جنبلاط: كما الناس، أتساءل: ماذا ستغيّر الانتخابات؟ (علي علّوش)
من يلتقي بتيمور جنبلاط هذه الأيام يمكنه التماس مدى التغيّر الذي طرأ على شخصية الرجل. على هيئته ترتسم ملامح متزاوجة من والده وجدّه. حركة جسده تشبه إلى حدّ بعيد حركة جسد وليد جنبلاط. وضع اليد على الرأس، إفلاتها من جمودها أو ثباتها لحظة إشارته إلى شيء ما. من حيث الشكل يمكن للمرء أن يرى بعضًا من "كاراكتير" جنبلاط الأب، على الرغم من أن الإبن لديه شخصيته، وهدوؤه الذي يعرف جيدًا أنه يتمتع به.
قلق 7 أيار والشباب
وعلى الرغم من ذلك، يستشهد بهدوء والده، مستذكرًا أحداث 7 أيار، حين كان هو في باريس ووالده محاصر في كليمنصو، ويقول: "استغربت إلى حدّ بعيد مدى هدوء وليد جنبلاط. وهذا أمر غريب في مثل هذه الظروف. كنت أنوي العودة إلى لبنان سريعًا، ولكنه رفض مرارًا". ولدى سؤاله عن مواكبته لتلك المرحلة يقول: "كنت أعيش حالة استنفار وحاجتي الضرورية إلى العودة فلا أترك الوالد ولا المختارة. لكن وليد جنبلاط رفض كليًا، وكنت كلّما أتصل به لأبلغه بعودتي، يقول سريعًا ماشي الحال، وما في شي، الوضع تحت السيطرة".
على الرغم من إشارته إلى هدوء والده، يبدو تيمور الشاب على درجة أعلى من الهدوء. أفكار تختلف نسبياً عن أفكار والده. حماسته لثورة الشباب اللبناني الذي انتفض على تقاليد وقواعد بالية. وكان لا بد من استكمال هذه الثورة بطروحات جديدة. طروحات يقول تيمور لـ"المدن" إنه يؤمن بها منذ بداية شبابه، وتجلّت في أنشطته مرارًا قبل عشر سنوات معتبرًا: "أن لبنان يحتاج إلى ثورات متعددة، بعضها فكري والآخر ثقافي، وصولًا إلى الثورات الاجتماعية والسياسية. وهذا يرتبط بالمجتمع وتحولاته التي لا بد من مواكبتها".
استلهام الجد للتغيير
ينطلق في هذا الكلام على الرغم من انهماكه في الملف الانتخابي. يجري جولات أسبوعية على المناطق. فهذه لها مسؤولياتها بالوقوف إلى جانب الناس والاستمرار بالتقاليد اللبنانية. لكنها لا تغني عن الاهتمام بشؤون أخرى: "لأنني، كما الناس، أتساءل: ماذا ستغيّر الانتخابات؟ وهل هي حقًا مهمّة في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها اللبنانيون؟ وهل هناك فعلًا قدرة على التغيير؟ هذه أسئلة كبيرة تفرض مسؤوليات أكبر، لا بد من الاهتمام بها والتركيز عليها في مرحلة ما بعد الانتخابات".
في الكثير من طروحاته يختلف مع توجهات والده. فهو مع التجديد المطلق في الحياة الشبابية والحزبية، ومع تطوير الأحزاب، وصولًا إلى ضخ دماء جديدة في شرايين الحزب التقدمي الاشتراكي. على يمينه علمان: علم لبنان وعلم الحزب. ينظر إليهما ويعبّر على حزنه على وضع لبنان، يمسك علم الحزب ويقول: "صحيح أنني غير مقتنع بالكثير من الأمور السياسية التي أصبحت مكرسة في لبنان. ولكن هذا العلم وما طرحه كمال جنبلاط من أفكار يبقيان الأمل لدي. أمل لا بد من التمسك به للاستمرار ومواكبة التحولات الاجتماعية والفكرية والثقافية. فالحياة تتقدم ولا بد من التركيز على المستقبل من خلال استلهام الماضي وجعله درسًا نستقي منه العبر. يستند إلى مقولة جدّه: لا يمكن جعل الماضي صنمًا في هياكل الأصنام التي يعبدها الناس. فالحياة تسير ولا بد من الانطلاق إلى الأمام".
يرتكز إلى قناعة تاريخية لدى آل جنبلاط، الممتدين على مدى أربعة قرون. ولكن كل شخصية تزعّمت الدار والدور كان لها طبعها وظروفها واختارت طريقة عملها. وهذا ما يركّز عليه في مسيرته للتجديد في خطابه السياسي، وفي البنية الحزبية. يشير إلى أنه يعمل على جعل الحزب فتيًا أكثر في مرحلة ما بعد الانتخابات. وذلك بتسليم المناصب والمهام إلى شخصيات شابة. وهذا ينطبق إلى حدّ ما في الترشحيات الانتخابية، على الرغم من التمسك ببعض الشخصيات المتمرسة والتي تستمر منذ سنوات في السلطة. هناك ظروف تحتّم ذلك، على أن يتغير هذا في ما بعد.
الخلاص من الزبائنية
يركز على فكرة إنشاء: "مؤسسات وظيفتها المواءمة بين المؤسسات الحزبية والدولة اللبنانية، بشكل لا تعود فيه الزبائنية هي التي تتحكم بيوميات اللبنانيين. ولا يعود المرء بحاجة للولاء للزعيم أو الحزب أو الطائفة للحصول على حقوقه أو احتياجاته". يقترح فكرة إنشاء خلايا جديدة مهمتها السعي مع الناس في المناطق المختلفة إلى تعزيز شعور الانتماء الوطني والمؤسساتي من خلال حلقات تثقيف ودورات تدريبية، فيكون المواطن مقررًا سياسيًا، بدلًا من أن تقرر عنه ملّته وجماعته.
لا يخفي أنه لم يكن مقتنعًا باليوميات السياسية اللبنانية. ولكنه في هذه المرحلة أصبح مقتنعًا إلى حدود بعيدة بضرورة الاستمرار على الرغم من خيبات الأمل التي أصابت اللبنانيين. وعلى الرغم من أنهم في حال لا تسمح لهم بالتقاط أنفاسهم بسبب كل ما مرّ عليهم من حروب وويلات. لذا لا بد من الصمود والاستمرار. ولا بد من السعي مع الناس بعد كل الأثمان التي دفعوها لإعادة الأمل من جديد.
حرب على المختارة
يعترف أن هناك الكثير من التسرب الشعبي الحزبي من كل القوى السياسية، خصوصًا على وقع الانهيار وبعد ثورة 17 تشرين. وهذا أمر طبيعي تفرضه الطبيعة الاجتماعية والسياسية. وهنا تبرز مسؤولية الأحزاب في تقديم طروحات تتلاءم مع هذا التطور، ولا تتجمد في الزمن الماضي. وهو يعتبر أن ذلك قد ينعكس في انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات المقبلة. لأن الناس فقدت الأمل. وهذا ينعكس سلبًا على القوى السياسية والحزبية، بما فيها الحزب التقدمي الاشتراكي، ويقول: "لا نعرف ما إذا كنا سنحافظ على كتلتنا النيابية كما هي أم أنها ستتقلص".
ولدى سؤاله عن تقديراته يقول: "قد نصل إلى حدود 7 نواب في أسوأ الأحوال. وبالتالي نكون أمام خسارة مقعدين". لكنه يشير إلى أن المسألة ليست بالأعداد والأرقام، إنما بما يمكن لأي طرف أن يقدمه للبنانيين. ولا ينسى الحرب الممنهجة التي تتعرض لها المختارة، سواء بالمعنى السياسي العام، أو من داخل البيئة الدرزية، عبر سعي حزب الله إلى محاولة سحب ورقة الميثاقية الدرزية من خلال حصوله على 3 أو 4 نواب. ولكن الناس يعلمون ذلك ويتحملون مسؤولياتهم في هذا الصدد، معتبرًا أن حزب الله وحلفاءه يحاولون ادعاء الحرص على الشراكة في العلن، ولكنهم يعملون على تحقيق اختراقات في البيئة الدرزية، وفي البيئات الأخرى. وذلك للقول للعالم إن لدى حزب الله أكثرية وهو يمثل اللبنانيين، على الرغم من كل ما حصل". ولا يخفي أيضًا أن أخطاء داخلية هي التي أدت إلى بروز دور وئام وهاب والاستثمار بطلال ارسلان في محطات متعددة.
العلاقة بمكونات البلد
يركز تيمور جنبلاط على العلاقة الأساسية مع المكونات اللبنانية، على قاعدة الوحدة الوطنية. لأنه مهما كان هناك من اختلافات سياسية أو طائفية، لا بد من تركيز الجميع على مبدأ الإنسان الذي تتقدم مصلحته على أي مصلحة سياسية أخرى.
من هنا ينطلق في تمسكه بالعلاقة مع السنّة والشيعة والمسيحيين، إضافة إلى الحفاظ على الخط التاريخي للبنان العربي، لأن "المدى الحيوي للبلد بتجلى في مدى علاقته المتجذرة بالدول العربية، التي لا بد من تحسينها والاستمرار في تنميتها على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، بعيدًا عن أحلاف وتوهمات تحاول زرع الشقاق بين اللبنانيين. وهذا أيضًا يرتبط بالدور التاريخي للسنّة في لبنان. فهم كانوا دومًا حواضن الدولة ومؤسساتها، إضافة إلى احتضانهم عروبة البلد والحفاظ على هويته".
تعليقات: