ضحايا قارب الموت إلى النسيان: لا أحد يبحث عنهم

دخل قارب الموت في متاهة تمييع القضايا والجرائم (المدن)
دخل قارب الموت في متاهة تمييع القضايا والجرائم (المدن)


أكثر من 40 يومًا مرّ على فاجعة غرق "قارب الموت" قبالة جزر النخل في طرابلس شمالي لبنان. وهناك، وفي عمق يتجاوز 450 متراً بقعر البحر، يتموضع المركب منسيًا وفي قلبه ما لا يقل عن 30 جثة هامدة، تتعرض للتحلل، ومعظمهم من النساء والأطفال اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.

والنتيجة ببساطة: طالما أن المركب عالق حيث لا تصل إليه أيّ من فرق الإنقاذ، فإن التحقيقات القضائية عالقة بدورها. وذلك على قاعدة أن وضعية القارب ومعاينته كفيلة باستكمال عناصر ملف التحقيق. وحتى الآن، لم يحصل ذوي الضحايا على الخلاصة الأولية للتحقيقات الرسمية، في بلدٍ تضع فيه جميع الاطراف، المتسببة والمتضررة، نفسها تحت سقف هذه التحقيقات، من دون أن تصل الأخيرة إلى ما يفضي نحو الحقيقة فالعدالة.


متاهة وأسئلة

وإذا كان قارب الموت دخل في متاهة تمييع القضايا والجرائم، فثمة أسئلة جوهرية متروكة بلا إجابات من الجهات الرسمية: كيف غرق القارب لدى اصطدامه بخفر السواحل التابع للجيش اللبناني؟ ومن تسبب بغرقه؟ البحار العسكري أو البحار المهرب؟ وما كانت حصيلة التحقيقات مع سائق قارب المهاجرين من آل الجندي، وهو سوري الجنسية، وقد تُرك قيد التحقيق، وهو من أهم الشهود على تلك الواقعة المأساوية؟ وما مصير المهربين مدبري الرحلة من آل الدندشي الذين يعرفون بظروف الرحلة من لحظة تدبيرها حتى انطلاقها ومن ثم غرقها؟


معضلة انتشال القارب

وبغصة يقول مظهر مرعب، وهو أحد ذوي الضحايا ولعائلته 8 جثامين في قعر البحر، لـ"المدن": "لا يتواصل معنا أحد لجهة مصير أبنائنا. تلقينا وعدًا من النائب أشرف ريفي على مستوى استقدام فرقة إنقاذ خارجية، ولكن لم يتحقق منه شي، وكل يوم نفقد الأمل وكأنهم يريدون منا الاستسلام لقدر فقدان جثامينهم".

وكما هو معلوم، لم تتمكن فرق الإنقاذ التابعة للجيش من العثور الجثث المفقودة في البحر، في ظل الترجيحات بوجودها بالغرف السفلية للقارب. وبعد أيام من غرق القارب، شاركت فرقة يونانية بعمليات بحث، من دون الوصول إلى نتيجة. وحسب معلومات "المدن"، فإن لبنان الرسمي، وتحديدًا وزارة الدفاع التي تتولى زمام الملف، لم تتلقَ أي رد رسمي من الجهات الأجنبية القادرة على مساعدة لبنان بانتشال القارب، وهي عملية شديدة الحساسية على المستوى التقني حسب رأي خبراء، ولا تقل تكاليفها عن مليوني دولار أميركي.

وحسب مصادر "المدن" في مرفأ طرابلس، فإن عمليات البحث عن الجثامين تستمر بشكل متقطع من قبل غواصي الجيش وعبر كاميراته، رغم الإقرار بعدم القدرة على انتشاله.


إهمال سياسي

والغريب أيضًا، رغم التحقيق مع سائق القارب وبعض مهربي القارب، لا يوجد أي أرقام رسمية حول عدد المفقودين في البحر ولا عن عدد ركابه، فيما ذهبت التقديرات غير الرسمية إلى وجود ما لا يقل عن 84 مهاجرًا غير نظامي، وقد نجا 48 منهم، فيما جرى انتشال 7 جثث فقط.

واللافت أن نواب طرابلس والشمال المنتخبين، كحال زعمائها التقليديين، لا يعطون قضية القارب والمفقودين أي أولوية على أجنداتهم، كما لا يتواصلون مع ذوي الضحايا، بل يغيب عن أجنداتهم التي تتصدرها الشعارات الشعبوية والسيادية والثورية.

تعليقات: