سيبلغ هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين بضرورة القبول بالعرض النهائي (مصطفى جمال الدين)
يطغى مصطلح "النسبية" في هذه المرحلة على كل الملفات اللبنانية. لكأنها المخرج السحري من الأزمات كلها. منذ إقرار القانون الانتخابي النسبي، ينسب المسؤولون اللبنانيون لأنفسهم تحقيقهم هكذا "إنجاز"! وهو ما انسحب أيضًا على ما بعد الانتخابات النيابية وتكريس نواب التغيير مبدأ التنافس والانتخاب بدلًا من التوافق. وبالتالي تجدد التداول كثيرًا بكلمة النسبية.
نسبية بدل التوافق؟
فلدى انتخاب رئيس مجلس النواب، كانت السيناريوهات تشير إلى إمكان فوزه بالاكثرية النسبية في الدورة الثالثة، إلا أنه تمكن من الفوز بالدورة الأولى. والمصطلح نفسه تكرس في انتخاب نائب رئيس مجلس النواب، وأعضاء هيئة مكتب المجلس وفي اللجان. حاليًا، تتحكم الكلمة نفسها بملفين أساسيين: تكليف شخصية رئاسة الحكومة. وحفظ لبنان أكثرية نسبية من مياهه الإقليمية أو حقوله النفطية.
تلك النسبية تكرس افتراقًا في وجهات النظر بين القوى والأفرقاء. فبانتظار تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون موعد الاستشارات النيابية لتسمية شخصية لرئاسة الحكومة، يستمر الاختلاف على اسم نجيب ميقاتي. فنواب التيار الوطني الحرّ، القوات اللبنانية، المستقلون والتغييريون يرفضون تسميته، فيما قد ينجح الرجل بأصوات الكتل الأخرى. وهنا تكون النظرة نسبية لمدى ميثاقية ميقاتي أو عدمها.
وينتقل لبنان من الأكثرية بالنصف زائد واحد إلى أكثرية نسبية في تكليف شخص لرئاسة الحكومة. وحتمًا تكون هناك صعوبة في تأمين أكثرية الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية. هذه الوقائع كلها تشير إلى أن مسار التفاهمات سيكون صعبًا في المرحلة المقبلة. وقد يقود إلى فراغ يفتح النقاش في الصيغة.
الفراغ والعنف
ولكن الفراغ في بلد مثل لبنان ينجم عنه كثير من العنف، لدفع بعض الطوائف إلى التنازل لصالح طوائف أخرى. ولذلك هناك من يعتقد أن مرحلة الشلل والفراغ ستطول، طالما أن الأوضاع تراوح مكانها، ولا أحداث من شأنها تحريك المسار السياسي.
وهذا ما يمكن تلمّسه بسهولة من أجواء ديبلوماسية معنية ومهتمة إلى حدود بعيدة بالملفات اللبنانية. وكانت جولات الديبلوماسيين في الأيام الماضية واضحة في نتائجها حول إمكان تكليف ميقاتي من دون القدرة على حسم التمكّن من التأليف، ومن دون فصل هذه المسارات عن توقعات حصول فراغ رئاسي.
نسبية قانا مقابل كاريش
يلجأ اللبنانيون إلى استخدام النسبية في ملف ترسيم الحدود والحفاظ على ثروة لبنان النفطية. فما بين الخطين 29 الذي يوفر مساحة 2290 كلم مربع، والخط 23 وتوفيره مساحة 860 كلم مربع، يتركز النقاش اللبناني في هذه المرحلة على المطالبة بمساحة 860 كلم زائد مساحة تحت مائية. أي الحصول على حقل قانا كاملًا. وبذلك يكون لبنان نسبيًا قد فرض معادلة قانا مقابل كاريش. وبالتالي حمى حقلًا غازيًا مفترضًا مقابل التنازل عن الخطّ 29 الذي وضع طرحه في سياق التفاوض لتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله.
لكن نسبية التعاطي مع هذا الملف مختلفة لدى القوى والمسؤولين. فبعضهم يعتبر أن لا بد من طرح الخط 29 لتحصيل الخطّ 23 زائد. فيما البعض الآخر يعتبر أن مجرد طرح 29 يعني أن لا مجال للتنازل عنه. وهناك نظرة ثالثة ترفض النقاش بالخطوط وحتى بالحقول، وتركز على ضرورة العودة إلى اتفاق الإطار، أي تفعيل مفاوضات الناقورة غير المباشرة، على أن يكون الترسيم مرتبطًا بهذه المفاوضات وليس بالرهان على ما يحمله المبعوث الأميركي من طروحات مختلفة.
زيارة هوكشتاين بلا نسبية
لا مؤشرات حول استعداد هوكشتاين للقيام بزيارات مكوكية. وهناك معطيات تفيد بأنه سيبلغ المسؤولين اللبنانيين بضرورة القبول بالعرض النهائي، أو تقديم ما يطالبون به لمرّة واحدة. خصوصًا أن لديه ملفات كثيرة ذات أولوية تتقدم على الأولوية اللبنانية في هذه المرحلة.
ويلمّح هوكشتاين إلى أن زيارته هذه ستكون الأخيرة. فإما الوصول إلى اتفاق، وإما بقاء الوضع على ما هو عليه، مقابل استمرار إسرائيل بالاستخراج. وهذا أمر رفضه اللبنانيون الذين طالبوه بضرورة إقناع تل أبيب بالتوقف عن عمليات الاستخراج إلى حين الوصول إلى حلّ.
تعليقات: