ستستمرّ الخطة الأمنية إلى عيد الفطر (أرشيف ــ هيثم الموسوي)
تعيش العصابات التي تتّخذ من الضاحية الجنوبية لبيروت مركزاً لنشاطها حالة طوارئ منذ مطلع شهر رمضان، مردّ ذلك إلى العملية الأمنية التي باشر الجيش اللبناني بتنفيذها بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، والتي تم تصنيفها على أنها واحدة من كبريات المهامّ التي نُفّذت جنوبي العاصمة أقلّه خلال العقد الأخير.
في أعقاب نموّ متسارع للاعتداءات الأمنية خلال الفترة الأخيرة في الضاحية الجنوبية، وتداول أنباء وأشرطة فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر قيام مجرمين بعمليات اعتداء جسدي شملت سلباً وتشليحاً ونشلاً وسرقة بقوة السلاح، كان لا بدّ من تنفيذ عملية أمنية واسعة. قرار أثار ارتياحاً لدى أهالي وقاطني الضاحية بعدما ساد اعتقاد على نطاق واسع بأن منطقتهم باتت مسرحاً لأعمال الجريمة المنظّمة، فاتخذ كثيرون حالات الحذر في مناطق محددة ضمن الضاحية خلال فترات المساء (طريق المطار القديم، السفارة الكويتية ومنطقة الرحاب، صحراء الشويفات، الأجنحة الخمسة وطريق التيرو بالإضافة إلى الرمل العالي وشارع البركات عند أطراف حي السلم، الكفاءات، الجاموس وغيرها) ما انعكس سلباً على حركة الأشخاص سيّما خلال الأوقات المتأخرة.
بنك أهداف و3 مناطق
الأعمال الجرمية التي تطوّرت إلى حدّ إطلاق النار على ضحايا بنية القتل، دفعت بالجيش اللبناني والأجهزة الأخرى إلى تنفيذ خطة أمنية شاملة بناءً على "بنك أهداف" متوفر لديها. وبحسب معلومات "الأخبار"، تم تشكيل غرفة أمنية لإدارة العملية ووُضعت أهدافٌ واضحة لها. أولاً العمل على إعادة إرساء حالة الهدوء والاطمئنان في الضاحية الجنوبية وضرب معاقل المخلّين بالأمن. ثانياً، الشروع بملاحقات وتوقيفات بموجب "بنك الأهداف" الذي يتضمن أسماء مجرمين ولصوص ومتورطين خطيرين أُدرجوا على قائمة تحمل المسؤولية الأساسية الناتجة عن التسبّب بالتفلّت الأمني الحاصل في الضاحية. وفي هذا السياق، تنفي مصادر مسؤولة لـ"الأخبار" ومواكبة للإجراءات، الأنباء التي سرت عن استباق العملية الضخمة باجتماع أمني - تنسيقي ضمّ ضباطاً من الجيش والأجهزة المختلفة مع مندوبين عن ثنائي حركة أمل - حزب الله.
عملياً، قسّمت القوى العسكرية والأمنية مسرح عملياتها إلى 3 مناطق أساسية، تشير جميع المعلومات التي توفرت لـ"الأخبار"، إلى أنها تشكل مراكز انطلاق أساسية لأفراد العصابات وتشمل تأثيراتها المناطق المحيطة بها، والتي صُنّفت أمنياً على أنها مناطق ارتكاز دائم للنشاط الإجرامي. توزّعت المناطق جغرافياً على النحو التالي:
- صحراء الشويفات، وبحسب المعطيات الأمنية تشكل هذه المنطقة النسبة الكبرى من النشاط الإجرامي العام الذي يستهدف الضاحية الجنوبية.
- حي السلم، ويندرج في المرتبة الثانية من حيث الأهمية والحضور، ويتوزّع نشاطه الإجرامي في اتجاهات مختلفة.
- منطقة صبرا ومخيما صبرا وشاتيلا، من بين المناطق التي تشكل مجالاً لنشاطها منطقة السفارة الكويتية – الرحاب والجزء الأدنى من طريق المطار القديم محطّ أكثر من اعتداء تم تسجيله أخيراً، فيما يعود النشاط الإجرامي على طريق المطار بشكل عام إلى أفراد ينطلقون من مخيم برج البراجنة ومحيطه، بالإضافة إلى جيب صغير يتموضع في المنطقة الواقعة خلف أوتيل "غولدن بلازا" حيث تتمركز مجموعة عائلية تمتهن عمليات الاعتداء بالسلاح وفرض الخوات.
المحافظة على النتائج
غير أنه وفي سياق آخر، يعتمد النشاط الإجرامي على اللامركزية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أحصت المعطيات الأمنية التي توفرت لدى مخابرات الجيش، وجود "أمراء" ورؤوس مدبّرة في مجال سرقة الآليات والدراجات النارية والنشل والسلب بقوة السلاح وتنسيق عمليات خطف والاعتداء والإتجار بالأسلحة والممنوعات، يقطن معظمهم في مناطق تقع في عمق الضاحية الجنوبية ويوجهون نشاطاتهم في أكثر من اتجاه، أبرزهم مطلوب بعدة استنابات قضائية في مجال السلب بقوة السلاح يستقرّ في حارة حريك. وكانت مديرية المخابرات قد أوقفت قبل أيام شقيقين من آل موسى يُعدان بمثابة "محترفي عمليات نشل" باستخدام الدراجة النارية، وفي سجلّهما مجموعة كبيرة من عمليات نشل محفظات نسائية وسلب هواتف تخلّل بعضها إطلاق نار على أقدام الضحايا. وفي الغالب، تحصل هذه الاعتداءات بهدف تأمين سيولة لشراء مواد مخدّرة.
ويظهر جدول عام حصلت عليه "الأخبار" حول كيفية سير حوادث السلب بقوة السلاح والنشل وسرقة دراجات نارية وآليات من 1/1/2022 لغاية 18/4/2022، أكثر من 1500 عملية في مختلف المناطق اللبنانية، احتلت فيه محافظات جبل لبنان بيروت والشمال النسبة الكبرى لتبلغ أكثر من 700 عملية ما يعادل النصف تقريباً، فيما نالت مناطق جبل لبنان (الضاحية منها) حصة الأسد. غير أنه وفي جدول آخر شمل تواريخ محددة من 17/3/2022 إلى 18/4/2022، كان لافتاً تراجع النسبة إلى ما دون النصف سيّما في مناطق جبل لبنان. مردّ ذلك حسبما يظهر، إلى مضامين الخطة الأمنية الجاري تنفيذها في الضاحية. ووفق معلومات "الأخبار"، ستدوم الخطة بوتيرتها التصعيدية الحالية إلى عيد الفطر المقبل، على أن يجري بعدها تطبيق آلية أمنية مُعينة تهدف إلى المحافظة على النتائج التي تم تحقيقها.
الردع الأمني أُنجز وبنك الأهداف أوصل إلى 43 موقوفاً بينهم 36 لبنانياً
بموازاة ذلك، ستُستأنف ملاحقة المطلوبين والناشطين وتوقيفهم. وتشمل العملية الأمنية الحالية، نشر حواجز "طيارة" ومتنقلة في شوارع وأزقة الضاحية الجنوبية، مداهمة مطلوبين في أماكن تواجدهم، وتجميع معلومات ومعطيات حول آخرين. وعلى عكس الصورة الراسخة التي يوحي البعض خلالها بوجود "جزر أمنية" في الضاحية عصية على الحضور الأمني الرسمي، يكشف مصدر أمني مسؤول لـ"الأخبار" أن لا محاذير أمنية في الضاحية. وحول طبيعة التعاون والتنسيق مع القوى السياسية الموجودة، أفاد بأنها "متعاونة إلى أبعد حدود، ولا حاجة إلى تنسيق في أعمال مكافحة الجريمة وإنما تعاون". وعلى عكس ما يشاع دائماً حول رسم خطوط حمراء من قبل هذه القوى، جدّد التأكيد "أن لا محاذير أمنية، بدليل خريطة المداهمات التي يتم تطبيقها على الأرض".
تراجع السرقات بنسبة 50%
وبالعودة إلى التقديرات الأمنية، فقد ثبت تراجع عمليات الاعتداء (نشل وتشليح وسرقة دراجات) خلال العشرين يوماً الأخيرة بنسبة تفوق الـ50%، وهذا تبيّنه الإحصاءات التي ترد إلى القطعات الأمنية المختلفة. هذه العلامة تدركها من خلال استعادة شرايين رئيسية كطريق المطار القديم، حيويتها المعهودة خلال فترة الليل وأوقات السحور، وهو ما يؤكده مالك أحد المطاعم الشهيرة في المنطقة والذي يلمّح إلى صعوبات واجهت عمله خلال الأوقات المتأخرة من الليل بفعل تردّد الزبائن في المجيء إليه، بخاصة عبر الدراجات النارية مخافة "تشليحهم"، هذا بالإضافة إلى حدّه من حركة عمال التوصيل لديه بعدما تعرّض أحدهم لاعتداء قبل فترة وسلب دراجته. ووفق معلومات "الأخبار"، بلغت حصيلة الموقوفين حتى الساعة 43 شخصاً (36 لبنانياً و6 سوريين وفلسطيني واحد) متورّطين في ارتكاب اعتداءات، سلب، قتل، تعاطي وترويج مخدّرات، وتجارة أسلحة وسرقة على أنواعها. وربطاً بتراجع منسوب النشاط الإجرامي في المنطقة، يكون الهدف الرئيس من العملية قد أُنجز، والذي حُدّد بداية بإعادة فرض "الردع الأمني" كمسار إجرائي لأجل أن يعيد ترتيب الأمور ويفرض هالة أمنية، ستصيب نتائجها نفسياً المخلّين بالأمن، ما يدفعهم إلى الحذر من تنفيذ أي عملية وسط غياب الأريحية السابقة، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى خلق جو أمني مؤاتٍ لحصرهم في أماكن تواجدهم تمهيداً للقبض عليهم لاحقاً.
تعليقات: