في الجلسة الثانية المخصصة لانتخاب أعضاء اللجان النيابية، حصلت انتخابات للمرة الأولى بعد اعتياد الأحزاب السياسية التوافق وتشكيل اللجان بالتزكية. فاز نواب «قوى التغيير» بعضوية بعض اللجان، لكن بدعم من الأحزاب السياسية، وهي النتيجة نفسها التي كان يمكن الوصول إليها عبر تفاهمات مسبقة. عملياً، ما جرى، أمس، في الجلسة الثانية لبرلمان 2022 كان «انتخابات للانتخابات» على طريقة «فن للفن»!
حتى ساعة متأخرة من ليل أول من أمس، كان هناك تعويل على إرساء توافق مبدئي حول اللجان النيابية، بالطريقة نفسها التي كانت تجري فيها تزكية كل أعضاء اللجان منذ ما بعد الطائف، بما يجنّب الذهاب إلى انتخابات. لكن ما شهدته جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وأمينيّ السر كان تفصيلاً أمام انتخابات أعضاء اللجان النيابية. ففي مسعى لتليين موقف الكتل السياسية وكتلة المعارضة، ذكّر الرئيس نبيه بري بداية بأن النائب يمكن أن يشارك في لجنة حتى لو لم يكن عضواً فيها. لكنه قال إنه لم يلمس أي توافق «رغم إفساح المجال لذلك». كلام برّي دحضته رواية «التغييريين» التي تؤكد أن أحداً لم يتواصل معهم، سواء الأحزاب الأساسية أو أمين عام المجلس عدنان ضاهر الذي وعدهم بالعودة إليهم بعد تسليمه أسماء مرشحيهم. وعليه، «تُرك الأمر لتسوية الساعات الأخيرة، ربما للضغط علينا ودفعنا إلى القبول بالفتات أو إحراجنا لإخراجنا» كما قال أحد النواب الـ13 لـ«الأخبار».
وفي الواقع، فإن ترشح نواب «التغيير» بالمفرق صعّب مهمتهم فيما كان يمكن أن تكون «غلتهم» أكبر في ما لو تجمعوا في كتلة واحدة وأرسلوا أسماء معينة إلى الأمانة العامة أسوة ببقية الكتل السياسية، أو حتى لو دخلوا في تفاهمات مسبقة مع بقية القوى. في انتخابات لجنة المال والموازنة، مثلاً، كان هناك 20 مرشحاً فيما المطلوب 17 عضواً. ولأن أحداً لم يسحب ترشيحه كما اقترح رئيس المجلس، كان الأمر سيذهب نحو الانتخاب، قبل أن يزيد النائب «التغييري» فراس حمدان الطين بلة، بإصراره على إضافة ترشيحه رغم أن ثلاثة من رفاقه «التغييريين» (ياسين ياسين وإبراهيم منيمنة ومارك ضو) كانوا بين المرشحين. الأمر نفسه تكرّر في انتخابات لجنة الإدارة والعدل عندما طلب حمدان مجدداً إضافة اسمه إلى اللائحة التي كانت تضم اسميّ زميليه حليمة قعقور وملحم خلف. لكن، بما أن نظام التصويت يعتمد الأكثرية، فشل حمدان في الفوز بعضوية أي من اللجنتين، في حين تمكن منيمنة من العبور إلى «المال والموازنة» بفعل تصويت النواب السنة المستقلين لينال 66 صوتاً، رافعاً الفارق بينه وبين ضو الذي نال 55 صوتاً ولم يتمكن من الفوز. علماً أن الرقمين يؤكدان نيل كل من منيمنة وضو أصواتاً من الأحزاب السياسية. أما لجنة الإدارة والعدل، فلم ينجح أي من «التغييريين» في دخولها في ظل التوافق المسبق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والاشتراكي وحزب الله وحركة أمل. فيما بدا واضحاً أن نواب حزب الله وبعض نواب أمل لم يصوّتوا لنواب القوات. كما أن عدد الأصوات التي نالها النائب أسامة سعد في لجنة الإدارة والعدل (97 صوتاً) يؤكد حصوله على أصوات الأحزاب السياسية إلى جانب «التغييريين». علماً أن مصادر كل من التيار والقوات أكدت على عدم رغبتهما في إقصاء أحد وأن بعض نوابهما صوّتوا لصالح تمثيل المعارضة.
غياب التوافق المسبق أدّى إلى عملية انتخاب طويلة وسط تململ من النواب وتساؤلات عن جدوى الأمر طالما أن أي نائب يمكن أن يحضر في أي لجنة، فيما حق التصويت غير ذي قيمة لأن الإقرار النهائي للقوانين يتم في الهيئة العامة. هكذا، استغرقت انتخابات أعضاء لجنة المال والموازنة ساعتين ونصف ساعة، وساعتين أخريين لانتخابات لجنة الإدارة والعدل التي نال فيها النائب علي حسن خليل 90 صوتاً والنائب غازي زعيتر 86 صوتاً، ما يعني أن حزب القوات منحهما أصواته، ما أثار بلبلة قواتية ومن مؤيدي المجتمع المدني على سلوك القوات.
في غضون ذلك، كان نائب رئيس المجلس الياس بو صعب يبذل مساعي لإرساء توافق على بعض اللجان لإقرارها بالتزكية توفيراً للوقت. وبالفعل فازت 5 لجان بالتزكية، وتمثلت فيها الأحزاب السياسية ونواب «التغيير»، وهي: الشؤون الخارجية (ميشال دويهي ورامي فنج)، الإعلام والاتصالات (بولا يعقوبيان وياسين ياسين)، الشباب والرياضة (وضاح الصادق)، حقوق الإنسان (ميشال دويهي)، المرأة والطفل (سينتيا زرازير).
فاز نواب «التغيير» بعضوية بعض اللجان بدعم من الأحزاب السياسية
بعدها رفع بري الجلسة إلى الساعة السادسة مساء وسط تململ بعض النواب من طول الوقت ومطالبة البعض الآخر بتعديل نظام الاقتراع ليصبح إلكترونياً فتنتهي العملية الانتخابية في غضون دقائق. وهو ما استدعى توضيح أمين السر النائب آلان عون أنه لا يمكن اعتماد الاقتراع الإلكتروني في التصويت السرّي كي لا تعرف هوية المقترع وخياره، وأن هذه الطريقة مفيدة فقط عند التصويت على القوانين.
وفي الجلسة المسائية، فاز المرشحون إلى عضوية لجنة الزراعة والسياحة بالتزكية، والنواب المرشحون إلى عضوية لجنة البيئة بالتزكية بعد انسحاب النائب أكرم شهيب وتمثل الاشتراكي بالنائب هادي أبو الحسن حصراً. وعلى غرار الانتخابات المحتدمة قبيل الظهر في المال والموازنة والإدارة والعدل على اعتبارهما لجنتين أساسيتين، ساد جو تنافسي مماثل في انتخابات لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه التي بلغ عدد المرشحين إليها 30 نائباً (عدد أعضائها 17)، وتمكن النائب منيمنة من دخولها فيما سقط سعد. وبعد الانتهاء من انتخاب لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط التي لم ينجح أي نائب «تغييري» أو من المعارضة من دخولها، رفع بري الجلسة إلى يوم الجمعة لاستكمال انتخاب بقية اللجان والبدء بانتخاب الرؤساء والمقررين.
تعليقات: