سقط حردان.. بداية الفرح في أقاصي الجنوب (حسن شعبان)
يمشي الناس المعارضون في الجنوب إلى جانب الجدران بحذر طالبين السترة. لا جرأة لأي منهم على تعليق صورة مرشح في بيته، فكيف على أحد أعمدة القرى المقاومة؟! لا جرأة حتى على أن يجاهروا بمعارضتهم أو بنيتهم الانتخاب للمرشحين المعارضين. فطوال الأسبوع السابق للانتخابات كان كل شيء يحدث سراً. وتناقل الجنوبيون المعارضون في سهراتهم الليلية همساً، أسماء مرشحي الدائرة الثالثة على لائحة "معاً نحو التغيير"، وروجوا لها بالسر، يحدوهم القليل من الأمل في أن يوجّهوا إلى الثنائي الشيعي صفعة ولو صغيرة، وعلى نحو مكتوم أو غير مباشر.
عشية الانتخابات
في الطريق من بيروت إلى الجنوب، قبل يوم من الانتخابات النيابية، زحمة سير شديدة. سيارات قديمة بالكاد قادرة على المسير. وهي تحمل أعلام حزب الله وحركة أمل: عشرة أعلام لحزب الله مقابل علم واحد لأمل. لو تعطلت إحدى هذه السيارات بسبب حفرة وسط الطريق، لما استطاع صاحبها إصلاحها ربما. مع ذلك يبدو أن كثيرين مصرون على التمديد لسلطة أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه اليوم.
طوابير سيارات على محطات الأمانة على الأوتوستراد الساحلي. يصرف مناصرو حزب الله بونات البنزين الموزعة عليهم، بينما امتنع العديد من المعارضين عن المشاركة في الانتخابات بسبب بعد المسافة عن قراهم وارتفاع ثمن المحروقات. الأعلام التي اختفت عن الأعمدة في السنتين الماضيتين عادت للظهور بشدة في الأيام الماضية. احتلت الرايات الصفراء قضاء بنت جبيل. أعلام تخرج من نوافذ السيارات، مطبوعة على زجاجها وأغطية محركاتها. شبان يشقون طريقهم خارج عمر المراهقة يركبون دراجاتهم النارية ويدورون بين القرى حاملين أعلام حزب الله وأمل. وعلى المفارق تقف شاحنات صغيرة عليها مكبرات صوت تبث الأناشيد الحماسية وترفع الأعلام الصفراء.
يقف شاب ثلاثيني في إحدى القرى الجنوبية، قضاء بنت جبيل، دائرة الجنوب الثالثة، ينظر حوله بدهشة، يقول "كل الذين تذمروا من الأوضاع في الفترة الماضية وقالوا سنعاقب وننتخب، عادوا وانقلبوا اليوم إلى جانب السلطة"، خيبة أمل على الجنوب الذي كان يأمل أن يحدث ولو تغييراً بسيطاً.
يوم الثنائي
صباح هادئ يوم الانتخابات. لا سيارات على الطرقات. يكسر الصمت بين حين وآخر صوت مكبر صوت آت من شاحنة تبث أناشيد حزب الله. تجمع الناس حول مراكز الاقتراع، في قرية السلطانية. يستطيع الناخبون سماع صوت أناشيد الحزب أثناء وضعهم إشارة X على اللائحة.
مرشح مستقل يقف في الخارج وحيداً بانتظار صوت شردت به الطريق خارج قطيع الثنائي. يرمقه بين الحين والآخر شبان يرتدون الأصفر والأخضر بنظرات الريبة، مطمئنين لوحدته.
مسيحيو الجنوب
لا حماسة مسيحية للانتخاب. يبلغ عدد الناخبين المسيحيين في قرية تبنين حوالى 600 ناخب. أتى ما ندر منهم، قلة قليلة من بيروت إلى البلدة للاقتراع. تقسم أقلام الاقتراع بحسب الأحياء. أي هناك قلم اقتراع مخصص للحي المسيحي. ما مكّن ماكينات الثنائي الانتخابية من معرفة كل شخص صوت ضدهم. تقف السيارات على الطريق الرئيسي لبلدة تبنين بانتظار مرور سيارة الرئيس نبيه برّي. استراحة قصيرة من التهافت والجري خلف حياة شاقة.
يقف فارس في الوادي القريب من قرية دبل المسيحية يرعى أبقاره، لا نية له على الاقتراع. يقول: "أنا لن أنتخب حركة أمل أو حزب الله بالتأكيد، لكنني أيضاً لن أنتخب لائحة فيها حسن عادل بزي. عليه أن يتعلم أن حقنا أكثر بكثر من رصاصتين". حركة خفيفة أمام مراكز الاقتراع في القرى المسيحية الثلاث، دبل، رميش وعين ابل. أعلام للقوات اللبنانية وأفراد للماكينة الانتخابية للقوات يقفون أمام المراكز، ينظمون المقاطعة كما يقول أحدهم.
سقوط أسعد حردان
تلونت بنت جبيل بالأصفر. يبدو العلم اللبناني تائهاً أمام زحمة الرايات الصفراء. صغيراً أمام الحجم الهائل لأعلام حزب الله. وحركة أمل تصارع لكي تحجز مكاناً لها بين الجنوبيين. خيبة أمل تسيطر على كل من حلم يوماً بالتغيير وجلس يستمع، خلال سهرات الشتاء الماضي، إلى تذمر الجنوبيين من الغلاء ورداءة المعيشة والطبقة الحاكمة. صمت تام يسيطر على المعارضين، وينظرون بخجل إلى أيديهم الملوثة بالحبر الأزرق. صمت تكسره عبارة قالها كثيرون جهاراً، بعد أن حلت الحماسة محل الذعر والخوف: "معاً نحو التغيير اخترقت الثنائي، أسعد حردان رسب".
اليوم يحاول كثيرون التعبير عن فرحتهم بذلك الرسوب، وفوز إلياس جرادي. وهم يأملون برسوب مرشح الثنائي مروان خير الدين، أحد أركان الطغمة المصرفية الصلفة. إنها بداية الفرح في أقاصي الجنوب، والمسيرة طويلة: معاً نحو التغيير.
تعليقات: