من دون طرفي المعادلة الانتخابية: المعارضة والموالاة.
السياسة الجدية
في الحقيقة، يكاد أن يكون تشكيل هذه اللائحة بحد ذاته هو العمل السياسي الوحيد الجدي في لبنان منذ سنوات وعقود. ورغم ذلك لا يلتفت بعض المعارضين إلى أهميته، على اعتبار أن الموقف من سلاح حزب الله أساس كل شيء. ولا يلتفتون إلى أن المعارضة لم تنجح في توحيد صفوفها إلا في الجنوب الثالثة، وفي لائحة تخوض معركة ضد لائحة السلطة وعامودها الفقري حزب الله، سواء سمت سلاحه أو تجاهلته.
لقد اجتمعت المعارضة في لائحة تضع المفتش المالي النزيه بمقابل نواب صناديق الهدر والمحسوبيات والزبائنية، التي كانت السبب الأساسي لما يعيشه جميع اللبنانيين اليوم. وفي لائحة تضع أستاذ القانون، الذي يريد التشريع على قاعدة الحقوق والواجبات، مقابل نواب تشريع التحريض الطائفي والمذهبي لشد عصب ناخبين باتوا بلا أي عصب وخائرين. ووضعت رجل الأعمال، الذي فقد أمواله في المصارف، بمقابل بائع مجوهرات يشتري صوت أبناء الجنوب (العزة والكرامة) بأبخس الأثمان: بمئة ألف ليرة، أي أقل من خمسة دولارات، وتجار المحروقات والمواد الغذائية، الذين استفادوا على حساب مأساة اللبنانيين طوال سنوات الدعم ليشتري الصوت بأكياس أرز وعدس وسكر. ووضعت طبيب العيون مقابل من يريد التعتيم على البصر والبصيرة، بالدين تارة وبالتخوين والتخويف طوراً. لكن هذا كله يكاد يكون غير مرئي لبعض أصدقاء اللائحة.
سلاح الموقف
لا يدرك أصدقاء اللائحة أن أهمية المعركة في الانتخابات المقبلة تكمن في خرق لوائح السلطة، فكيف إذا كان الخرق في دائرة مقفلة منذ عشرات السنوات. إذ يكفي أن ترتفع نسبة مشاركة الأغلبية الصامتة (خمسين بالمئة من الناخبين في الدائرة لا يقترعون) بنحو ثلاثة بالمئة فقط كي يتغير توزيع المقاعد في الدائرة، وتحصل المعارضة على مقعدين أو أكثر. وهذا يستدعي جعل معركة الدائرة الثالثة معركة وطنية بين من يريد تجاهل مأساة اللبنانيين بسرقة العصر وإفلاس الدولة، ومن يريد استعادة الحقوق، حتى لو لم يستطع إلى ذلك سبيلاً. ففي هذه المعركة سلاح الموقف، المعلن في بيان أو مبطن في دواخل الجنوبيين، أمضى من كل الأسلحة، من أصغر مسدس حربي إلى أكبر صاروخ ذكي.
تعليقات: