الثنائي الشيعي: الانتخابات وراءنا


رغم أن تعويل الثنائي الشيعي هو على رفع حصة حلفائه في الانتخابات، إلا أن واقع الأمر أنه بدأ يتصرف وكأن الانتخابات أصبحت وراءه، فيما يخوض المسيحيون والسنة المعركة وكأنها أم المعارك

على بعد ثلاثة أسابيع من الانتخابات، وأسبوعين من المرحلة الأولى التي تبدأ باقتراع المنتشرين، تخطّى الكلام السياسي نتائج الانتخابات وعدد المقاعد. ويبدو المشهد السياسي أكثر تعقيداً من مقعد زائد هنا أو ناقص هناك، لأنه يرسم معالم المرحلة السياسية المقبلة.

يدخل المسيحيون إلى الانتخابات، قبل خمسة أشهر من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعينهم على الرئاسة الأولى. الاهتمام المحلي بدائرة الشمال الثالثة، والاهتمام العربي – الخليجي بها المرجح تطوره، يعطيان ملامح أساسية عن الاحتمالات التي يعوّل عليها القادة المسيحيون (ليس الثلاثة المرشحون فقط) لوضع أسس مبكرة لمعركة رئاسة الجمهورية. واللقاء الذي رعاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، فتح الشهية لكلام إضافي مبكر عن الرئاسة الأولى، في حين أن هناك من تحدث عن عدم رغبة الحزب في تعهدات تربطه بوعود مسبقة، من دون نفي أن الطابع الأساسي للقاء انتخابي نيابي لتحسين فرص فوز فريق 8 آذار في دائرة الشمال الثالثة، يراكم أوراقاً إضافية لاحقة لهذا الفريق في معركة الرئاسة.

لكن المسيحيين، في خوضهم معركة رئاسة الجمهورية عبر المجلس النيابي، يتصرفون وكأن فكرة الزعيم الأقوى لا تزال قائمة، أو كأن الانتخابات هي انتخابات السبعينيات. رغم أن تجربة انتخاب عون، وقبلها الانتخابات في زمن الوجود السوري ومن ثم اتفاق الدوحة، سحبت منهم الكلمة الفصل التي باتت بين زعامة سنية وثنائية شيعية، تبارك أو تجهض أي اتفاق رئاسي... الأمر الذي يعيد الانتخابات النيابية إلى الإطار المحلي الضيق في تكريس زعامة الصف الأول المسيحي - الماروني، من دون الأخذ في الاعتبار ملامح الصفقات والتسويات الإقليمية والأوروبية حول لبنان التي ترتسم معالمها في مقلب آخر بعيد تماماً عن زعامة كسروان ودائرة الشمال الثالثة، وكأنهما تختصران فكرة الوجود الماروني في السلطة القائمة.


مشكلة السنة والمسيحيين أنهم يتعاملون مع النظام على أنه قائم

بدورها تدخل القوى السنية الانتخابات، وعينها على رئاسة الحكومة. ورئاسة الحكومة في هذا الجو، هي الممر إلى لعب دور في رئاسة الجمهورية، دارت حوله الشكوك إثر انسحاب الرئيس سعد الحريري من الواجهة السياسية. لن يكون أمراً عابراً موقع القوى السنية في الانتخابات، بين الفريق المعارض الذي يرعاه الرئيس فؤاد السنيورة وبين السنة المعارضين والسنة المؤيدين للرئيس سعد الحريري وسنة 8 آذار. والتشرذم لم تشهده الساحة السنية منذ 1990، إذ جرت العادة أن يكون الالتفاف السني حول مرجعية واحدة، أو على الأكثر مرجعيتين. لكن الواقع الذي تفرزه الانتخابات قد يعطي للسنة أرجحية الفوضى الانتخابية، ما يجعل وضع رئاسة الحكومة هذه المرة مشابهاً لوضع رئاسة الجمهورية. الكلام المتداول يحسم أن الرئيس نجيب ميقاتي قد يكون الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة الأولى بعد الانتخابات، معززاً برعاية فرنسية بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لولاية ثانية. لكن من المبكر حسم هذا الخيار، لأن السعودية لم تقل كلمتها بعد، وهي تنتظر نتائج الانتخابات. كذلك لن يكون من السهل تخطي توجه المعارضة السنية، إذا تمكنت من استعادة المظلة السنية من تيار المستقبل. وهذه الاستعادة الضرورية لإعادة لم الشمل السني، هي الحجر الأساس في معركة رئاسة الحكومة. فمن العبث تكرار التجربة التي تلت انتخابات عام 2005 و2009 بإعادة تكوين حكومة وحدة وطنية برئاسة معارض سني. ولا يمكن لأي معارض تصور خطوة في هذا الاتجاه في الوقت الراهن، في ظل انكفاء الحريري وحضور السعودية ولو من دون كامل عدتها. وهذا يعني أن السنة سيكونون أمام احتمال إبقاء رئاسة الحكومة في تصريف الأعمال، أو تكريس خروج السنة الأقوياء من المعادلة. وهذا لا يمكن تفسيره طالما أن المعارضين السنة قرروا خوض الانتخابات. وانتظار ما يمكن أن يفرزه هذا الفريق المعارض، يتعلق كذلك بالسؤال حول احتمال صياغته تفاهماً ما مع الثنائي الشيعي في تحديد وجهة الانتخابات الرئاسية، على غرار تسوية عون والحريري.

وحده الثنائي الشيعي يتصرف في الانتخابات وكأنها أصبحت وراءه. والأمر لا يتعلق برئاسة المجلس النيابي ولا بالمقاعد الشيعية المضمونة، ولا حتى بحصص حلفائه. الأمر يتصل برسم الثنائي، وتحديداً حزب الله، معالم المرحلة المقبلة من خارج حسابات الربح والخسارة في المجلس النيابي. فمشكلة السنة والمسيحيين أنهم يتعاملون مع النظام على أنه قائم، وأن الانتخابات هي الطريق الأصلح إلى السلطة. في حين أن الثنائي يتعامل مع النظام أنه داخله وخارجه في وقت واحد، ويتصرف مع الانتخابات على أنها محطة على طريق مقاربة مختلفة للنظام القائم، وتثبيت معادلة الحضور والدور في لبنان كجزء أساسي من الحضور والدور في المنطقة. وهكذا لا تعود المعارضة الداخلية مهما تمثلت في المجلس النيابي تأخذ الحجم المفترض أن يأخذه، ما دام الاعتراف بموقعه صار يتقدم على الدورين السني والمسيحي. بذلك تصير رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية تفاصيل، لكنها تبقى من ضروريات المشهد السياسي. تماماً كما الحملات الانتخابية النيابية.

تعليقات: