من يدعو للمقاطعة يسعى إلى القول إن غياب الحريري هو الذي وفر الفوز لحزب الله (علي علّوش)
لبنان في مرحلة مصيرية من تاريخه، ويعيش أزمة وجودية على وقع انهيارات متتالية في القطاعات التي كان يتميز بها: المصرفية والصحية والسياحية والتعليمية.
ماذا يريد العونيون والقوات وحزب الله؟
على الرغم من ذلك كله، تشهد البلاد استحقاقًا انتخابيًا عناوينه سياسية تفصيلية: تصغير حجم كتلة التيار العوني، بإفقادها مقاعد نيابية في دوائر مسيحية، فلا يعود الممثل الأول للمسيحيين. في المقابل يفوز التيار عينه بمقاعد مسيحية في دوائر ذات ثقل شيعي. ويردّ التيار إياه بإسقاط نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، ليكون مرشحه البديل لهذا المنصب إلياس بو صعب، معتبرًا أنه بذلك يكون قادرًا على المشاركة في التحكم بقرارات مجلس النواب.
عنوان سياسي آخر يتعلق بحجم الكتلة الناخبة التي تصوت للثنائي الشيعي، بعد الأزمات الساحقة والمتفاقمة منذ 17 تشرين الأول 2019. فحزب الله يريد إظهار رفع نسبة التصويت، ليثبت شرعيته في بيئته الشيعية. وليوفر الفوز لحلفائه في طوائف أخرى. فيوسع بذلك هامشه السياسي في تلك الطوائف، ويقول للبنانيين وللمجتمعين العربي والدولي إنه الأقوى والأقدر، ولا تهتز ركائزه داخل بيئته، على الرغم من كل ما حصل.
ماذا تريد قوى التغيير؟
القوى التغييرية تسعى إلى تحصيل كتلة نيابية مؤلفة من حوالى 11 نائبًا، فتمتلك بذلك صوتًا وازنًا في تشكيل الحكومات، وتتمكن من الطعن في قوانين يقرها المجلس النيابي. وهذا مسار تراكمي يسمح لهذه القوى -القادرة بحضورها الفاعل في المجلس النيابي- أن تؤسس لاختراقات عدة في آلية عمل المجلس والحكومة. وهي تتوسل لذلك باقتراح قوانين عصرية يمكن تمريرها باستدراج الكتل الكبرى وإحراجها، وحملها مضطرة على الموافقة على اقتراحاتها تحت الضغط. وهذا المسار التراكمي يمكن أن يؤسس لكتلة أوسع في الدورة الانتخابية المقبلة.
حال السنة والحريري
وهناك عنوان أساسي يتعلق بالسّنة وخيارهم في صناديق الاقتراع، في ظل أزماتهم السياسية المتتالية، وصولًا إلى تعليق سعد الحريري عمله السياسي، ودعوات مناصريه وقياديين في تياره إلى المقاطعة.
هناك جهات عدة في البيئة السنية ترفض المقاطعة. لذا يبدو الاستحقاق أساسيًا للسنّة. ولا يتعلق تحديد خياراتهم بشخص الحريري وحساباته، رغم محاولة كثيرين تصغير عنوان المعركة إلى هذا التفصيل. فالأساس في مكان آخر: المقاطعة تؤدي إلى فوز حزب الله وحلفائه بسهولة في بيروت وسواها من المناطق.
من يدعو للمقاطعة يسعى إلى القول إن غياب الحريري هو الذي وفر الفوز لحزب الله، وبالتالي لا بد من عودته. مثل هذه الحسابات لا يمكن أن تستقيم في هذه المعركة. فالشرعية السياسية التي يسعى زعيم ما إلى تكريسها واستعادتها، يحققها منهج عمله وليس المقاطعة والانسحاب. فهذان آثارهما سلبية جدًا، كحال مغادرة الحريري لبنان بعد الانقلاب على حكومته في العام 2011. وكحال مسار التنازلات التي قدمها بعد التسوية الرئاسية، فدفع ثمنها بانقلاب باسيل عليه. لذا يمكن تكرار الخطأ بمزيد من الأخطاء.
الصراع على الوزارات
تؤسس الانتخابات لسنوات أربع مقبلة، يشهد فيها لبنان استحقاقات مصيرية، أبرزها إعادة صوغ إجراءات إصلاحية للأوضاع المالية والاقتصادية. والجهة المركزية في ذلك هي الحكومة، وقد بدأ البحث في كيفية تشكيلها عقب الانتخابات.
فريق رئيس الجمهورية يصر على عدم تقديم أي تنازل، لا سيما أن تلك الحكومة المقبلة قد تستمر في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس. والامتحانات التي كان يقوم بها جبران باسيل للمرشحين للتوزير سابقًا، ستكون أسئلتها وشروطها أشد من المرات السابقة. وفيما يتمسك الثنائي الشيعي بوزارة المال، يركز باسيل أنظاره على وزارة الداخلية. وهو يسعى إلى الحصول عليها بإعادة طرح معادلة سابقة: المداورة في الحقائب السيادية ومنح الروم الأرثوذوكس حصتهم منها. ومعروف أن الداخلية هي أم الوزارات. وفريق 8 آذار يسعى بقوة للحصول على هذه الوزارة.
تعليقات: