تتزاحم الملفات والاستحقاقات التي يقبل عليها المجلس النيابي الجديد. يمرّ لبنان في أشهر مفصلية ترقى إلى مصاف وجودية. التسوية حاجة وضرورة للجميع. وبحال عدم توفر ظروفها يعني أن سيناريوهات سيئة وسلبية ستكون داهمة. في انتخابات العام 1972 وعلى وقع أزمات سياسية ومعيشية جرت انتخابات نيابية سقطت فيها رموز ودخلت شخصيات جديدة تغييرية إلى المجلس النيابي. وللمفارقة كان ذلك الاستحقاق هو آخر انتخابات جرت إلى العام 1992 ما بعد الحرب الأهلية.
المحاصصة مجددًا
حاليًا يعاني لبنان من جملة أزمات معيشية وسياسية واقتصادية على وقع أزمات إقليمية قابلة في أي لحظة لأن تنفجر في الداخل. كان يفترض بالاستحقاق الانتخابي أن ينتقل بالنقاش في البلد من السياقات السياسية والتسويات على طريقة المحاصصة، إلى البحث عن خطة مركزية جدية للإصلاح والتعافي.
لكن سرعان ما انتهت الانتخابات وحققت قوى التغيير اختراقًا كبيرًا في المجلس النيابي. إلا أن القوى السياسية تعمل على إغراق تلك القوى في معادلات سياسية ثابتة تتعلق بالتحاصص والمساومات: كيفية انتخاب رئيس المجلس ومن سيكون. آلية الاتفاق على نائب رئيس المجلس وهيئة المكتب. لينتقل النقاش بعدها أيضًا إلى البحث عن آلية تسمية شخصية لرئاسة الحكومة وكيفية تشكيلها وتوزاناتها. وهذا ما يستمر إلى أن يحين موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
العونيون وبرّي
لن يكون من السهل العبور بين كل هذه الألغام، سواء بالنسبة إلى قوى المجتمع المدني أو بالنسبة إلى القوى السياسية المتصارعة فيما بينها. فرئيس مجلس النواب نبيه برّي أعاد ترشيح نفسه لهذا المنصب، وسط مواقف مسيحية معترضة، كموقف القوات وموقف التيار العوني. إلا أن السعي للوصول إلى تسوية قد انطلق، فيما لا يريد برّي أن يدعو إلى جلسة قبل الوصول إلى الاتفاق. وقد يكون الخيار في النهاية ترك التيار العوني حرية التصويت لنوابه، فيحصل برّي على الأصوات اللازمة.
أما في حال ظل التيار على موقفه، فيعني المزيد من التأزم. خصوصًا إذا ما خطر في بال العونيين إيقاع برّي في لعبة عون قبل انتخابه رئيسًا، أي تعطيل انتخابات رئاسة المجلس إلى حين ضمان فوزه بأكثرية مريحة. وهذا تكون دونه توترات عدة، لا يمكن فصلها عن مسار تشكيل الحكومة ولا عن الانتخابات الرئاسية.
خيارات ميقاتي
في تسمية شخصية جديدة لرئاسة الحكومة، لا يزال الرئيس نجيب ميقاتي يفكر في كيفية العودة. وهنا ثمة تفسيران لمسار الجلسة الحكومية الأخيرة: الأول رفع ميقاتي السقف ضد رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره ووزير الطاقة، على خلفية خطة الكهرباء. وهذا نتيجة انعدام حظوظ ميقاتي بالعودة.
التفسير الثاني الأكثر دهاءً أن يكون ميقاتي فجرّ هذه الفضيحة لتوسيع اشتباكه مع عون، فيعود مفاوضًا بقوة في سبيل العودة إلى رئاسة الحكومة، مقابل العودة إلى التناغم والانسجام في عدد من ملفات رئيسية ترتبط بكيفية توزيع الحصص الحكومية والحقائب، وحتى الثلث المعطّل.
المحيطون برئيس الجمهورية يعتبرون أنه يستحيل القبول بتحويل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف أعمال في حال الفراغ الرئاسي. وأي نية لتشكيل حكومة جديدة لا بد أن تكون خاضعة لشروط عون السياسية كي يوقّع على مراسيمها، فنعود إلى لعبة كل وزير هو رئيس. وهذه اللعبة كرّسها العونيون في حكومة الرئيس تمام سلام، وبعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
فتوى جميل السيد
الجميع محكوم بالتسوية إذًا. من انتخابات هيئة مكتب المجلس إلى ملف تشكيل الحكومة، وصولًا إلى الاستحقاق الرئاسي. وهنا صدرت مواقف واضحة من رئيس التيار العوني جبران باسيل قبل أيام، حول ضرورة التحاور للاتفاق بدلًا من فرض حوار خارجي على اللبنانيين.
وهذا لا ينفصل عن تصريح النائب جميل السيد بعد لقائه رئيس الجمهورية إذ قال: "إن استمرار حكومة تصريف الأعمال حتى الانتخابات الرئاسية، مؤامرة على الناس قبل أن تكون مؤامرة على فخامة الرئيس والعهد. فالناس في حاجة إلى حكومة تدير أمورهم. وفي هذا المجال، كان لي رأي قد يأخذ به فخامة الرئيس أو لا، ويقضي بأنه دستوريًا، وفي حال حصلت فعليًا مناورة عدم تشكيل الحكومة، فإن فخامة الرئيس لا يجوز أن يسلّم صلاحيات الرئاسة إلى حكومة تصريف أعمال في نهاية ولايته. ذلك لأن صلاحيات الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الأعمال. ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته إلى حكومة تصريف أعمال لا تتمتع بصلاحيات دستورية بنفسها، ولا يمكن لها بالتالي أن ترث الصلاحيات الدستورية لفخامة الرئيس".
هو اقتراح يتم التداول به على أكثر من صعيد بين المقربين من رئيس الجمهورية. ولكنه بالتأكيد سيعيد إحياء مشاهد سيئة، سواء مشهد العام 1989، أو مشهد الانقسام السياسي والتعقيد الذي ساد بين العامين 2007 و2008. وعليه ستكون الأسابيع المقبلة مفصلية بين الذهاب إلى تسوية أو الاستمرار في المراوحة على وقع التصعيد المتبادل بين الأطراف المختلفة، ما ينذر بشرور مستطيرة.
تعليقات: