وجه البعض تهمًا لباسيل بأنه شكل لجان ديبلوماسية مهمتها تعطيل العملية الانتخابية (علي علّوش)
انتهى الزخم الذي حازته حكومته الرئيس نجيب ميقاتي. استنفدت الحكومة كل ما كانت تراهن عليه، قبل تحولها إلى تصريف أعمال بعد الانتخابات النيابية. لم يتبق من عمرها سوى 3 أسابيع. وعليه، أصبحت مرحلة ما بعد الانتخابات، ومن يشكل الحكومة، وكيف تتشكل، محور المعركة.
بين بري وميقاتي
في الأيام الماضية تجلّى عدم وضوح الرؤية الحكومية، فغلب التناقض والتدافع في سلوك الحكومة: بين سعيها لإقرار الكابيتال كونترول، وخطة التعافي أو تأجيلها إلى ما بعد الاستحقاق. ودخل الأفرقاء في حرب المزايدة والاستنزاف. اعترض النواب والوزراء على عدم إطلاعهم على خطّة التعافي، فرفضوا إقرار الكابيتال كونترول بصيغته الحالية. وحصل ما حصل مع نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي من صدامات واعتراضات في الشارع.
على الأثر، تركزت التهم الموجهة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه هو من يعرقل إقرار الكابيتال كونترول. فما كان من برّي إلا أن قرر إدراج مشروع القانون على جدول اجتماعات اللجان النيابية المشتركة، وطالب ميقاتي بإطلاع الوزراء والنواب على خطة التعافي.
هنا وقع الخلاف. ففي الأسبوع الفائت تواصل بري وميقاتي هاتفيًا، على وقع الصدام على مدخل مجلس النواب بين متظاهرين والنائب الفرزلي. طلب بري من ميقاتي استقبال نائبه للتفاهم حول كيفية التعامل مع ما جرى. وبعدها حطّ رئيس الحكومة في عين التينة. استشف بري أن ميقاتي لا يريد إقرار مشروع القانون، إنما تأجيله لما بعد الانتخابات، لعلّ ذلك يقوده مجددًا إلى رئاسة الحكومة، وربما بالتركيبة نفسها لتستكمل عملها مع صندوق النقد وفي وضع خطة التعافي.
استفحال الخلافات الحكومية
في هذا الوقت، كان يفترض أن يزور ميقاتي العاصمة الاميركية، للبحث مع مسؤولين أميركيين في ما توصلت إليه الحكومة من إنجازات. لكن ظروفًا ما حال دون الزيارة. بعض المصادر تعتبر أن ميقاتي فضّل عدم الذهاب. مصادر أخرى تشير إلى أن الأميركيين قرروا استقبال نائب رئيس الحكومة، باعتباره أبرز المهتمين بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مهندسه والمطلع على تفاصيله.
بدأت الخلافات الحكومية تتوسع، سواء بسبب الخلاف الجوهري على آلية إقرار خطة التعافي وإقرار الكابيتال كونترول، أو في غيرهما من الملفات. ولم يعد الخلاف مقتصرًا على هذه البنود، إذ بدأ وزراء في الحكومة يتعرضون لقصف واضح ومركز. فآلية ترتيب وتنظيم انتخابات المغتربين تشوبها شوائب لوجستية عدة. وهناك تهم يوجهها خصوم التيار العوني إلى رئيسه جبران باسيل، بأنه لا يزال يسعى إلى عرقلة أو إعاقة عملية انتخاب المغتربين في السفارات والقنصليات. ووجه البعض تهمًا لباسيل بأنه شكل لجان ديبلوماسية مهمتها السعي إلى تعطيل العملية الانتخابية أو التقليل من نسبة المقترعين. وهذا استدعى هجومًا مركزًا على وزير الخارجية عبد الله بو حبيب. ووصل الأمر بالقوات اللبنانية إلى المطالبة بطرح الثقة بالوزير.
في هذا السياق جاء هجوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على وزير الطاقة وليد فياض، داعيًا إلى إقالته. وهذا على وقع التأكد أن ما حكي عن توقف مشروع الاتفاق مع مصر والأردن برعاية البنك الدولي، لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية. يعلل جنبلاط ذلك بعدم وجود أي نية لإصلاح قطاع الكهرباء، ولأن النهج المتبع يتقيد بالقواعد التي يضعها التيار العوني والمقربون من باسيل.
تصريف أعمال وفراغ رئاسي
هذه الهجمات المركزة على الوزراء تشير إلى أن صلاحية استمرار الحكومة قد انتهت. واضمحل الزخم الدولي الذي رافق ولادتها. لذا لم يتبق لحكومة ميقاتي سوى الإشراف على تنظيم العملية الانتخابية. وبدأ البحث داخليًا وخارجيًا يتركز على تكليف شخصية رئاسة الحكومة بعد الانتخابات: هل سيكون ميقاتي أم هناك شخصية أخرى؟ وفي حال تكليف ميقاتي، هل يتمكن من تشكيل حكومة؟ وهناك احتمال كبير أن تؤول صلاحيات رئاسة الجمهورية إليها، في ظل احتمال دخول لبنان في فراغ رئاسي.
وتجلّى الضغط على لبنان بعدم توقيع اتفاق استجرار الغاز والكهرباء، لأسباب إصلاحية وسياسية. وهذا ما سيتكرر في ما بعد الانتخابات، خصوصًا إذا نجح حزب الله في الحصول على الأكثرية.
وفي ظل التعقيدات الإقليمية والدولية، وانعدام فرص اتفاق إيراني- أميركي، يستمر الضغط الأميركي والخليجي على لبنان. وتداعيات هذه الضغوط تحمل أبعادًا وآثارًا سياسية واقتصادية مؤثرة في الانقسام السياسي المستمر على وقع مزيد من الانهيارات.
تعليقات: