لقد أنصف الجميع شرقاً وغرباً مقاتلي حزب الله اللبناني فأقروا ببسالتهم النادرة في زمن الهزائم العربية، وكنا قد كتبنا في حينه: ( هو السحر لكن من هو الساحر..!؟ ) ولم يتأخر الوقت للحصول على الجواب فقد أعلنت قيادة الحزب أن النصر المحقق هو نصرٌ إلهي بامتياز.! وهكذا، ظهر الساحر الذي تساءلنا عنه مداورةً، وتراجعت إلى الخلف بسالة أولئك المقاومين، كما تراجع حسن التدبير، وبراعة التخطيط، الذي تميزت بهما قيادة الحزب، كما تراجعت فعالية الدعم الصديق وذلك بسبب أن الله القوي الجبار هو وراء النصر، وهو لو لم يستجب لدعاء المؤمنين لما كان هذا النصر المؤزر.!
إذن، فقد أحالنا هذا التجيير الإيماني السياسي المعلن والذي لم تكن هناك من حاجة حقيقية له، إلى التساؤل من جديد عن هوية الله الحزبية.!؟ ذلك، لأنه سبحانه عرفناه حيادياً على مدى تاريخ الأديان، وقد تجلت حياديته هذه بوضوح حين بدأت أمة الإسلام والمسلمين بكل أطيافهم المذهبية المتناحرة ترزح تحت وطأة الهزائم المتلاحقة..! حتى مدينة القدس، حيث المسجد الأقصى، لم تصلها مؤازرةً إلهية لطالما تكلم عنها الفقهاء الأفاضل بالرغم من أن يهود إسرائيل يعبثون بقداسته كل يوم أيما عبث، ويذِّلون المسلمين القادمين للصلاة في جنباته كل يوم جمعة منذ عشرات السنين أيما ذل.!
جملة إيمانية واحدة تمثلت بإحالة النصر الأرضي الحقيقي إلى الله في السماء السابعة كانت كافية للعودة إلى المربع الأيديولوجي الأصولي الأول، وصار منطقياً أن يقول البعض: إذن، من حق يهود إسرائيل أن يقولوا: لقد كانت انتصاراتنا المتتالية على بعض الدول العربية الإسلامية إلهية خالصة.! وعلى نفس المنوال، وباستخدام نفس المنطق الإيماني، يمكن للكثيرين أن يقولوا: إن الله العزيز الحكيم لا تعنيه مأساة العصر كما يبدو فالشعب الفلسطيني يرزح منذ أكثر من نصف قرن تحت وطأة ظروف إنسانية لا تحتمل وبالرغم من أنهم قاوموا وابتدعوا وسائل مقاومة عديدة وهم لم يتوقفوا عن بذل الدماء يومياً، فإن النصر لا يزال سراباً وذلك لأن الله بحسب المنطق الإيماني إياه لم يسعفهم بل يمكن القول: إنه ينصر يهود إسرائيل على مدى نصف قرن كما نصر من قبلهم هتلر الذي أراد أن لا يترك يهودياً في بلاده على قيد الحياة وذلك قبل أن ينقلب عليه وينصر الحلفاء..!
الأصولية الإيمانية لا يمكن إلا أن تحيل السياسة التي هي عصب الحياة الدنيا إلى الغيبيات، وهكذا، بالرغم من أن الصراع في جوهره سياسي، وبالرغم من أن الله لا وظيفة سياسية مباشرة له بحسب منطوق جميع الأديان السماوية لأنه منزَّه عن مثل هذه الأمور الدنيوية، فالعقل الديني مصرٌ على إقحامه في كل صراع سياسي..!
إن الخطورة الناجمة عن سيادة مثل هذا العقل الغيبي في مكان ما، أو حيز جغرافي ما، إذا ما تحقق له تسيير شؤون المجتمع، والحكم، تكمن في انعدام إمكانية أي تثمير إيجابي لما يتحصل من انتصار في لحظة تاريخية مواتية بما تتطلبه السوية الحضارية الراهنة..! ويمكن اعتبار ما حصل في أفغانستان نموذجاً مثالياً في هذا الشأن فبعد النصر الإلهي المعزز أمريكياً وسعودياً الذي حققه مقاتلو حركة طالبان الأصولية، انداروا نحو المجتمع الأهلي وانتصروا عليه أيما انتصار حيث أعادوه إلى ما كانت عليه الحياة في أحلك مراحل التاريخ الإسلامي.
لقد كتب بعض العلمانيين حول المعركة الشرسة التي دارت رحاها بين حزب الله وجيش الدفاع الإسرائيلي فعمدوا إلى إنكار حقيقة ما جرى على الأرض من مقاومة ناجذة، وعنيدة، بدلاً من محاولة تقديم تفسير، وتحليل مقنعان.! ومثل هذه المواقف تسيء لأصحابها من جهة وتزيد من نفور الجمهور من العلمانيين وعلمنتهم من جهة أخرى.!
إن المقاتل المتدين المعبأ عقائدياً لا يتوانى عن الاستبسال في القتال وكيف لا وهو مؤمن إيماناً روحياً قاطعاً بأنه ذاهبٌ إلى جنة الله فور استشهاده..!؟ وهذه الحالة حقيقة دامغة و لا مراء فيها بحيث لا تستقيم معها أية محاولة التفافية كما فعل بعضهم.! إن مثل هذا المقاتل إضافة إلى عدالة قضيته المقتنع بها اقتناعاً راسخاً، مؤمنٌ بأنه سيلاقي ربه على أحسن صورة، وسيلقى عنده نعيماً خالداً افتقده في حياته الدنيا الزائلة.!
تعليقات: