دعوى قضائية ضد 13 عسكريًا في قضية قارب الموت

لم تسفر التحقيقات لدى المحكمة العسكرية عن أي نتائج! (المدن)
لم تسفر التحقيقات لدى المحكمة العسكرية عن أي نتائج! (المدن)


بعد نحو شهرين على غرق قارب الهجرة غير النظامية قبالة جزر النخل في طرابلس، شمالي لبنان، شهدت القضية تطورًا قد يؤثر جوهريًا على مسار التحقيقات، إثر تقديم 11 محاميًا بشكوى قضائية ضد 13 عنصرًا بحريًا عسكريًا، كانوا على متن طرادين عسكريين مطاطيين وسفينة خفر سواحل كبيرة قاموا بعملية مطاردة المركب على مدار نحو ساعتين، قبل غرقه، في ليلة 23 نيسان 2022.

وحتى الآن، لم تسفر التحقيقات لدى المحكمة العسكرية عن أي نتائج أولية لإعلان رواية رسمية عن ظروف غرق القارب، الذي كان على متنه ما لا يقل عن 85 مهاجرًا، نجا منهم 48 شخصاً، وجرى انتشال 7 جثث، في حين ما زال بعداد المفقودين ما لا يقل عن 33 فرداً، معظمهم من النساء والأطفال. وترجح التقديرات وجودهم داخل المركب الذي يتموضع في البحر بعمق 450 مترًا.


ماذا عن الشكوى القضائية؟

عقد حزب "لنا" في طرابلس داخل مكتبه في طرابلس، مؤتمرًا صحافيًا، حضره أصحاب الشكوى القضائية من الناجين، وهم: اللبنانية بارعة صفوان وأولادها من زوجها السوري المتوفي، ولديها ابنتان مفقودتان في البحر هما سلام ورانية الجندي، فيما نجت مع ابنيها وهما مصطفى وابراهيم الجندي، وصهرها خطيب إحدى بناتها ناجي الفوال. أي أن هذه الشكوى باسم أربعة من عائلة واحدة. وعلمت "المدن" أن عددًا كبيرًا من الناجين وأهالي المفقودين يرغبون التحرك قضائيًا ضد العسكريين البحارة، لكنهم يخشون الصدام مع المؤسسة العسكرية، فيما يجري إقناع بعضهم للانضمام إلى الشكوى.

وبين 11 محاميًا، حضر المؤتمر المحامي محمد صبلوح والمحامية ديالا شحادة، وتحدثت الأخيرة لـ"المدن" عن مسار الشكوى التي أحيلت من النيابة العامة التمييزية إلى المحكمة العسكرية.

تقول شحادة إن المحامين قدموا طلبًا لدى وزير العدل هنري الخوري، وينص على ضرورة نقل التحقيقات من المحكمة العسكرية إلى المجلس العدلي، على قاعدة أن المحكمة العسكرية لا توفي أصحاب الحقوق حقوقهم، خصوصًا أن الشكوى مقدمة ضد 13 عنصرًا عسكريًا بحريًا.


قتل بقصد احتمالي؟

ورغم أن انضمام عدد آخر من أهالي المفقودين والناجين إلى الشكوى يعد ضرورة سياسية ومعنوية، وفق شحادة، "لكن البعد القانوني للقضية ثابت في كلتا الحالتين، لأن هناك جريمة حصلت وضرر غير محق وقع، وتتوفر كل ظروف القتل بالقصد الاحتمالي".

ويصب الأهالي غضبهم على ضابط خفر السواحل، وهو برتبة ملازم يدعى فواز الدهيبي، عرف عن نفسه أثناء مطاردة القارب، ويتهمونه بإعطاء الأوامر لدى توجيه 3 ضربات متتالية بمركبه ضد مركب اللاجئين، وفق شهاداتهم التي وثقها المحامون أيضًا بنص الشكوى. فـ"هناك أخطاء جسيمة لم تكن بالمستويات نفسها ارتكبها العناصر أثناء عملية المطاردة، التي تسببت بغرق القارب، عن قصد أو غير قصد، رغم استغاثة الركاب لأكثر من ساعتين"، تضيف شحادة.

وأعلن المحامون خلال المؤتمر عن عدد من الإجراءات والمطالب: أولًا، طلب استخراج المركب والكشف جنائيًا عنه. ثانيًا، الاستماع إلى شهادات الناجين، وهو ما لم يحصل بعد. ثالثًا، ضرورة اقتراح وزير العدل على الحكومة إحالة الملف إلى المجلس العدلي، كون ذلك يحتاج لمرسوم منها.

والهدف بحسب شحادة، "تكريس حقوق الناس في جريمة بهذا المستوى لمتابعة التحقيقات وإعطاء شهادات الناجين التي لم تطلب بعد في التحقيقات الجارية لدى العسكرية. إضافة إلى ضرورة محاسبة من أخطأ وتسبب بالجريمة، لأن محاسبة عسكري لا تعني الإساءة لمؤسسة الجيش، بل حمايتها والحفاظ على هيبتها".


تحرك الأمم المتحدة

من جانبه، طالب المحام محمد صبلوح إفساح المؤسسة العسكرية المجال لاجراء تحقيق شفاف بالجريمة، وأن يكون من يحقق ويحاكم ليس طرفًا بالقضية، كالمحكمة العسكرية.

وكشف صبلوح أن نقابة المحامين في طرابلس شكلت لجنة من المحامين لمتابعة القضية. ولهذه الغاية، جرى اتخاذ الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة، وتقدموا بشكوى لدى المقررين المعنيين بالهجرة غير النظامية والمسؤولين عن جرائم القتل خارج أطر القانون، وتضمنت مطلب الضغط على لبنان لحثه على إجراء تحقيق شفاف بغرق المركب. والمنتظر أن يصل لاحقًا كتاب للحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة يسألها عن آخر الاجراءات القضائية بالملف.

وهنا، تستغرب شحادة اعتبار ظروف غرق القارب ما زالت بإطار الملابسات، في حين تؤكد شهادات الناجين أن عناصر البحرية العسكريين وثقوا كل عملية المطاردة على مدار ساعتين بهواتفهم عبر تصوير الفيديوهات، وتاليًا، "أي كلام عن ملابسات، لا محل له بوجود فيديوهات موثقة في هواتف العسكريين".

وأوضحت المحامية أن المطالبة بتحقيق شفاف ومحايد لا يعني التشكيك بالمؤسسة العسكرية، ولا يعني اتهام العسكريين بالتخطيط لإغراق القارب عمدًا. لكن، "خلال المطاردة كان من الطبيعي أن يتوقع بعضهم وتحديدًا الضابط، نتيجة ضرب المركب، وبالتالي القصد الاحتمالي متوفر، وهو ما يدفعنا للإصرار على إحالة الملف للمجلس العدلي، ونحن بوكالتنا عن الناجين يجب أن نطلع على مجريات التحقيق، ولدينا كلام نقوله بالقانون. وهذا حق تحرمنا منه المحكمة العسكرية".


مأساة الأهالي

في هذا الوقت، عبرت الناجية بارعة صفوان، وهي تختنق بكاءً، عن أسفها لترك قضيتهم من دون متابعة جدية، لا سياسيًا ولا قضائيًا ولا عسكريًا، "فيما جثامين أولادنا وأطفالنا متروكة في قعر البحر بلا متابعة جدية".

وسبق أن استقبل قائد الجيش جوزيف عون وفدًا من أهالي ضحايا "قارب الموت"، وأعطاهم وعدًا بملاحقة القضية ومحاسبة كل من يثبت تورطه بغرق القارب، ومواصلة التحقيقات بشفافية وحياد.

تعليقات: