انقطعت المياه منذ أيام عن معظم مناطق الضاحية الجنوبية (المدن)
تغيرت ملامح الضاحية الجنوبية بعد يوم الانتخابات، فالمنطقة التي اختنقت بمندوبي أحزابها وبوعودهم وبخيمهم واتصالاتهم اليومية لناخبيهم، صارت ملامح سكانها اليوم شاحبة ويملؤها الخوف، إثر ارتفاع الدولار الجنوني غير المسبوق. والشوارع التي شهدت عشية الانتخابات احتفالات واسعة تخللتها رشقات الرصاص العشوائي والقذائف، وتوزيع الحلوى في بعض الأحياء، احتفالاً بفوز حزب الله، يسيطر عليها الظلام الدامس منذ أيامٍ.
لا كهرباء حتى اشعار آخر
قبل أيامٍ من الإنتخابات النيابية، زار التيار الكهربائي المنطقة يومياً، ولأكثر من 5 ساعات في اليوم الواحد، ومنذ صباح الاثنين 16 أيار، انقطع التيار الكهربائي بشكلٍ شبه تام عن المنطقة كلها. حتى أن بعض المناطق باتت مظلمة تماماً بعد انقطاع التيار الكهربائي عنها منذ 4 أيام بسبب توقف معامل الكهرباء عن العمل بعد فقدانها الفيول. وبجولةٍ صغيرة في الأحياء، وعلى الرغم من أن الطقس لا يزال مقبولاً، إلا أن الناس تتوزع على الشرفات هرباً من ظلام بيتها. فالعديد من الشقق السكنية تخلت عن المولد الكهربائي، بسبب تقنين سكانها وتحاشيهم الدفع بالدولار الأميركي أو بما يوازيه بالليرة اللبنانيّة.
انقطاع المياه
وبسبب انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، توقفت المياه وانقطعت تماماً في بعض المناطق كحي السلّم والمعمورة والرويس. ولجأ المواطنون لشراء المياه على نفقتهم الخاصة لاستعمالاتهم اليوميّة. أما بعض المباني والتي لم تنقطع من المياه حتى الساعة، فأُلصقت ورقة على مدخلها تطلب من السكان تقليص استعمالهم اليومي للمياه للمحافظة عليها وتجنب انقطاعها.
وبعد ان وصلت تكلفة "نقلة المياه" (الصهريج الصغير) إلى أكثر من 700 ألف، عجز بعض السكان عن دفع هذه المبالغ لتعبئة خزاناتهم، فاتجهوا إلى شراء غالونات من المياه بشكل يومي حسب حاجتهم. والغالون الواحد الذي يحتوي على 20 ليتراً من المياه يبلغ سعره 20 ألف ليرة لبنانيّة.
استعان محمد. ق (35 عاماً) وهو من سكان منطقة الرويس، بتعبئة المياه لشقته من خزانات المياه الموضوعة في الشوارع بشكلٍ مجاني. ولم يعد يهتم عما إذا كانت هذه المياه نظيفةً وصالحة للشرب أم لا. فيقول: منذ أسبوع انقطعت الكهرباء والمياه معاً. فبدأ بشراء غالونات المياه لتستعملها عائلته المؤلفة من 5 أفراد، إلا أنه احتاج إلى ما يفوق 4 غالونات يومياً، أي أكثر من 80 ألف ليرة يومياً. فعجز عن ذلك. ولجأ إلى تعبئة المياه من الخزان الموجود قرب بيته بطريقة مجانية لتوفير بعض المبالغ المالية.
إقفال محطات الوقود
منذ الصباح الباكر، وبعد أن لامس الدولار الأميركي 36 ألف ليرة لبنانية، أقفلت المحطات أبوابها ورفعت خراطيمها رافضة تزويد أي سيارة بالوقود مهما كانت الأسباب. وخلال ساعتين، اصطفت طوابير السيارات أمام المحطات، وجال العديد من المواطنين في مناطق الضاحية باحثين عن محطة مفتوحة، وتجمع عدد من المواطنين في الطوابير أمام المحطات تحت أشعة الشمس. وبعد اطلاعهم على سعر المحروقات الجديد حين لامست صفيحة البنزين 600 ألف ليرة، عبّروا عن سخطهم بالشتم للطبقة الحاكمة، ولعنوا مسببي هذه الأزمة، وتحسّر بعضهم على توزيع بونات البنزين في المنطقة نفسها خلال الانتخابات قائلاً "رزق الله أيام الإنتخابات". ولكنه انتبه إلى بقايا آثار الحبر الأزرق على إصبعه، فالتزم الصمت.
إقفال المحلات وتخبئة البضائع
وما إن بدأ الدولار بالارتفاع من دون أي سقف، حتى ظهر الخوف واضحاً على ملامح أهالي المنطقة. إذ أقفلت بعض محلات الخضر أبوابها في ساعات النهار، ورفضت بيع بضائعها بخسارة. أما التعاونيات الكبيرة والاستهلاكيات فاختفت منها بعض البضائع عن الرفوف فجأةً، بهدف رفع أسعارها. كما أن إحدى الاستهلاكيات أقفلت باكراً إلى حين تغيير أسعارها، ومن ثم عاودت فتح أبوابها.
وفي حديث "المدن" مع صاحب محل خضر في منطقة المريجة، أصر على إقفال محله والعودة إلى بيته، مشيراً إلى أن هذا المتجر الصغير هو باب رزقه الوحيد الذي يعتاش منه، ولكنه يفضل المكوث في بيته على بيع بضائعه بخسارة كبيرة. فالبضائع صارت تباع بسعر لا يناسب الشاري والبائع، وهو غير قادر على تغيير أسعار بضائعه كل نصف ساعة بسبب ارتفاع الدولار. علماً أنه أتاح للشاري أن يشتري منه بالحبة، ولكنه غير قادر على مواكبة هذا الارتفاع الجنوني.
وتهافت الناس منذ عدة أيام على شراء بطاقات التشريج لتعبئة خطوطهم الهاتفية، بعد رفع أسعارها ابتداءً من تموز. وبسبب الإقبال المتزايد، نفدت البطاقات من بعض المحلات، خصوصاً الموجودة في منطقة الغبيري وبئر حسن. أما بعض المحلات ففرضت قوانين خاصة بها، وهي إعطاء كل زبون بطاقة واحدة فقط، وذلك تجنباً لنفادها بسرعة. هذا إضافة إلى التلاعب بأسعار البطاقات بلا حسيب أو رقيب. فاختلفت الأسعار بين محل وآخر، خصوصاً منها دولارات الهاتف. فبعد أن كانت 10$ بـ15 ألف ليرة، بيعت اليوم بـ20 و25 و30 ألف ليرة.
خوف من السرقة
يسيطر الرعب اليوم على سكان المنطقة، فيتداولون بين بعضهم البعض نتائج الانهيار الإقتصادي على حياتهم اليومية، ويتساءلون عن اختفاء المساعدات المالية والإعاشات التي قدمت قبل الانتخابات النيابية واختفت بعدها. وأكبر مخاوفهم اليوم هي عودة حوادث النشل والسرقات إلى المنطقة عن جديد بسبب الوضع الاقتصادي المتردي والفقر المدقع، خصوصاً بعد رفع حزب الله لكل الحواجز التي وضعها سابقاً على الطرقات. وبسبب وجود السلاح المتفلت وسهولة الحصول على أي قطعة سلاح، فقد تزود بعض السكان بأسلحة خفيفة فردية لحماية عائلتهم من السرقات وحوادث النشل في المنطقة.
انتشار الصرافين
وفي ميدان الشهداء الواقع في منتصف اوتوستراد هادي نصرلله، تعم الفوضى في المكان بسبب الزحمة الخانقة للسير، فيقف أكثر من 20 شاباً بشكل يومي، ويزداد هذا العدد يومياً وكأنها مهنة جديدة. يبدأ دوامهم منذ ساعات الصباح الباكر حتى منتصف الليل. يضعون على خصورهم شنطة سوداء ليخبئوا فيها المال. ويرفعون يدهم عالياً ويقومون بحركة متعارف عليها بين الصرافين، وهي الإمساك بربطة تضم أكثر من 4 ملايين ليرة لبنانية وهزها عالياً، ليفهم المارة أنه يشتري الدولارات. ويتهافتون على المارة والسيارات. ويسألون المارة "تشتري لبناني؟" فتقف فجأة السيارات وسط الطريق مسببةً زحمة خانقة، ويسألون عن سعر الدولار اليوم، ويتناقشون معه قليلاً على أمل أن يرفع سعر الصرف قليلاً. ويشترون منه من دون أن يتأكدوا من صحة الأموال إذا كانت مزورة أم لا.
الواحد من أولئك الشبان-الصرافين يكتفي برفع ورقة الدولار عالياً نحو أشعة الشمس وهزها قليلاً يميناً وشمالاً ليتأكد من أنها غير مزورة. إلا أن اللافت أن هؤلاء الشبان كلهم، يقفون أمام محلات الصيرفة القانونية، ويخطفون الزبون منهم، ولا أحد يجرؤ من أصحاب المحال هذه على الاعتراض، إنما يكتفون بإلصاق ورقة على باب محلهم يقولون فيها أنهم "غير مسؤولين عن الصرافين خارج المحل"، وذلك حتى لا يظن الناس أن الشباب هم موظفو هذه المحلات.
أما الشباب فيتفقون بين بعضهم البعض على سعرٍ موحد، فيرفعونه معاً ويخفضونه معاً، ويتهامسون بإشارات بين بعضهم البعض، وكأنهم فريق واحد متماسك مؤمنة حمايتهم من الأحزاب الموجودة والمسيطرة على المنطقة.
تعليقات: