دولار ما بعد الانتخابات: مسار الصعود يلازم الاضطراب السياسي

مخاوف جدّية من الدخول في فراغ حكومي ومن ثم رئاسي (المدن)
مخاوف جدّية من الدخول في فراغ حكومي ومن ثم رئاسي (المدن)


لم يتغيّر مسار سعر صرف الدولار منذ أكثر من عامين ونصف العام. فالمسار كان تصاعدياً بشكل عام. فقد ارتفع سعر الصرف من 1500 ليرة إلى ما هو عليه اليوم في محيط 28 ليرة، مروراً بمراحل أكثر ارتفاعاً، وصل فيها سعر صرف الدولار إلى نحو 34 ألف ليرة.

على مدار العامين الفائتين وبالتزامن مع عشرات الأحداث المتنوعة على المستويات كافة، سياسية واقتصادية ومعيشية، لم يتراجع سعر صرف الدولار بشكل منتظم. بل استمر بالارتفاع مع تسجيل انخفاضات مفاجئة وظرفية، سرعان ما كانت تزول خلال أيام، ليستأنف بعدها الدولار مساره العام.. التصاعدي.

أمام حدث اليوم، وهو الانتخابات النيابية التي لم تصدر نتائجها الرسمية بعد، وبالنظر لحدوث تغييرات في غالبية الدوائر الانتخابية، التي شهدت خروقات للوائح السلطة السياسية الحالية، من قبل لوائح التغيير والمرشحين المعارضين، ثمة من يترقّب أزمة سياسية مقبلة على مستوى تشكيل الحكومة، ومن بعدها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية. فتبدّل التوازنات في مجلس النواب الجديد وحدّة الاصطفافات السياسية، لا تشي بتسهيل تشكيل حكومة مقبلة. وهناك مخاوف جدّية من الدخول في فراغ حكومي ومن ثم رئاسي. وكل ذلك لن يكون معزولاً عن الوضع الاقتصادي والمالي المتردّي.


أزمة سياسية مصرفية

إذا ما صحّت تلك المخاوف، ودخل البلد فعلياً في مرحلة من الفراغ الحكومي، ولاحقاً الفراغ الرئاسي، وهو سيناريو محتمل، فإن الملف الاقتصادي والمالي، وطبعاً المصرفي، سيدخل مرحلة جديدة من التعقيدات، لاسيما مع تعثر القيام بمهمة إقرار القوانين اللازمة والعاجلة، استكمالاً لمسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهي قانون الموازنة العامة وقانون الكابيتال كونترول والسرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وآلية توزيع الخسائر. وحينها لن يكون باستطاعة أي من الإجراءات الترقيعية التي اعتمدها مصرف لبنان مؤخراً، لجم انهيار سعر الصرف بشكل متسارع، قد لا تستوعبه السوق.

وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، وفي حال سير الأمور بسلاسة وتشكيل حكومة ومنحها الثقة سريعاً، على الرغم من صعوبة الأمر بالنظر إلى تباين وجهات النظر حول برنامج الحكومة الإقتصادي المرتقب، حينها قد يستمر سعر الصرف بالحفاظ على استقراره النسبي، مع تسجيل ارتفاعات متباطئة على غرار الأشهر الأخيرة، التي عمد فيها مصرف لبنان إلى ضخ الدولارات عبر منصة صيرفة وفق التعميم 161، ونجح بلجم انفلات الدولار من دون منع ارتفاعه. أما وقد "فرمل" مصرف لبنان اليوم ضخ الدولارات، وخفضها إلى الحدود الدنيا، فإنها لم تُحدث تغييراً يُذكر في سعر الصرف. إذ استعاضت السوق عن دولارات مصرف لبنان بدولارات المرشّحين والحملات الانتخابية، فحافظ سعر الصرف على استقراره النسبي طيلة الايام الماضية.


ارتفاع غير واضح الأفق

مع طي صفحة الانتخابات وتجفيف السوق من المال السياسي، وبالتزامن مع تراجع مصرف لبنان عن ضخ الدولارات في السوق إلا بمبالغ ضئيلة جداً، واحتمال توقفها نهائياً مع بداية شهر حزيران، مع اقتصار تغطية مصرف لبنان لاستيراد جزء من الأدوية فقط (بما لا يزيد عن 35 مليون دولار)، فإن من المتوقع حينها استئناف سعر صرف الدولار ارتفاعه تدريجياً إلى مستويات لا يمكن التكهّن بها.

أما ارتفاع سعر صرف الدولار في اليومين الأخيرين، وتجاوزه اليوم سقف 28 ألف ليرة، فمرد ذلك إلى عدم اتضاح الرؤية حيال مستقبل الأزمة المالية. وذلك لا يعني استبعاد تراجع سعر الصرف بشكل مفاجئ، غير أن ذلك لن يكون سوى هدنة مؤقتة، أو ربما استراحة قصيرة الأمد، تمهيداً لاستئناف عملية الارتفاع. فالمسار الطبيعي في المديين المتوسط وطويل الأمد هو المسار التصاعدي لسعر صرف الدولار.

هذه الصورة تتوافق ورؤية الاستاذة الجامعية والمتخصّصة بالشأن الاقتصادي، ليال منصور، التي ترى أنه على المدى القريب لربما يشهد سعر صرف الدولار تقلبات كثيرة، إن صعوداً أو نزولاً، أو تقلبات غير مبررة. ما يعني أنه قد يرتفع عدة آلاف من الليرات من دون أي دافع مباشر. أما على المديين المتوسط والبعيد، فالدولار في طريق تصاعدي قطعاً، باستثناء تغيرات بمستوى التسارع. فتتسارع عملية الارتفاع أو تتباطأ، حسب حديث منصور لـ"المدن"، لكن في نهاية المطاف سيكون المسار الطبيعي للدولار في المرحلة المقبلة هو الارتفاع.

مهما تغيرت الحكومات والنواب وغير ذلك، فإن الوضع القائم يفرض المسار التصاعدي على الدولار، تقول منصور. أما الأحداث، فمن شأنها التغيير بمسار العملة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والدول الاوروبية، وعملياً إن أي حدث مهما كانت أبعاده إيجابية أو سلبية فإنه ينعكس مباشرة على مسار العملة في الدول المتقدمة اقتصادياً. أما في لبنان فالأمر مختلف تماماً، فالأحداث من شأنها تسريع انهيار العملة أو إبطائها، لكنها من الصعب أن تغير مسار العملة الوطنية الآخذ حالياً بالتراجع مقابل الدولار.

إذا لم يكن هناك من عامل مباشر من شأنه أن يؤثر إيجاباً بالعملة حالياً، فالدولار متجه صعوداً مقابل الليرة، لأن البلد مدولر والأزمات عميقة. ولطالما كان استقرار الدولار مرتبطاً باحتياط الدولار في المصرف المركزي. وهو ما لا يمكن التعويل عليه اليوم. أما العامل الثاني المؤثر بالعملة المحلية، فهو الثقة التي يصعب استعادتها في الوقت الراهن، مهما كانت الإجراءات السياسيات المعتمدة.

وحسب منصور، فإن الثقة بالعملة المحلية في الدول المدولر اقتصادها قد لا تعود نهائياً، أما العوامل المحيطة فيما لو كانت إيجابية أو سلبية، فهي تساهم قطعاً بتسريع مسار العملة أو إبطائه من دون تغييره.

تعليقات: