قال أبو حسين لابنه علي:
حين خلق الله الأرض، كان يستخدم غربالاً.
اما الجبال والصخور التي علقت في الغربال،
فرماها الله عندنا، في الجنوب.
ضرب جابر بيده على جيب بنطاله الخلفي. تذكر أنه لم يشتر الشنط المدرسية لأشقائه. كانت أخته قد زارته في بداية الأسبوع وقال لها إنه سيجلب الشنط كي تأخذها معها الى حولا. لكنه استدعي الى «المشوار» فنسي. الآن، وبينما هو ورفاقه الثلاثة يسمعون فجأة أصواتاً تتحدث العبرية، مادت الأرض تحته. عرف أن الموت بات لصيقاً أكثر من أي ليلة مضت. «آخ، لو اني جلبت الشنط».
المسؤول عنهم طلب منهم أن يجلسوا في أماكنهم وينتظروا. أحدهم همس أنه سيستغل الفرصة ليدخّن. جابر قال له: ولماذا يقتلك الإسرائيليون. أقتلك بنفسي قبل أن تشعل السيجارة.
في الليلة الخامسة، كان الشبان الأربعة قد أنهكوا تماماً. عمليتهم التي أعدت في صيدا انطلقت بستة أشخاص. كان الهدف شبه خيالي: استدراج طائرة وإسقاطها. ذهبوا صوب الشريط المحتل. اسلحتهم وعبواتهم تنتظرهم في نقطة وصولهم. هم مجرد مدنيين يصلون الى قرية محاذية للشريط وينتظرون نزول الليل كي ينزلوا معه الى الوديان. يمشون ليلاً، ويختبئون في الأودية والأحراش نهاراً. المجموعة تألفت من ستة عناصر. انقسمت الى اثنتين. إثنان غادرا من أجل القيام بالمهمة الاساسية للعملية. الأربعة كان عليهم إشعال الجبهات ما استطاعوا. هكذا كان. في الليل وصلوا الى اقرب نقطة ممكنة من موقع اسرائيلي في كفرا. امضو نهارهم هناك وانتظروا مجيء الليلة الثانية. مرّ الجيب العسكري الاسرائيلي فأمطروه بالرصاص وهربوا. اشتعلت الدنيا. قصف مدفعي للوديان وتمشيط مجنون. هذا كان خلفهم، في خط انسحابهم الذي افترضه عدوهم. هم تابعوا بعكس الافتراض. أمضوا نهاراً شبه آمن. في الليلة الثالثة كانوا يخططون لإطلاق صاروخي كاتيوشا على موقع ثانٍ. بينما يتحضرون، اطفأ الموقع اضواءه. اختفى عنهم. تركوه وتابعوا صوب موقع ثالث. صعدوا الى طريق وزرعوا عبوة، ومن مكانهم نصبوا الصاروخين. عند الفجر مرت الدورية اللحدية. انفجرت العبوة وبدأ الشبان بإطلاق النار. أطلقوا الصاروخين. أصابا التلة أمامهما ولم يصلا الى الموقع. اللحديون لا يواجهون. يهربون ثم تنهال السماء بلعناتها على المختبئين. مر النهار والطوافات تجوب السماء وتمطر الأحراش بالرصاص. علم الإسرائيليون أن المخربين ما زالوا في أرضهم. المقاتلان اللذان انفصلا عن المجموعة كانا يحاولان اصطياد طائرة بصاروخ «ستريلا». فعلاها. سقطت المروحية في منطقة زبقين ـ الحنية. لكن الشبان الاربعة يجهلون ذلك. يمضون نهاراً مخيفاً. ويعرفون أنه في حفلة الجنون هذه، لن تباغتهم مجموعات عسكرية عدوة.
في الليلة الرابعة يمشون صوب جبل باسيل. يطلقون النار مع الفجر على موقع هناك ويلجأون الى حرش صنوبري. وكما في المرات السابقة. ينتظرون الليل من جديد. صرنا في الليلة الخامسة. باتوا منهكين. جابر لم يعد يفكر إلا بالماء الذي شربوا آخره قبل 24 ساعة. قرروا الانسحاب. بينما هم يمشون، سمعوا صوت الإسرائيليين. جلسوا أرضاً. فكر جابر بالموت وشنط أشقائه. المسؤول عنهم قرر بسرعة. علينا أن نتابع. تابعوا. خفت الصوت العبري شيئاً فشيئاً. نزلوا أرضاً سحيقة لمسافة 15 متراً. حين وصلوا إلى أسفلها، انتصب مسؤولهم فجأة وقال: الحمد لله على السلامة.
[[[
هذه الحكاية عمرها 22 سنة. يستعيد جابر الآن تفاصيلها ببطء. يحاول تذكر أسماء الأماكن. ينسى إسماً لموقع. ينسى إسماً حركياً لرفيق او يفضل ألا يذكر اسمه الحقيقي لحذر ما يبدو أنه كان عادة باتت متأصلة. ايلول سنة .1985 اسرائيل انسحبت في الربيع من معظم الجنوب والبقاع الغربي وحافظت على الشريط الحدودي وجزين. جابر ورفاقه عادوا من المشوار الذي أرسلتهم «جمّول» إليه. جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. في ندائها سنة 1982 قالت للبنانيين بلسان جورج حاوي ومحسن ابراهيم: الى السلاح!. هكذا كان. عملية بيروت الأولى قام بها خالد علوان الذي لم يكن حزبه في عداد الجبهة. تتالت العمليات في المدينة المحتلة. امضى الاسرائيليون اياماً مرهقة قبل أن يصرخوا بمكبرات الصوت: يا أهالي بيروت لا تطلقوا الرصاص. نحن منسحبون». بعدها بدأ اللبنانيون حربهم. القومي وأمل والشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي. المنشقون عن أمل أقاموا معسكرات لهم في البقاع. تدربوا. انخرطوا في المقاومة وسموها جهاداً. لاحقاً سيصيرون حزب الله. الحكاية طالت كثيراً. تساقط شهداء واستشهاديون. وتبنت أطراف عمليات قامت بها أطراف أخرى. فوضى لربما كانت خلاّقة حينها، على الرغم من عدم وجود هذا المصطلح حينها. ظلت هذه القوى تقوم بالعمليات مع أنها غرقت في صراعات داخلية دامية، ومع أن المقاومة تداخلت بالحسابات السياسية، فصارت العمليات تهدى، كمفاتيح المدن، الى الرئيس القائد. جابر، الذي تركناه سالماً أعلاه، وناصر الذي سنتلقي به في مكان لاحق من هذا النص، كانا مسيسين حين انتسبا الى جمول وقاتلا فيها. هذا لا يعني أنهما مختلفان عن منتمين الى احزاب أخرى قاتلت. في الكمين ضد الدورية الاسرائيلية، يتشابه هؤلاء: شبان لبنانيون يقاومون محتلاً. حقيقة بديهية لا تفهم في السياسة ولا تستدعي سؤالاً. جابر نموذج مثالي. مقاتل عادي وطالب جامعة، موظف لاحقاً اختفى وجهه بين وجوه الملايين الأربعة. فقط حين يلتقي برفيق تعرف عليه في «مشوار» سيفرح به ويتبادلان أرقام الهاتف، وربما يسأله: لكن ما هو اسمك لأسجله؟
[[[
لم تكن لإسرائيل تلك العين الجبارة التي ترصد كل حجر. أولاد تلك الأرض كانوا يعرفون ذلك. هم ليسوا كما تراهم مخيلات جامحة، قادرون على تحقيق معجزات. هم شبان يمشون في أرض يحفظونها. ويعتمدون على تدريبهم العسكري، وعلى معلومات تأتيهم من الداخل المحتل، وأحياناً على امرأة يطرقون بابها ليقولوا لها: معنا جريح.
في رب ثلاثين، كان على ناصر ورفيقه أن يزرعا العبوات على طرف الطريق. معهما نحو 45 دقيقة قبل أن تمر دورية راجلة لجيش لحد. رفاقهما الثلاثة كانوا يرصدون الطريق وأعطوا الاشارة اليهما كي يتحركا. كانا يزرعان العبوة الثانية حين دوّى الرصاص. الدورية التي بدلت موعد تحركها المفترض رآها شبان الرصد ولم يكن هناك مفر من الاشتباك معها للتغطية من اجل انسحاب ناصر ورفيقه. استمر تبادل اطلاق النار نحو عشرين دقيقة. سقط بعض اللحديين ارضاً. وأصاب رشق ناري أحد عناصر الرصد في كتفه وخاصرته، بينما أصيب الثاني في ساقه. ناصر ورفيقه المنسحبان صوب مركبا عادا. كان عليهما أخذ الجريحين، حتى لو اضطر الأمر الى سقوطهما قتلى. بعد انسحاب اللحديين انهمرت القذائف. كان المقاتلون الخمسة قد وصلوا الى اطراف مركبا، في ضوء النهار، مكشوفين للطوافات. طرقوا أول بيت لاقوه. فتحت المرأة الباب وأشارت في هلعها الى بيت آخر مهجور كي يذهبوا اليه. المهم ان يبتعدوا عن باب بيتها. هربوا الى حيث اشارت. لاقتهم بعد دقائق تحمل معها قطناً. قالت إنها ستهتم بإسعاف الجريح وإخراجه من القرية.
ناصر ورفاقه أكملوا صوب وادي السلوقي. هذه أرض الانطلاق الى المعارك وأرض الخروج من المنطقة. هناك فوجئوا بمجموعة شبان. رفعت المجموعتان البنادق استعداداً. بعد خبرة في العمل العسكري، لن يحتاج الطرفان الى وقت كثير ليعلمان انهما ينتميان الى جبهة واحدة، وإن كانت المجموعة الثانية تنتمي الى منظمة العمل الشيوعي.
إخراج الجريح من القرية مهمة سيتكفل بها راعٍ في يوم آخر، على الرغم من حذرهم من رعيان ذلك الزمان. يمشي الشاب معه خلف الماعز ويتركه في السلوقي. هذا الجريح نجا بسبب امرأة ورجل لن يراهما بعدها قط. وسيأخذه من النقطة المحررة التي وصل اليها وحيداً عناصر من حركة أمل الى المستشفى حيث سيخضع للعلاج. هذا في زمن كان وصول الخلاف السياسي بين أمل والشيوعيين الى أعلى مراحله.
[[[
«أيها الرفيق العزيز. «صبحان» الحي الباقي. تحية نضالية وبعد...».
إنها الرسالة الثانية التي نرسلها. الاولى لم تستلمها ولم نعرف ما هي الأسباب مع انها بقيت اربعة ايام، وها هي الرسالة الثانية ونتمنى ان تستلمها وعندما تقرأها تضع في المكان الموجود رسالة من طرفك، أي تصلك الرسالة في اليوم الاول تستلمها وتزيل الاشارة عن العمود وتضع انت رسالة وتعود وتضع الإشارة مكانها حتى يستلمها الذي سيأتي بها الى هنا. الرسالة تضعها في اليوم الثاني لاستلامك الرسالة لأن الفرصة أربعة ايام فقط وتعطي تقريراً مفصلاً عن وضعك وهل حصلت على الأغراض المطلوبة ام لا، وارسل الخرائط بذلك وموجود فيها صواعق داخل علبة تنك تفتحها وتركب الصواعق بهدوء، وإذا لم تجد شيئاً اخبرنا ايضا لنبعث لك أي شيء لننفذ المطلوب بأقصى سرعة. ومبعوث مع الرسالة المعاش واذا نقص شيء حتى تحضر نتحاسب. ودمت لحزبك. ضع بحصة حين تضع رسالة من فوقها.
«ج. م. و. ل. وجدت لتنتصر وستنتصر. 13/10/1988».
لسبب ما، لم تصل الرسالة الأولى الى «الرفيق العزيز» في القرية المحتلة. لكن هذه الرسالة الثانية وصلت، واستعادها ناصر من الرفيق في وقت لاحق، واحتفظ بها. ونقلت هنا بأخطائها اللغوية و«صبحان» المشفرة بدلاً من «سبحان».
مثل هذه الرسائل كانت طريق المعلومات الوحيد بين الداخل المحتل والخارج المحرر. الرفيق العزيز قد يكون ولداً في الخامسة عشرة، طالب مدرسة لا أحد يشك فيه، او مراهق ممن يمازح اللحديين حتى يصير شبه صديق وتلتصق به شبهة العمالة. الرسائل المكتوبة على قطع اوراق مستطيلة كانت ترسل في مستوعبات الحليب او الحلاوة تحملها العائدة الى قريتها مع سائق سيارة أجرة ممن يمرون على الحواجز اللحدية من دون تفتيش دقيق. المعلومات من الداخل كانت مصدراً مهماً لعمل المقاتلين.
عملية بعد عملية، تصير المشاوير الى القرى أكثر سهولة، بل تقترب أحياناً حد الجنون. هكذا، تصل الجرأة بناصر أن ذهب الى حولا واختبأ في قبو بيت مهجور لأيام قليلة يدرب خلالها شباناً من القرية على العبوات. جرأة كادت تخذله في مرة ثانية حين وصل الى منزل صديق في عديسة ومعه سبعة آخرون. ناموا فيه وخرجوا نهاراً في سيارتين سارتا في شوارع عديسة ووصلتا الى بيت العميل روبين عبود. نزل الشبان الثمانية من السيارتين يرتدون بزات عسكرية لحدية غنمتها جمول سابقاً. سألوا حارساً عند باب بيت عبود عنه وقالوا إنهم آتون من عيثرون لرؤيته. أجابهم بأنه ذهب الى القليعة. وسأل العميل أحد المقاومين عن حذائه العسكري الجديد شاكياً من عتق الذي ينتعله هو. قرروا انتظار روبين امام بيته. جمول كانت تبحث عن عمليات نوعية. تريد خطف العميل أو على الأقل تصفيته. قال لهم الحارس إن روبين قد يكون في اجتماع. كانت البزة التي يرتديها ناصر قد تبللت كلها بعرقه البارد. عاد الثمانية أدراجهم الى البيت. انتظروا نحو نصف ساعة. وذهبوا مجدداً الى بيت العميل. لم يكن قد أتى بعد. انسحبوا من النقطة كما دخلوا اليها. لم يشعر بهم احد. لكن عمليتهم فشلت.
العملية الثانية لم تفشل تماماً. كانت المعلومة الآتية من حولا حددت موعد مجيء المسؤول الأمني كمال شريم الى مركز في القرية وبقائه فيه يومياً لساعتين. باتت المجموعة ليلها في بيت صديق آخر في حولا. وعند الموعد المفترض لوجوده في المركز ذهبت اليه، لكنها فوجئت به يغادر ومعه مرافقوه. أطلقت النار على السيارة التي هربت. نجا المسؤول وإن أصيب إثنان معه في السيارة. أكملت المجموعة معركتها ضد المركز. استمر الاشتباك لربع ساعة تقريباً، كان المقاومون خلالها قد دمروا آلية وضربوا اربع قذائف آر بي جي على المركز ثم اقتحموه وألقوا القبض على ثلاثة عملاء. في الدقائق الأخيرة قبل انسحابهم، جرى نقاش سريع حول الإجهاز على العناصر الثلاثة أو تركهم أحياء. ناصر يقول الآن ان ليس كل عميل كان ينبغي قتله. هؤلاء خمسينيون مساكين راحوا يتوسلون بحق اولادهم أن نبقي على حياتهم، وكل ما استطاعه المقاتلون المنتشون بالسيطرة على الموقع هو تهديدهم بأنهم سيأتون اليهم في الغد ما لم يتركوا الجيش العميل.
دقائق سريعة انسحبوا بعدها وفق الخطة المرسومة سلفاً. يومها كان يفترض بالمهاجمين، إذا اسروا شريم، ان يخبروا باللاسلكي رفاقاً آخرين يكمنون في الوديان من اجل الاهتمام بسحبه خارج الأرض المحتلة. كان يفترض ان يقولوا لهم: جبنا المعزايات. لكن تلك المعزاة نجت. ومع ذلك، يقول ناصر إنهم، وبينما بدأوا يسمعون صوت الطائرات يقترب، غنوا بأعلى اصواتهم، وربما سمع الناس في بيوت القرية ترداد الأغنية. كانوا يغنون: سيري على ما يقدر الله... والكاتبو ربك بيصير...
ناصر، سنة ,1985 كان الوحيد بين اخوته الشيوعيين الذي سمح له بمرافقة نعش أبيه الى حولا. في ذاك اليوم اقترب واحد منه ووضع رزمة أوراق ملونة في جيبه. خبأ ناصر المناشير في نعش والده. كان شعوره بالفخر لا يوصف وهو يسحب المناشير من النعش ويسلمها لمن اتى يسأل عنها. ناصر يسمي ما فعله يومها «عمليتي الأولى».
[[[
عاد جابر فأرسل الشنط الى اشقائه. هذه ليست هديته الأولى التي ترسل من الأرض المحررة الى المحتلة. ثمة هدية اخرى غالية، أخذها بنفسه. سنة ,1979 كان في الخامسة عشرة. خرج من حولا المحتلة الى الوادي وصعد منه الى شقرا. نام في إحدى زوايا القرية حتى طلع الضوء. استقل سيارة اجرة إلى صيدا. دخل مركزاً للحزب الشيوعي. نظر الرفاق في الولد الذي يقول لهم إنه أتى لكي يتدرب على السلاح. كان حتى ذاك الوقت يمارس المقاومة المدنية، أي إقناع الناس بعدم التعامل مع المحتل وعملائه، وبعدم شراء البضاعة الاسرائيلية. نظروا فيه وهالهم ما تكبده من مخاطر. عدْ الى مدرستك، قالوا له. مدرستي من شأني، اجاب. أخذوه الى إقليم الخروب حيث خضع لدورة تدريب عسكرية. وكما خرج من القرية عاد اليها، حاملاً رشاشاً بلاستيكياً هدية لشقيقه الصغير. جابر استمر في السنوات اللاحقة يرمي المناشير بينما يذهب الى مدرسته حاملاً كتبه. يرش عبارات مثل «ستموت ايها العميل القذر» على الحيطان... ثم يغادر حولا لآخر مرة سنة 1985 ليلتحق بجمّول.
في ذاكرته تلتصق ثلاث حكايات: في عيثرون، وقف رفيقه الكامن بقربه ليلاً محدقاً بالرجل الذي يمشي على بعد أمتار منه. كان والده عائداً الى بيته: «بيي...»، قال الشاب. لسنوات لم ير وجه ابيه. بضعة امتار ويعانقه. لم يفعل. شدوه الى اسفل. جلس أرضاً. وضع وجهه في يديه وانفجر بالبكاء. في حكاية ثانية، في زمن ومكان آخر، وصل جابر ورفاقه الى غرفة قريبة من وادٍ ذهبوا اليه في مهمة. في الغرفة أغراض الفلاحين وأوراق دخان معلقة كي تيبس، وغالون مياه. شربوا من المياه. في مشوار ثان وجدوا غالونين، وأغطية صوفية. في المرة الثالثة وصلوا فجراً فسمعوا أصواتاً في الداخل. رفعوا بنادقهم وصرخوا: رفاع إيديك...
أجابهم الصوت العجوز: ولك برفع إيدي... وبرفع راسي فيكن يا حبيبات قلبي... انتو رفعتوا راسي.
كان الفلاح السبعيني، حين عرف أن زواراً أتوا في الليل وشربوا، واظب على إبقاء الغالون ملآناً وزاد واحداً ثانياً ووضع الأغطية. من يدري. قد يبردون ليلاً في تلك الوديان الجميلة.
[[[
في الحكاية الثالثة، يوم 25 ايّار سنة ,2000 ذهب جابر، رجلاً في السادسة والثلاثين الى قريته. وصل نهارا وبواسطة سيارة. لم يمض الليل في الأودية كما العادة. كان مخدراً بعودة لم يحلم بها يوماً. وقف مذهولاً يتفرج على أبقار ترعى امام منزل جارهم. حدق طويلاً. لم يكن يفكر بشيء.
تعليقات: