لا كهرباء مضمونة بعد الانتخابات: الفيول العراقي لا يكفي

العتمة شبه شاملة في معظم المناطق (مصطفى جمال الدين)
العتمة شبه شاملة في معظم المناطق (مصطفى جمال الدين)


ليست المرة الأولى التي يخرج فيها أحد معمليّ الكهرباء في دير عمار والزهراني من الخدمة مؤقتاً، بسبب تراجع كمية الفيول. ولن تكون الأخيرة، طالما أن تأمين هذه المادة لا يرتبط بخطة واضحة ومستدامة. وما يجعل خروج معمل دير عمار ظهر يوم الثلاثاء، واستعداد معمل الزهراني للّحاق به "خلال اليومين المقبلين"، أكثر سوءاً من المراحل السابقة، هو اعتمادهما على الفيول العراقي حصراً، وسط صعوبة تأمين الدولارات لاستيراد كميات إضافية لزيادة ساعات التغذية، فضلاً عن انتظارهما تطبيق اتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر.

بمعنى آخر، يعتمد المعملان على فيول سينضب قبل أيلول المقبل، وعلى أوهام اتفاقيات مرتبطة بقرارات دولية لا يعلّق اللبنانيون آمالاً على تنفيذها. وفي النتيجة، قد لا تحافظ مؤسسة كهرباء لبنان على آخر إمدادات الكهرباء شبه الميتة. فما مصير الكهرباء؟


ما بعد الانتخابات

تُطمئن المؤسسة إلى أن الـ40900 طن من الفيول الإضافية يُرتَقَب وصولها مساء يوم الأربعاء 20 نيسان، سيُنظَر في مواصفاتها ثم تُفَرَّغ في خزانات المعملين. وإتمام العملية بنجاح يعني ضمان "الحفاظ على حد أدنى من الثبات والاستقرار في التغذية بالتيار الكهربائي"، وفق بيان المؤسسة الذي أوضح أن الاستقرار الذي تؤمّنه كمية الفيول المنتظرة سيستمر "لغاية تاريخ 18/05/2022 كحد أقصى"، أي لما بعد الانتخابات النيابية المفترض حصولها في 15 أيار.

بعد تلك الفترة يبقى أمام المؤسسة انطفاء المعامل مرة أخرى، وانتظار توريد شحنة جديدة من الفيول العراقي. على أن يتكرّر هذا المشهد لغاية أيلول المقبل على أبعد تقدير. وهو موعد انتهاء صلاحية العقد بين لبنان والعراق. وإن كانت السلطة السياسية تمتهن الوعود في فترة ما قبل الانتخابات، فإنها بعد الخامس عشر من أيار تكون قد جدّدت لنفسها 4 سنوات من الحكم وانتفت مفاعيل الوعود، ما يُسهِّل عليها تنفيذ القرار الذي بحثته الحكومة يوم الخميس الماضي، والمتعلّق بتأمين قيمة سلفة الخزينة للكهرباء من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي في أيلول 2021.

تمرير الانتخابات وإقرار سلفة الخزينة بقيمة 5000 مليار و250 مليون ليرة، ليس الأزمة الوحيدة. فالسلطة تتناسى أنه في آخر شهر نيسان الجاري، تنتهي مفاعيل القانون 129/2019 الذي يعطي مجلس الوزراء صلاحيات الحلول مكان الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وإعطاء الإذن بإجراء المناقصات. وبالتالي، إن كانت الحكومة ووزارة الطاقة يريدان البدء بالتخفيف من أزمة الكهرباء، فعليهما اتخاذ قرار بشأن مناقصات لمشاريع كهرباء تعتمد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإلاّ فلن نخرج بعد الانتخابات من دوّامة العجز عن تأمين الفيول للمعامل.


رهان على الوقت

كان شهر آذار المنصرم موعداً لبدء تصدير الكهرباء الأردنية إلى لبنان، وهو ما وعد به وزير الطاقة وليد فيّاض ونظيره الأردني صالح الخرابشة، الذي تدارك في منتصف شهر شباط الماضي، عقم الوعد، فربط تحقيقه بـ"الانتهاء من اتفاق تمويل مع البنك الدولي". والتمويل لن يأتي بالسهولة التي يصوّرها المسؤولون. فلا يبقى أمام اللبنانيين سوى "بحث خطة النهوض بقطاع الكهرباء"، والتي يصفها فيّاض بـ"خطة طموحة جداً"، وتتضمّن "خفض نسبة التعديات وتحسين الجباية ورفع التعرفة التي ستبقى أقل من تعرفة المولدات الخاصة بمعدّل 70 بالمئة".

هو رهان جديد على الوقت. فخطة فيّاض غير قابلة للحياة، وهو يعلم ذلك. لكنه يحتاجها للوصول إلى الهدف الأبعد، وهو إنشاء معمل للكهرباء في سلعاتا. وتساعد بيانات مؤسسة الكهرباء في الضغط لإنشائه، وإقرار سلفات خزينة، والمطالبة بما تراه المؤسسة حقوقاً لها في الـ133 مليار ليرة الموجودة في حسابها لدى مصرف لبنان، والتي طالبت بها سابقاً، في حين يعتبر المصرف أن هذا المبلغ لم يعد ملكاً للمؤسسة، وإن بقي في حسابها، طالما أن عليها ديوناً للمتعهّدين وللدولة من خلال سلفات الخزينة التي على المؤسسة ردّها قانوناً، وهو ما لم تلتزم به يوماً. فالمؤسسة تتغاضى عن كل التزاماتها، بما فيها تأمين الفيول للمعامل، وتحيل المسؤولية على وزارة الطاقة وتالياً على وزارة المالية وخزينة الدولة.

الوقت ليس في صالح اللبنانيين، لكنه في صالح الطبقة السياسية، وتحديداً مَن يمسك بوزارة الطاقة. فالتقنين شبه الكامل مستمر لغاية منتصف أيار، وبعده يُهَدَّد بإطفاء أحد المعملين أو كلاهما بانتظار شحنة إضافية من الفيول العراقي، فينضج الابتزاز بخروج المعملين من الخدمة، لتأمين قيمة السلفة، وتتكرّر المعادلة. علماً أن جزءاً كبيراً من الفيول العراقي يكفي لتشغيل المعامل وضمان عدم انفصالها عن الشبكة، فيما لا يبقى سوى القليل لضخّه كهرباءً إلى الشبكة. فالكميات المؤمّنة من ذلك الفيول تكفي لإنتاج نحو 450 ميغاوات، فيما كان المعملان قبل الأزمة ينتجان نحو 750 ميغاوات.

تعليقات: