الطاقة الشمسية تحد من الاعتماد على كهرباء الدولة والمولدات الخاصة (المدن)
بُنيت العلاقة بين أصحاب المولدات الخاصة ومشتركيهم، على قاعدة ابتزاز الطرف الأول للثاني. فكلّما ظهرت طريقة لاستفادة المشتركين وتخفيف عبء الفاتورة عليهم، زادت حدة اعتراض أصحاب المولدات، وتنوعت طرقهم في استغلال المشتركين. وعندما فرضت وزارة الاقتصاد تركيب العدادات إلاّ لمن يرغب صراحة من المشتركين في عدم التركيب، ثارت حفيظة أصحاب المولدات، وألزموا مشتركيهم بالتوقيع على رفض العدادات، تحت طائلة فك الكابلات. واليوم، ينفّذ بعض أصحاب المولدات العقاب نفسه مع المشتركين الذين قرروا الاعتماد على الطاقة الشمسية.
لا طاقة شمسية
قلّة فقط من المشتركين استغنوا عن المولدات الخاصة رغم فواتيرها الثقيلة. فكهرباء الدولة باتت بحكم الميتة، فهي في أحسن الأحوال تبصر النور لساعتين يومياً. لذلك، فإن الاستغناء عن المولدات الخاصة غير وارد، حتى وإن اعتمد البعض على الطاقة الشمسية، لأن ساعات بعد الظهر والمساء تستنزف الطاقة المخزّنة في البطاريات، خصوصاً في الشتاء.
خيار المشتركين بالإبقاء على المولدات مع تركيب تجهيزات الطاقة الشمسية، رفضه أصحابها، ووضع بعضهم مشتركيه أمام خيارين لا ثالث لهما ولا تداخل بينهما، إما المولد وإما الطاقة الشمسية. انطلاقاً من أن المزج بين الخيارين يرتّب "خسارة" على أصحاب المولدات، لأن استهلاك المشتركين المعتمدين بشكل أساسي على الطاقة الشمسية، ينخفض لأكثر من ثلاثة أرباع حاجتهم لطاقة المولدات، وبالتالي لا يجني أصحاب المولدات الأرباح المنتظرة آخر الشهر.
واللافت أن التصعيد الذي قرّره البعض، وصل إلى حد فك أسلاك الكهرباء للمشتركين من دون إعلامهم بالخطوة. إذ يكفي علم صاحب المولد بتركيب مشترك ما لألواح الطاقة الشمسية، حتى يتّجه إلى علبة المحوّلات، ويفصل الطاقة عن المشترك المستهدف.
يرفض بعض أصحاب المولدات لجوء زملائهم إلى فصل الطاقة من دون الاتفاق مع المشتركين. ومع ذلك، لا يعتبرون فصل الطاقة بحد ذاته عملاً مذموماً. فبرأيهم، إن تراجع استهلاك المشتركين المعتمدين على الطاقة الشمسية إلى مستويات كبيرة، يعرّض أصحاب المولدات للخسارة التي لا يستطيعون معها تشغيل مولداتهم ودفع كلفة المازوت والصيانة، فليس أمامهم في هذه الحالة سوى الاستغناء عن بعض المشتركين.
يتّخذ هؤلاء موقفاً عدائياً متناسين أن سياسة التقنين المتزايد هي عقاب جماعي مسبق، بعيداً من اعتماد بعض المشتركين على الطاقة الشمسية. كما أنه عقاب لمن لا قدرة لديه على تركيب الألواح، إذ تصل كلفة هذه العملية إلى نحو 5 آلاف دولار لمن يريد اعتماد معايير ممتازة للألواح والبطاريات وكافة المستلزمات. وهو خيار غير متوفّر لدى البعض.
ترحيب بعودة الكهرباء
لا شيء يعيد الأمور إلى نصابها المتصدّع الذي كان معتمداً قبل الأزمة الاقتصادية والمالية، سوى زيادة إنتاج معامل مؤسسة كهرباء لبنان، وهو أمر مستبعد في الوقت الراهن. فالاعتماد يقتصر على الفيول العراقي الشحيح الذي لا يلبّي حجم الاستهلاك. فنحو 40 ألف طن من الفيول الآتي شهرياً، ينقسم بين معمليّ دير عمار والزهراني، لينتج عن تلك الكمية نحو 4 ساعات لا تتوزّع بالعدل بين المناطق. ومع ذلك، فإن ما يحصل عليه اللبنانيون من كهرباء الدولة صار مرحباً به أكثر مع تأزّم العلاقة بين المشتركين وأصحاب المولّدات، بفعل زيادة التقنين. فقبل التقنين، لم تكن كهرباء الدولة تُلحَظ. ومَعه، باتت حاجة لا غنى عنها، حتى وإن كانت لساعة أو ساعتين يومياً.
هذه الحاجة استدعت ترحيباً حاراً بعودة معمليّ الكهرباء إلى دورة الإنتاج بعد انقطاع دام نحو أسبوع بسبب نفاد الفيول العراقي، أي عودة بين ساعة و4 ساعات متقطّعة، حسب المناطق. فالساعة تخفّف عبء فاتورة الاشتراك والأربع ساعات تهدّىء روعها وتملأ بطاريات الطاقة الشمسية وتقي المشتركين شرّ الفاتورة. لكن الفرحة قد لا تدوم، إذ يواجه اللبنانيون خطر إطفاء المعامل مجدداً بعد نحو شهر، فيما لو لم تؤمَّن شحنة فيول جديدة في الوقت المناسب.
وزارة الاقتصاد
لا تقوى وزارة الاقتصاد على حماية المشتركين. فتجربة فرض تركيب العدادات فشلت لأسباب كثيرة، تعيد الوزارة الثقل الأكبر منها لغياب العدد الكافي من المراقبين لتغطية كافة المناطق، كما للغطاء السياسي والعائلي والمناطقي الذي يتمتّع به الكثير من أصحاب المولدات. فهذا الغطاء أفشَلَ مسيرة الوزارة حتى حين نفّذت قراراتها وصادرت بعض المولّدات لأصحابها المخالفين. لذلك، لا يعلّق أحد آمالاً على خطوة قطع الاشتراك عن الزبائن الذين يلجأون للطاقة الشمسية. فالمولدات الخاصة في الأصل قطاع غير مقونن ولا وزارات قادرة على ضبطه، حتى وزارة الطاقة التي تملك حق فك شبكات المولدات الخاصة عن أعمدتها.
يمنع أصحاب المولدات مشتركيهم من تركيب نظام الطاقة الشمسية، وإن بطريقة غير مباشرة. وأمام هذا المشهد، يبقى للمشتركين عزاء وحيد وهو إصابة أصحاب المولدات أنفسهم بالسيف عينه. فقطع الكهرباء عن المشتركين سيعني إحداث ثقب في ركيزة أساسية من ركائز قطاع المولدات. فبلا المشتركين، لا استهلاك للطاقة، ولا أرباح لأصحاب المولدات. وبالتالي، الأجدى بهؤلاء البحث عن صيغة توافقية تضمن استمرار قطاعهم ومصالح المشتركين في آن، وعدم استعجال اتخاذ قرارات تصعيدية.
تعليقات: