سفينة حربية إسرائيلية قبالة رأس الناقورة (غيتي)
نقطتان دار حولهما الإعلام الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين، في مقاربته لملف وصول سفينة الإنتاج "انرجين" إلى حقل كاريش، أولهما الاعتقاد الإسرائيلي بأن "حزب الله" لن يضرب سفينة الإنتاج، وثانيهما تحول الإعلام الاسرائيلي نحو تقديم عروض لشراكة مع لبنان في ملف استخراج الغاز وتصديره، وهو عرض سابق رفضه لبنان الذي تتسم علاقته مع الاحتلال بالعداوة.
ولم تكن القراءات الإعلامية الإسرائيلية لمخطط الاحتلال تنقيب عن الغاز في حقل "كاريش"، بالكثافة نفسها الحاضرة في الإعلام اللبناني، نظراً لتركيزها على مصير حكومة نفتالي بينيت، المهددة بالسقوط، على ضوء نتيجة تصويت الكنيست على أنظمة "الطوارئ" في الضفة الغربية المحتلة، الإثنين.
بيدَ أنّ هناك سببين موجبين آخرين لعدم تخصيص الإعلام والساسة والأمن في دولة الإحتلال المعالجات الوافرة لموضوع حقل "كاريش"، وما يُمكن أن يجر من تصعيد على الجبهة الشمالية. ويتمثل الأول في عدم رغبة إسرائيل بالردّ رسمياً على ما وصفتها بـ"الإدعاءات" اللبنانية، على الأقل في الوقت الحالي، لتفادي "إضفاء الشرعية على الإدعاء بأن المنطقة متنازع عليها بالفعل"، حسب صحيفة "هآرتس" العبرية. وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الاسرائيلي بالقول إن "منصة استخراج الغاز كاريش تقع ضمن نفوذ اسرائيل وليس في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان"...
في حين يكمن السبب الثاني، في إعتقاد الدوائر الأمنية الإسرائيلية، بأن "حزب الله" لن يطلق صواريخ، لأنه "غير معنيّ بذلك"، ارتباطًا بالأزمة الإقتصادية والسياسية التي يمر بها لبنان، فضلاً عن ترويج المحللين الإسرائيليين بأن الأمر، فقط، عبارة عن "رواية لبنانية"، وأن الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح حقيقة الأمر.
التقدير الإسرائيلي، يعود الى ما قالته القناة 12، وما أشار اليه الصحافي الإسرائيلي، نوعام أمير، والكاتب الإسرائيلي مردخاي كيدار.. كذلك، أفاد المحلل العسكري في قناة "مكان" في النشرة المسائية، ان تقدير الأمن الإسرائيلي هو أن "حزب الله" لن يضرب. ويرى فلسطينيون أن هذا التقدير هو الدافع للبرودة الاسرائيلية في التعامل مع هذا الملف، وأن خيار الانفجار مرهون بتأكد الرواية اللبنانية خلال الأيام المقبلة.
والحال إن التقدير الإسرائيلي، أثبته إعلان "حزب الله"، مساء الإثنين، بأن تحركه ينتظر إعلاناً صريحاً من الدولة اللبنانية بأن هناك اعتداء على الماء والنفط اللبنانيين. وتحاول "هآرتس" توضيح ما يجري عبر القول إن شركة الطاقة البريطانية اليونانية "انيرجيان باور"، التي تمتلك حقوق حقول غاز كاريش منذ العام 2016، قد أقامت الحفارة يوم الأحد، على بعد حوالى 80 كيلومتراً غربي حيفا. وفي الأيام المقبلة، سيربط العمال المنصة برواسب الغاز، متوقعة أن يبدأ تشغيل الحفارة في الأشهر الثلاثة المقبلة. وتدعي إسرائيل أن موقع الحفارة ليس محل نزاع، وتنقل وسائل إعلام عبرية عن مصادرها في تل أبيب زعمها إنه "حتى بمقاييس المخطط اللبناني، فإن منطقة الحفار ليست موضع تساؤل، حيث تقع جنوبي الحدود البحرية التي يقترحها لبنان".
وبينما ذكرت أحدث رواية لبنانية إن "الباخرة التي أتت للتنقيب في كاريش قد رست فعلًا جنوبي الخط 29، لكن تمديداتها هي التي قطعت شمال الخط واعتدت على مياه لبنان"..فإن الصحافي الإسرائيلي نوعام أمير، المتناغم مع الخطاب الإسرائيلي الرسمي، تولى مهمة التصدي لرواية بيروت، عبر الزعم بأن منصة الغاز الطبيعي قد وصلت "كاريش"، الأحد، إلى المكان المقصود في "داخل المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، أي نحو 80 كيلومتراً غربي الشواطئ الإسرائيلية". وأضاف نوعام أنه من المفترض أن يجري ربط المنصة بحقل "كاريش" وحقول أُخرى في المنطقة، وأن تزود السوق المحلية بنحو نصف حاجتها من الغاز الطبيعي. وتنضم هذه المنصة إلى منصتيْ "تمار" ولفيتان" اللتين تعملان اليوم وتزودان السوق بالغاز الطبيعي.
وعلّق الكاتب الإسرائيلي مردخاي كيدار، في تعليق تلفزيوني، على تأكيدات لبنانية بأن معدات وإمدادات باخرة التنقيب، قد اجتازت شمال الخط 29، وهو ما يعني أن التنقيب سيسرق من غاز لبنان..قائًلا إنه، من الناحية العملية، لا ضمانة كاملة بأن لا يُؤخذ جزئيًا من غاز لبنان، لأن حقل الغاز، عمليًا، هو واحد، والحل فقط بتقاسمه. وزعم كيدار أن مَن يُفشل الحل هو لبنان، داعيًا الأخير بنصب منصة تنقيب مماثلة من الجهة اللبنانية، ليفعل كما تفعل إسرائيل، لكنه زعم أن المسؤولين اللبنانيين، لأسبابهم الخاصة، لا يقومون بهذا التنقيب.
وكالعادة، سعى كيدار إلى أن يُجمل صورة إسرائيل التوسعية والإستعمارية، بالقول إن "إسرائيل عرضت على لبنان في مرات سابقة، أن تقوم هي بعملية الضخ، وأن تدفع هي تكاليف ذلك، وأنه، فقط، على لبنان أن يتقاسم الأرباح مع إسرائيل". ولم ينسَ كيدار أن يبتز الدولة اللبنانية، عبر تهديدها بأنها في حال لم تتوصل إلى حل مع إسرائيل بخصوص المياه الإقتصادية، فإن الغاز اللبناني سيصبح لإسرائيل. وادعى كيدار أن إيران هي من تقف في خلفية موضوع "كاريش"؛ لأن طهران تريد "تركيع إسرائيل؛ كون الصراع هو مَن يكون الآمر الناهي في المنطقة".
بدورها، ذكرت القناة العبرية "12" أنه بموجب المخطط الإسرائيلي، سيُستخرج الغاز من الآبار الموجودة على عمق 1700 متر تحت الماء، وعلى مساحة 3-4 كيلومترات مربعة تحت الماء، عبر أنبوب يمر تحت الماء ويتوجه نحو المنصة، إذ ستجري معالجة الغاز الطبيعي، ثم يجري ضخّه إلى السوق المحلية بواسطة أنبوب يصل إلى منطقة الفريديس، حيث سيوصل بشبكة النقل.
وبحسب المخطط الأولي، ستكون لإسرائيل "ثلاثة" حقول للغاز الطبيعي منفصلة، موصولة بالسوق المحلية بواسطة "ثلاثة" أنظمة إنتاج منفصلة ومستقلة، الأمر الذي يضمن للسوق الإسرائيلية استقلالها في مجال الطاقة، حسب القناة العبرية المشار إليها. وبينما سعت القناة العبرية 12 للتقليل من قيمة تهديدات لبنان، بدعوى أنها "لا تؤثر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية"، تعود وتقول إنه لا بد من أخذ هذه التهديدات بجدية، في الوقت ذاته. ونوهت بأن مَن سيعطي الضوء الأخضر النهائي للبدء بالعمل هو سلاح البحرية الإسرائيلية الذي سينهي تنفيذ الترتيبات الأخيرة لضمان "أمن المشروع"، وفق قولها.
تعليقات: