النتائج الاقتصادية لزيارة هوكشتاين: غاز كاريش يضيء لبنان؟

حلّ أزمة الكهرباء جزئياً هو تفصيل بسيط مقابل التخلّي عن الخط 29 (دالاتي ونهرا)
حلّ أزمة الكهرباء جزئياً هو تفصيل بسيط مقابل التخلّي عن الخط 29 (دالاتي ونهرا)


كان واضحاً منذ أكثر من عام، ارتباط ملف استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، بما هو أبعد من الاجراءات القانونية، بما فيها الاتفاقات بين الدول المعنية والإعفاء من تداعيات قانون قيصر. حتى التُمِسَت العقدة الفعلية، وهي مقايضة ترسيم الحدود بالاستجرار. وما إن لاحت في الأفق بوادر الاتفاق بين الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين والمنظومة الحاكمة، حول التخلّي عن الحدود البحرية الحقيقية، أي عن الخط 29، وقبول التفاوض حول الخط 23، حتى ارتفعت أسهم الحديث عن الاستجرار. ولذلك، حظيت وزارة الطاقة بحصّة من جولة هوكشتاين، أرادها الوسيط الأميركي رسالة إلى المنظومة وجمهورها، مفادها أن حلحلة ملف ترسيم الحدود يقابله تحسين التغذية الكهربائية، وضمناً، تسهيل تأمين التمويل عبر قرض البنك الدولي، وإصدار إعفاء خاص من تداعيات قانون قيصر.

وما إن "اطمأنَّ" هوكشتاين عبر رئيسيّ الجمهورية ميشال عون والنواب نبيه برّي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، حتّى سارَعَ وزير الطاقة وليد فيّاض إلى تجميع المبادرات المطروحة لزيادة ساعات التغذية، وهي تمويل الاستجرار، وتجديد الاتفاق مع العراق، وتأمين سلف خزينة لشراء الفيول. ونجاح هذه الحزمة تعني وفق ما يتصوّره فيّاض، رفع ساعات التغذية إلى نحو 16 ساعة.


نجاح مصطنع

يستند فيّاض إلى وعود نظرية، ومع ذلك يريد إقناع اللبنانيين بأن استجرار الكهرباء والغاز بات قريباً، ويحتاج فقط إلى عقد الاتفاقية مع مصر وسوريا بعد أن أصبحت الاتفاقية مع الأردن جاهزة. علماً أن أيّ تأكيد رسمي حيال تسهيل الحصول على قرض لتمويل الاستجرار، لم يحصل بعد. ما يعني أن توقيع الاتفاقية مع مصر، غير ممكن ما لم يوافق البنك الدولي على التمويل، وما لم تحصل مصر على قرار أميركي رسمي باستثنائها من عقوبات قانون قيصر. وهنا، من السخرية مسارعة فيّاض لتظهير الأمر وكأنه حاصل حكماً في اليومين المقبلين، في حين يحتاج حسم قرار بهذا الحجم إلى أشهر.

بالتوازي، فإن نجاح استيراد الغاز والكهرباء، غير مبهر، فالمسألة تتعلّق بقرض قيمته 270 مليون دولار، وليس هبة مجانية. كما أن التغذية الإضافية لن تزيد عن أربع ساعات. أما استسهال دمجها مع ثلاث إلى أربع ساعات من الفيول العراقي و10 ساعات من سلف الخزينة بملايين الدولارات، فهو ضرب من الوهم المطلق. إلاّ إذا حصل فيّاض على اتفاق رسمي مع الولايات المتحدة الأميركية ينص على تمويلها المجاني لهذه العملية بكافة جوانبها.

أما التلويح بعرض التدخّل لإقناع العراق بتمديد عقد توريد الفيول إلى لبنان بعد انتهاء مدّة العقد الحالي في أيلول المقبل، فيشي باحتمال عدم رغبة العراق بتمديد العقد، خصوصاً وأن ما حُكيَ عن خدمات يأخذها العراق بدل الثمن المادي المباشر لشحنات الفيول، لم يتّضح بعد، وغير مجدٍ في ظل انهيار كل القطاعات الانتاجية والخدماتية اللبنانية، بما فيها القطاع الصحي الذي كان يغري العراقيين سابقاً.


أبعد من الكهرباء

يغرق أركان السلطة بأوهام آنية، فيما تنطلق إسرائيل نحو ترتيب استفادتها الاقتصادية من توسيع قدرتها على التنقيب عن الغاز وتصديره. ويندرج توقيعها لمذكّرة تفاهم حول تصدير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، ضمن هذا السياق. وقد أعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار "توقيع مذكرة تفاهم، يوم الأربعاء 15 حزيران، في القاهرة، تسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي للاتحاد الأوروبي عبر مصر".

التركيز على المكاسب الكهربائية من ترسيم الحدود والتنازل عن مساحات لبنانية خالصة، يثير التساؤل حول استفادة باقي القطاعات من التنازل. فماذا عن أموال المودعين وجذب المستثمرين والتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول مسألة التعافي والخروج من الأزمة. وماذا عن حاملي سندات اليوروبوند والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكات الأخرى غير المتنازع عليها، والبلوكات الشمالية المتنازع عليها مع سوريا (نزاع مع وقف التنفيذ حالياً)؟

كلّها ملفّات غير مطروحة، ما يثبت أن ثمن التنازل عن الحدود البحرية، وعمّا تحمله من موارد تساعد لبنان على الخروج من أزمته، ليس سوى بضع ساعات كهربائية غير مضمونة حتى الآن. فيما إسرائيل ستجني مئات المليارات، ومصر تحسّن موقعها في منطقة المتوسّط، ولا تستعجل تصدير الغاز إلى لبنان. ومع ذلك، فإن الفريق العوني يتمسّك بالوعود علّه ينجح في تحقيق "إنجاز" كهربائي وإن على حساب كامل الاقتصاد اللبناني.

إنطلق لبنان في التفاوض مع إسرائيل بوساطة أميركية، من موقع ضعف سياسي واقتصادي، وهذا ما يقوّي الورقة الاسرائيلية والأميركية. وبما أن مسألة الكهرباء طُرِحَت بدايةً، كردّ فعل على استيراد حزب الله للمازوت، فإن المضيّ فيها أسهل وأوفَر من تقديم تنازلات اقتصادية أكبر. ولبنانياً، يحقّق الاسرائيلي والأميركي، مكسباً مجانياً، يتمثّل بموافقة الأطراف اللبنانية على "مكرمة" الكهرباء، طالما أنها تضمن لهم خروجاً سياسياً آمناً، ولبعضهم إعفاءات من العقوبات الأميركية. وهي مكاسب تضاف إلى حمايتهم من غضب الشارع وإعادة تعويمهم وانتخابهم، من دون تقديم آليات فعلية لاخراج البلاد من انهيارها. وعليه، فإن حصول إسرائيل "قانونياً" على غاز كاريش قد يساهم جزئياً في تقليص حجم العتمة، لكنه لن ينتشل لبنان من أزمته.

تعليقات: