على واشنطن التخلص من سمعة تسامحها مع فساد النخب السياسية الصديقة (Getty)
يشكل مأزق لبنان تحديًا فريدًا لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. لكن مع الحث المستمر الذي يبديه المسؤولون الأميركيون للقادة اللبنانيين لكبح جماح الفساد وإجراء الإصلاحات، التي من شأنها أن تفتح الطريق أمام الإنقاذ الدولي، يظهر جليًا أن قلة في لبنان تأخذ كلام الولايات المتحدة على محمل الجد، نتيجةً لتسامحها المزمن مع النخب الفاسدة التي اختارت غضّ الطرف عنها لاعتبارات غير عقلانية.
التسامح مع الفساد
هذا تحديدًا ما ورد في الدورية الأميركية الشهيرة "فورين أفيرز" عن وضع لبنان وأزمته الاقتصادية والمالية الأسوأ في التاريخ، والتي اعتبرت أن أميركا تواجه أزمة مصداقية عندما يتعلق الأمر بالفساد في لبنان. وقالت المجلة ما حرفيته "إنها مشكلة بحاجة للإصلاح لو افترضنا أن إدارة بايدن أرادت أن تكون فعلًا عامل إصلاح".
وتابعت الدورية الأميركية بتسليط الضوء على دعم الفاسدين في لبنان. فلفتت إلى أنه منذ الكشف عن خطة بايدن لمكافحة الفساد العام الماضي، أكد المسؤولون الأميركيون على أهمية معالجة المشكلة. وحث المسؤولون في وزارة الخزانة قادة لبنان والمصارف على التعامل بجدية مع جهود تحسين الشفافية والمحاسبة. لكن هذه الجهود الأميركية لم تكن مقنعة نظرًا للانطباع داخل لبنان عن قرب الولايات المتحدة من النخب السياسية في البلاد. وخير مثالٍ على ذلك، حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي ظل حتى وقت قريب بعيدًا عن المساءلة، نظرًا لعلاقاته بالولايات المتحدة.
وتذكِّر الدورية، باعتراف ديفيد شينكر الذي عمل مساعدًا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ما بين عاميّ 2019 و2021، بفرض سلسلة من العقوبات ضد حزب الله وحلفائه من دون التركيز على القضية الأساس، أي الفساد. وهنا، توضح الدورية أن عقوبات بايدن التي فُرضت في تشرين الأول من العام الماضي بالطريق نفسها، فُهمت أنها تستهدف حلفاء حزب الله، ولا يُرتجى منها الاقتصاص من الفاسدين.
فك الارتباط بالنخب
وفي معرض طرح الحلول لترميم هذا الأداء الأميركي الباهت في لبنان، تحتاج الولايات المتحدة، حسب الدورية، إلى إعطاء الأولوية للاقتصاد اللبناني على الحفاظ على العلاقات مع القادة الذين دمروه. لذا، عليها التخلص من سمعة تسامحها مع فساد النخب السياسية واستخدامها مكافحة الفساد والعقوبات كأداة للحد من تأثير حزب الله. وعليها التأكيد لمحاوريها في لبنان على أهمية الإصلاح والتعاون مع دول مثل فرنسا. كما يجب عليها أن تدفع قادة لبنان إلى الموافقة على شروط صندوق النقد الدولي، بما فيها إعادة هيكلة القطاع المالي وتقوية البنوك الفاشلة وتدقيق حسابات المصرف المركزي.
أكثر من ذلك، تطالب الدورية الأميركية واشنطن بفك ارتباطها مع النخب السياسية والمالية، وخصوصًا رياض سلامة المسؤول عن الانهيار المالي. وهذا أمرٌ مهم، خصوصًا أن الاشتباك السياسي المحلي متواصل حول من يجب لومه عن الأزمة ومن يجب تدفيعه الثمن. وفي هذا النقاش الداخلي، تستمد النخب التي تسعى إلى إعاقة الإصلاح قوتها من علاقاتها مع الولايات المتحدة. وهذا هو السبب في أنها سعت باستمرار إلى تصوير التفاعلات مع المسؤولين الأميركيين على أنها بادرة رضى من واشنطن. وبذلك، لا ينبغي أن يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تقف إلى جانب النخب التي تقاوم الإصلاحات الضرورية.
استهداف الحلفاء
وإضافةً إلى ما تقدم، يمكن لإدارة بايدن، وفق الدورية الأميركية، أن تشير إلى جديتها في محاربة الفساد من خلال فرض عقوبات جديدة على الشخصيات اللبنانية الفاسدة عبر الطيف الطائفي والسياسي الواسع. ويجب أن تتابع عقوبات مكافحة الفساد في تشرين الأول 2021 من خلال استهداف المزيد من السياسيين والمصرفيين والشخصيات الإعلامية المتورطة في الفساد العام، بما في ذلك الأفراد المرتبطين بأحزاب صديقة تقليديًا للولايات المتحدة.
وتلفت الدورية الأميركية إلى أن ما تقترحه يحتم بعض الآثار جراء اتخاذ مواقف متشددة، وتتسبب بضرر العلاقات الطويلة مع الساسة اللبنانيين والنخب المالية. إلاّ أن هذه الرموز لا خيار أمامها إلا التعاون مع أولويات أميركا في مكافحة تمويل الإرهاب واستبعاد حزب الله من شبكات البنوك الدولية. وعلى أية حال، على الولايات المتحدة التركيز على إنقاذ لبنان من الانهيار، بدلًا من الحفاظ على علاقتها بالنخب التي تسببت في أزمته. وهذا يعني الدفع بإصلاحات مؤلمة، حتى لو أثرت على الساسة الذين لهم علاقات قوية بواشنطن.
وتختم "فورين أفيرز" مشيرة إلى أن لبنان هو اختبار أساسي لأجندة إدارة بايدن لمكافحة الفساد. ذلك أن ما تفعله الولايات المتحدة هناك لن يؤثر على احتمالات خطة الإنقاذ التي قد تمنع الدولة اللبنانية من الفشل وحسب. بل سيثبت أيضًا للأنظمة الفاسدة حول العالم أن واشنطن جادة في محاربة الفساد. ولكن للقيام بذلك، يتعين على إدارة بايدن أن تُظهر للقادة اللبنانيين أنها لن تتسامح بعد الآن مع هذا النوع من الفساد الكبير الذي أضر بالاقتصاد اللبناني. أما في حال تعذر ذلك، فإن خطاب بايدن المناهض للفساد لن يكون سوى مجرد كلمات.
تعليقات: