القاضي غسان عويدات لرياض سلامة: Game Over

يحاول ميقاتي تمرير استحقاق الانتخابات النيابيّة قبل حسم مسألة خليفة رياض سلامة (المدن)
يحاول ميقاتي تمرير استحقاق الانتخابات النيابيّة قبل حسم مسألة خليفة رياض سلامة (المدن)


دخلت مصارف البلاد، مساء يوم أمس الخميس، عطلة طويلة يُفترض أن تمتد لغاية صبيحة الثلاثاء المقبل، بما يشمل يوم الجمعة العظيمة بحسب التقويم الشرقي (اليوم)، وعطلة نهاية الأسبوع غدًا وبعد غد، بالإضافة إلى عطلة يوم الإثنين إحتفاءً بعيد الفصح الذي يُصادف يوم الأحد.

لكن مياه العطلة الرسميّة التي قد تبدو راكدة للمُشاهد عن بُعد، ستخفي تحتها كباشاً مصرفياً قضائياً من الطراز الرفيع، وعلى أعلى مستويات: بين النيابة العامّة التمييزيّة، والإدارات التنفيذيّة العليا لستّة مصارف لبنانيّة ممتنعة عن تسليم القضاء داتا حسابات رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، وهي بنك البحر المتوسّط، وبنك عودة، وبنك مصر ولبنان، وبنك الاعتماد اللبناني، وبنك سردار، بالإضافة إلى بنك الموارد (راجع "المدن"). وبحلول صبيحة يوم الثلاثاء المقبل، بعد انقضاء العطلة الرسميّة، على إدارات هذه المصارف أن تقرّر، بين أن تسلّم داتا رجا سلامة كما بات يطلب الآن النائب العام التمييزي غسّان عويدات، أو أن يتم انتزاع هذه الداتا بالقوّة، وبغطاء عويدات هذه المرّة.

باختصار: انقلب موقف عويدات بشكل غريب، من عرقلة الحصول على الداتا من المصارف بالقوّة، إلى الدخول على نحوٍ مفاجئ على خط المطالبة بهذه الداتا لمصلحة القضاء، تحت طائلة إجبار المصارف على تسليمها. ولسان حال عويدات يقول لرياض سلامة: انتهت اللعبة، لم يعد بإمكاني حمايتك!


عويدات ينقلب ضد سلامة

كل هذه التطوّرات كانت صادمة لجميع متابعي الملف القضائي. فقبل أيام معدودة، كان عويدات يقف على الضفّة المعاكسة تمامًا، من جهة ضغطه على القاضي جان طنّوس لمنع انتزاع داتا حسابات رجا سلامة بالقوّة من المصارف، رغم علمه بعدم قانونيّة امتناع المصارف عن تسليم هذه المعلومات. وحتّى بعد تسلّم عويدات منذ بداية الشهر عدّة مراسلات تطالب بهذه الداتا، من قبل الأجهزة القضائيّة في الدول الأوروبيّة التي تتابع هذا الملف، أصرّ عويدات على التريّث، لعلمه بخطورة ما يمكن أن تكشف عنه هذه الداتا. وهكذا، وطوال الأشهر الماضية، ظلّ ملف رياض سلامة الموجود بحوزة القاضي طنّوس يراوح مكانه محليًّا، بين إصرار طنّوس على الحصول على الداتا المصرفيّة لتدعيم أدلّة الملف قبل تقديم ادعائه على سلامة، وإصرار الأوروبيين على الحصول على هذه الداتا لتثبيت مصدر الأموال التي قام رجا سلامة بتبييضها في أوروبا لمصلحة شقيقه حاكم مصرف لبنان، في مقابل رفض عويدات "الخطوات البوليسيّة" الكفيلة بالحصول عليها من المصارف بالقوّة.

مع الإشارة إلى أن جميع هذه التحقيقات ترتبط بملف شركة فوري، الشركة المسجلة بإسم شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، والتي استفادت من عمولات بقيمة 325 مليون دولار، يُشتبه باتصالها بعمليات اختلاس وكسب غير مشروع وتبييض أموال، على حساب المال العام ولمصلحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبينما يتابع القاضي جان طنّوس هذا الملف محليًّا استعدادًا لتقديم الإدعاء على رياض ورجا سلامة، ينسّق طنّوس لهذه الغاية مع المحققين الأجانب في أربع دول أوروبيّة فتحت ملفّات جنائيّة للتحقيق بهذه القضيّة بالتحديد، هي فرنسا وألمانيا وسويسرا ولوكسمبورغ.

على أي حال، وعلى نحوٍ مفاجئ، انقلب موقف عويدات قبل يومين بالتحديد، لينتقل بشكل إلى ضفّة المطالبين بفرض استلام هذه الداتا بالقوّة من المصارف اللبنانيّة الستّة، في حال عدم مبادرة هذه المصارف إلى تسليم الداتا طوعًا بعد عطلة عيد الفصح. وبمجرّد اتخاذ عويدات قرار الانقلاب إلى هذه الضفّة، وجّه إنذارات مكتوبة بهذا الخصوص إلى المصارف الستّة، كما أوعز للقاضي طنّوس بالاستعداد للتحرّك باتجاه الحصول على الداتا بالقوّة، في حال عدم امتثال المصارف للإنذار المرسل إليها. مع الإشارة إلى أن عويدات عمد إلى إبلاغ المصارف في الوقت نفسه أنها ستكون أمام خطر التعرّض لعقوبات قضائيّة محليّة أو دوليّة، في حال تماديها بعدم تسليم الداتا المطلوبة من قبل القضاء اللبناني والمحاكم الأجنبيّة.


ما بعد تسليم الداتا

باختصار، كان عويدات العائق الوحيد الذي يحول دون فرض استلام القضاء اللبناني لكشوفات حساب رجا سلامة. وبعد انقلاب موقفه منذ أيام، بات باب القضاء اللبناني مفتوحًا للعمليات "البوليسيّة" التي اعترض عليها عويدات سابقًا، والتي تسمح بالحصول على المعلومات. وبذلك، بات من البديهي توقع حصول القاضي جان طنوس على هذه الداتا بعد عطلة الفصح، سواء سلّمتها المصارف الستّة طوعًا، أو اضطر طنّوس للحصول عليها عنوة.

في الحالتين، وبعد استلام الداتا، من المتوقّع أن نكون أمام تقديم الادعاء القضائي في لبنان ضد الأخوين سلامة وشركائهما من قبل القاضي طنّوس، بعد مطابقة الداتا المصرفيّة مع المعلومات الموجودة أساسًا في الملف، وتثبيت التهم الموجّهة إليهم. مع الإشارة إلى أن جميع المصادر القضائيّة تؤكّد أن طنّوس حسم أمره منذ مدّة بتقديم الإدعاء على رياض سلامة، بالنظر إلى دسامة الملف الموجود بحوزته، إلا أنّ هذه الخطوة لم تكن تنتظر سوى حصول طنّوس على داتا حسابات رجا سلامة، لتثبيت مصدر الأموال التي تم تبييضها في أوروبا.

على المقلب الأوروبي، من المتوقّع أن يتم إحالة الداتا المصرفيّة مباشرةً إلى النيابات العامّة التي تحقق في ملف الشقيقين سلامة وشركائهما، والتي تنسّق أساسًا ضمن إطار وكالة "يوروست". وبمجرّد حصول الأوروبيين على هذه الداتا، سيكون بإمكانهم ربط ما بحوزتهم من معلومات حول عمليّات تبييض الأموال في أوروبا، بمصادر هذه الثروات في بيروت، والتي تكشفها الداتا. ومن هنا، سيتمكّن المحققون الأوروبيون من رسم الصورة الشاملة لعمليّات الكسب غير المشروع: من لحظة اختلاس الأموال في لبنان إلى مآلاتها الأخيرة في أسواق المال والعقارات الأوروبيّة، تحت ستار الشركات الواجهة.


طبخة البديل عن سلامة

كل ما جرى من تطورات مفاجئة على المستوى القضائي، لم يكن سوى نتيجة لتصاعد الضغوط الخارجيّة، وتحديدًا الأوروبيّة، على كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب العام التمييزي غسان عويدات، والتي بلغت حد التلويح بتحميل عويدات مسؤوليّة أي عرقلة للمسار القضائي الخاص بحاكم مصرف لبنان.

وفي خلاصة الأمر، أدرك الرجلان معًا أن الذهاب بعيدًا في حماية سلامة سينطوي على أكلاف عالية لا يمكن تحمّلها. أمّا أكثر ما يتمنّاه ميقاتي اليوم، فهو شراء بعض الوقت لمهلة أسابيع معدودة، بما يكفل تمرير استحقاق الانتخابات النيابيّة قبل حسم مسألة خليفة رياض سلامة، بل وقبل إقالة الحاكم أو الإدعاء عليه. وبذلك، سيكون بإمكان ميقاتي تحييد الملف عن الدعاية الانتخابيّة التي يبحث عنها التيار الوطني الحر أولًا، ومن ثم البحث عن البديل في ظل التوازنات الجديدة التي ستنتج عن الانتخابات النيابيّة.

تعليقات: