أقرّت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه من الأهداف الاستراتيجية لحزب الله الذي «يقدّس الاستقرار» في بلاده، بما يمكّنه من الاستمرار في تعظيم قدراته والحفاظ على توازن الردع مع الدولة العبرية. وأشار الرجل الثاني في جهاز الاستخبارات، العميد عميت ساعر، إلى أن الحزب يخوض حرب معادلات، وهو سيردّ إذا بادرت «إسرائيل» الى محاولة تغييرها، ما يشير إلى نجاح المقاومة في ترسيخ مفهوم الخوف من ردّها العقابي في الوعي الجمعي للمنظومة القيادية في كيان العدو. والبارز، هنا، هو الإقرار الضمني بأن الانهيار الذي يشهده لبنان لم يؤثر على إرادة الردّ لدى حزب الله، ولم ينجح العدو في تثمير هذا الانهيار لتوسيع هامشه في المبادرة والضغط لتغيير المعادلة وانتزاع تنازلات في أكثر من عنوان، داخلياً وبحرياً وإقليمياً.
وفي السياق نفسه، أقرّ ساعر، وهو المسؤول عن التقدير الاستخباري في الجهاز ويقع لبنان في دائرة أولوياته، بأن إسرائيل تدفع ثمن الاستقرار الأمني في لبنان، الذي يوفر لحزب الله الظروف التي تسمح له بمواصلة تعظيم قدراته العسكرية. ويؤشر هذا الإقرار الى أن قرار دفع لبنان نحو الانهيار واللااستقرار تبلور بعد فشل الرهانات الخارجية والداخلية على الحؤول دون تحول حزب الله الى قوة إقليمية قادرة على القيام بدور رئيسي في إرساء معادلة إقليمية تحمي العمق الاستراتيجي للمقاومة.
إلى ذلك، كانت الحشود الشعبية التي شهدها الجنوب والضاحية (والمتوقع أن تتكرر في البقاع) في المهرجانات الانتخابية التي أقامها حزب الله منذ مطلع هذا الأسبوع موضع رصد الأجهزة الإسرائيلية ومراقبتها، لقراءة دلالاتها في سياق تقدير نتائج الرهان على تداعيات تفاقم الوضع الداخلي، وخصوصاً بعد الحرب الإعلامية والسياسية التي حمّلت الحزب مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي بهدف تأليب بيئته ضده.
حشود الضاحية والجنوب تخيّب آمال العدو ورهانه على «تغييريّي» الانتخابات
الباحثة في «معهد أبحاث الأمن القومي»، أورنا مزراحي، شكَّكت في إمكان أن تؤدي الانتخابات في لبنان الى التغيير الذي تأمله إسرائيل، مشيرة الى أن القانون الانتخابي النسبي يحول أيضاً دون ذلك. وتنبع خبرة مزراحي بالساحة اللبنانية من خدمتها 12 عاماً في هيئة الأمن القومي التابعة لرئيس الحكومة، وثلاث سنوات حتى عام 2018، نائبة مستشار الأمن القومي للسياسة الخارجية، ومنسقة عمل الهيئة والتخطيط الاستراتيجي لرئيس الحكومة والمجلس الوزاري المصغر. مزراحي استبعدت أن تنتج الانتخابات قيادة أو دينامية جديدة، في إشارة ضمنية الى خيبة الرهان الإسرائيلي على ما تراهن عليه إسرائيل بسبب أداء قيادة حزب الله، واستنادها الى قاعدة اجتماعية صلبة ومتماسكة ومقتنعة، من موقع التجربة، بأن المقاومة هي الخيار الوحيد لحماية لبنان.
رغم ذلك، وفي خلاصة للقراءة التي قدمتها مزراحي التي دعت سابقاً الى الرهان على القوى المعادية للمقاومة في لبنان، يبدو أن الرهان الإسرائيلي لا يزال قائماً على التحدّيات التي تواجه حزب الله بفعل استمرار حال الشلل السياسي وعدم حل المشاكل التي يواجهها لبنان، ما يؤثّر على قدرته على منع التغيير الذي يُحجِّم تأثيره في المعادلة الداخلية.
والواضح من التقديرات والمواقف الإسرائيلية أن هناك إدراكاً في كيان العدو بأنّ أولوية حزب الله هي منع التغيير المنشود إسرائيلياً بأدوات أميركية، والهادف الى عزل المقاومة وتطويقها. وفي الوقت نفسه، يركز الحزب جهوده على الحفاظ على المعادلة الداخلية والإقليمية التي تسمح باستمرار حماية لبنان وثرواته التي تفتح آفاقاً لحلول جدية لمشاكل لبنان. بعبارة أخرى، الواضح أن كل الأطراف تسعى إلى تغيير ما، منها ما يتساوق علناً وصراحة مع الأهداف الأميركية والإسرائيلية، ومنها ما يهدف الى الحفاظ على عناصر القوة التي يتمتع بها لبنان لإخراجه من مأزقه الاقتصادي والمالي، ومنها ما يطرح شعارات تغييرية لا تملك مقوّمات تحقيقها ما يضعها أمام سيناريوين: إما البقاء في إطار التنظير المجرد، أو أن جهودها ستصبّ بالنتيجة، من حيث تدري أو لا تدري، في مصلحة مخططات من يملك أدوات التحكم بمجريات الواقع.
تعليقات: