الأونروا بخطر التصفية: ماذا سيفعل لبنان والفلسطينيون؟

تقوم الأونروا بإغاثة وتشغيل ورعاية حوالى 6 ملايين لاجئ فلسطيني (علي علّوش)
تقوم الأونروا بإغاثة وتشغيل ورعاية حوالى 6 ملايين لاجئ فلسطيني (علي علّوش)


انطلقت صباح يوم الثلاثاء 14 حزيران اجتماعات اللجنة الاستشارية للأونروا AdCom، برئاسة لبنان ومشاركة 28 دولة وهيئة دولية، في فندق "موفمبيك" في بيروت، وتستمر ليومين، لمناقشة جدول أعمال يتضمن قضايا متعددة ذات صلة بأنشطة وبرامج واستراتيجيات عمل الوكالة والخدمات التي تقدمها للاجئين، والتحديات التي تواجهها، والأزمة المالية.

وحضر حفل الافتتاح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، رئيس اللجنة الاستشارية، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور باسل الحسن، ممثل وزير الخارجية والمغتربين مدير عام الخارجية السفير هاني شميطلي، وأعضاء وفود من 29 دولة، و4 مراقبين هم الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي وفلسطين.

من المرات النادرة التي يحظى فيها اجتماع اللجنة الاستشارية لوكالة الأونروا بهذا القدر من المتابعة والاهتمام، منذ تأسيسها عام 1949. فخلال انعقاد الاجتماع في بيروت شملت الاعتصامات والتحركات مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وغزة والضفة. صحيح أن جزءاً من هذا الاهتمام نابع من تقدير الدور الذي تقوم به الأونروا في إغاثة وتشغيل ورعاية حوالى 6 ملايين لاجئ موجودين في سجلاتها، لكن مصدر الاهتمام الأكبر هو نتيجة المخاوف المتصاعدة من تصفية هذه الوكالة الدولية، بعد تصريحات متعاقبة للمفوض العام للأونروا حول نقل بعض مهماتها إلى منظمات أخرى. وهذا ما يطرح بشكل أساسي العلاقة بين الدولة اللبنانية والأونروا، والحاجة كذلك إلى نظم العلاقة بين الدولة اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين لصياغة خطاب ومطالب موحدة في الحوار مع الأونروا والجهات الدولية.


فرط الأونروا

قبل شهرين أطلق المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، تصريحاً أحدث دوياً في الدول المضيفة، خصوصاً لبنان، حين أعلن في مقابلة استنفاد الأونروا لقدرتها على الاستمرار في تقديم خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين بالمستوى نفسه والجودة المعتادة، وأنه "إذا كان هناك من شخص آخر سيتولى دورنا فعلى المرء أن يسأل عمن سيفعل ذلك". وأسقط التصريحَ من شبهة العفوية، تصريحٌ آخر بعد أسبوعين حين تحدث عن توجه لتحويل بعض خدمات الأونروا لجهات أخرى.

وتحدّث أكثر من مصدر لـ"المدن" عن أن المدير العام لوكالة الأونروا في لبنان كلاوديو كوردوني يتحدث بتفصيل في مجالسه المغلقة، سواء مع فصائل فلسطينية أو منظمات محلية، عن هذا التوجه، ويشير إلى مؤسسات دولية بعينها يمكن أن تتحمل بعض مسؤوليات الوكالة، كاليونيسيف ومنظمة الصحة ومنظمة الأغذية. وهذا ما يفرض على لبنان التحرك لمواجهة هذا التوجه، لما يمكن أن يحمله من مخاطر، سواء في السياسة أو في تحمّل تبعات الإغاثة في المستقبل البعيد.

منذ بداية ممارسة الأونروا لعملها عام 1951 تجنب لبنان توقيع اتفاقية شاملة مع مؤسسة ترعى شؤون اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، إغاثياً وصحياً وتعليمياً، وجزئياً في التشغيل، وتلعب دوراً مهماً في تحريك العجلة الاقتصادية، بخلاف الدول المضيفة الأخرى التي كانت توقع اتفاقيات شاملة مع الأونروا لرعاية اللاجئين الفلسطينيين، بل وتفرض الكثير من توجهاتها، حتى في أدق التفاصيل. واكتفى لبنان بتنظيم العلاقة مع الأونروا من خلال رسائل متبادلة بين الطرفين جرت عام 1954.

حتى في مراحل تراجع خدمات الأونروا، ورغم انعكاس هذا التراجع على الواقع الفلسطيني بأبعاده المختلفة، وتأثيراته على حياة اللبنانيين أحياناً، إلا أن لبنان الرسمي بقي صامتاً أو شبه صامت. فمثلاً بعد اتفاق أوسلو شهدت خدمات الأونروا في لبنان تدهوراً مخيفاً، كان من الأسباب غير المرئية لاضطرابات في المخيمات. ففي سنة 1993 تلقى لبنان 11.8 بالمائة من نفقات الأونروا، في مقابل 31.8 بالمائة لغزة، و22.4 للضفة الغربية، و21.8 للأردن، و12.8 بالمائة لسوريا، في الوقت الذي كانت تُنقل رئاسة الأونروا من فيينا إلى غزة فيما عُرف بـ"برنامج تطبيق السلام". رغم ذلك لم تصدر اعتراضات مهمة من السلطات الرسمية في لبنان، وكان حديث السياسيين في لبنان تكراراً للمصطلح المبهم "رفض التوطين"، من دون أية خطة لمواجهة هذا المسار.


الحوار اللبناني-الفلسطيني

وإذا استثنينا بعض خطوات "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني"، فلا يبدو أن الخطاب الرسمي اللبناني اليوم قد خرج من هاجس "رفض التوطين" نحو رؤية شاملة لدور الأونروا وعملها في لبنان. خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون في الأمم المتحدة عام 2018 مثال قريب. فحين حذّر من محاولة مس أو تعديل ولاية الأونروا، اعتبر أن تقليص خدماتها سيزيد الضغط على اللاجئين، معبّراً عن خشيته من أن يؤدي ذلك إلى فرض التوطين.

قد تبدو لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في السنوات الأخيرة أكثر انخراطاً في قضايا الأونروا، من خلال الأدوار التي تلعبها كوسيط لحل القضايا بين اللاجئين الفلسطينيين والأونروا (كمثال الدور الذي لعبته في شهر كانون الأول الماضي حين اعتصم اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا إلى لبنان أمام مقر رئاسة الأونروا)، أو من خلال التهيئة لعدة حوارات بين الأونروا والفصائل الفلسطينية. وعلمت "المدن" أن استراتيجية وضعتها اللجنة لثلاث سنوات مقبلة، شاركت فيها، إضافة إلى لجنة الحوار، الأونروا وفصائل فلسطينية، وقوى لبنانية، تناولت الحقوق الفلسطينية والسلاح الفلسطيني، وسيُحال إلى وضع آليات تنفيذية لتطبيق ذلك. رغم الأهمية الكبيرة لهكذا خطوة، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن اتفاق شامل، أو رؤية واضحة للعلاقة مع الأونروا.

ولحوار شامل مع وكالة "الأونروا" لا بد أن يكون هناك اتفاق بين الجانبين اللبناني والفلسطيني حول الخطوط العريضة، وهذا ليس بالأمر السهل. الحوار الذي يُتفق فيه لمرة واحدة وأخيرة حول ما هي حقوق الفلسطينيين وواجباتهم، حقوقهم الإنسانية، وحق لبنان بالسيادة. لكن أي اتفاق ممكن في ظل الانقسام في الجانبين؟ إن انقساماً فلسطينياً في لبنان كالذي حصل نتيجة ما جرى في مخيم البرج الشمالي كاد أن يطيح بالمخيمات، والمصالحة احتاجت إلى تدخلات لبنانية. وإن الانقسام اللبناني حول النظرة للوجود الفلسطيني أيضاً خلل إضافي في الحوار المفترض، والاتفاق المأمول.


وسواس "التوطين"

إن العقد الاجتماعي المختل في لبنان، والمختل بين الفلسطينيين، يجعل الشكوك ذات مصداقية بأن يحصل اتفاق بين الفلسطينيين واللبنانيين يمهّد لحوار جدي مع الأونروا، وإن كان غير مستبعد تماماً. والمسألة الأخرى أن اتفاق اللبنانيين حول النظرة للوجود الفلسطيني لا يعني اتفاقاً قابلاً للتنفيذ. فالرؤية المشتركة للعلاقات اللبنانية الفلسطينية التي وضعتها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عام 2017 بحضور ممثلين عن القوى السبع الرئيسية في البرلمان اللبناني لم تغير شيئاً، ولم تجد طريقها للتنفيذ. بل إن ما عرّفته الرؤية للتوطين مثلاً بأنه "التجنيس" عادت بعض القوى المشاركة لتعيد تعريفه، لأن هاجس التوطين هو عيشها ومعاشها.

كما أن إصدار القوانين أحياناً لا يغير شيئاً، ففي عام 2010 كان قانون للبرلمان حول الضمان الاجتماعي للفلسطينيين، ولم تُتخذ الإجراءات لتنفيذ القانون. وهنا يدخل "التشاطر" و"الفهلوة" كحيلة تُغني عن المصارحة والتطبيق. قد يكون من المفيد في سياق الحديث عن الحوار الإشارة إلى أن دخول الرابطة المارونية على خط الحوار مع الفلسطينيين وإبراز هواجسها شكّل ارتياحاً نسبياً لدى قوى فلسطينية، رأت في ذلك خطوة متقدمة في الحوار اللبناني الفلسطيني كما صرّحت لـ"المدن".


حماية "الأونروا"

وفي ردود الفعل على انعقاد اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا التي تضم في عضويتها 25 دولة، إضافة إلى ثلاث جهات كعضو مراقب، صدر موقفان بارزان: الأول عن هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، التي أكدت "التمسك بوكالة الأونروا والتصدي لكل محاولات تصفيتها وإنهاء عملها قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وتحقيق عودتهم". كما دعت "المجتمع الدولي لاستمرار دعم وكالة الاونروا، وتجديد التفويض لها"، وأعلنت "رفض ما ورد في رسالة المفوض العام فيليب لازاريني والمتعلق بخيار توسيع الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة، لتقديم بعض الخدمات نيابةً عن الأونروا وتحت توجيهاتها".

أما الموقف الثاني فصدر عن الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين التي رفضت محاولات استهداف دور منظمة الأونروا من خلال توكيل بعض المنظمات الدولية بالمهام الممنوحة لها للنيابة عنه، وكذلك أي إجراءات أو محاولات تستهدف تفويض الأونروا الممنوح لها بموجب القرار 302 (1949)، من خلال قيام بعض المنظمات الدولية بمهام الأونروا نيابة عنها، أو التحول في وظيفتها. كذلك طالبت الأمين العام للأمم المتحدة بـ"رفع قيمة الموازنة المقدمة من الأمم المتحدة إلى الأونروا بما يغطي العجز المالي الذي تواجهه".

الإشكالية الكبيرة أن الدول المضيفة ليس لديها القدرة الكافية على المواجهة وحدها، وكل دولة لديها إشكالات عميقة في أمنها أو اقتصادها أو حتى اجتماعها الوطني، من فلسطين إلى سوريا ولبنان والأردن ومصر، حتى ليصحّ ربما وصف سعد زغلول القاسي "جمع أصفار". أما الدول العربية الداعمة للأونروا فقلصت دعمها من 200 مليون دولار إلى 20 مليوناً. إضافة إلى أن قطار التطبيع قد أخذها بعيداً حتى مقاطعة الاجتماع الوزاري الداعم للأونروا في بروكسل في شهر تشرين الثاني من العام الماضي.

الأونروا ليست بأفضل حال، وقد يكون اجتماع اللجنة الاستشارية في بيروت فرصة للإضاءة على المخاطر التي تتهددها، لكن يجب الاعتراف بمحدودية دور هذه اللجنة. وهذا لا يلغي إمكانية الدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان واللاجئون الفلسطينيون وغيرهم في منع انهيار الوكالة الدولية. فنقل صلاحيات الأونروا يُطرح منذ اتفاق أوسلو على الأقل، وإلغاؤها حديث دائم منذ تأسيسها، وقفت الظروف أحياناً في وجه التنفيذ، وأحياناً المصادفات، ومرات كثيرة التضامن في رفض المخطط. الخلاصة أن بقاء الأونروا واستمرار دورها ممكن.

تعليقات: