دولرة التسجيل بالدراسات العليا بالجامعة اللبنانية.. البداية بالهندسة؟

يظل الطالب اليوم رهين الحلول الترقيعية التّي تعتمدها إدارة الجامعة (مصطفى جمال الدين)
يظل الطالب اليوم رهين الحلول الترقيعية التّي تعتمدها إدارة الجامعة (مصطفى جمال الدين)


بعد إصدارها وثيقة رسمية، شهدت إدارة كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، حملة انتقاد واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أثارها الطلاب الغيارى على مستقبلهم الدراسي فضلاً عن المحتجين على واقع الجامعة اللبنانية المأزوم.


دولرة التسجيل

فكلية الهندسة التّي حددت في الوثيقة الصادرة بتاريخ 15 حزيران 2022، كلفة التّسجيل في "الماجيستر المتخصصة" أو "الدراسات العليا المتخصصة" بين 500 و1000 دولار أميركي أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية، وفق سعر منصة صيرفة.

وتوالت تصريحات المعنيين مبررة إعلان إدارة الكلية، التي أعدت جداول اقتراح معدّلة، وأصدرتها لاحقًا بتاريخ 21 حزيران، محددةً فيها رسم التسجيل المقترح للخريجين والموظفين بالدولار الفريش، والرسم المقترح للطلاب المسجلين في السنة الخامسة التّي تعادل الماستر الأولى بقيمة 750 ألف ليرة لبنانية، وقسمت الدفع على مراحل ثلاث.

لا شكّ في أن البلبة التّي أحدثها هذا القرار في صفوف الطلاب، هي ردّ فعل طبيعي إزاء التهديد المستمر والممهنج التّي تثيره إدارة الجامعة بين مدة وأخرى. واعتبر البعض أن هذه الخطوة قد تكون باكورة دولرة رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية، باعتماد استراتيجية تمرير الملفات تباعًا، فضلاً عن انتهاك حق الطلاب بالتعليم المجاني بكلفة رمزية. ولا يقع على الطالب تحمل عجز جامعته الذي تسبب به الفساد المستشري والإهمال الدائم لملف الجامعة الحيويّ.

وبالرغم من أن مثل هذه التعديلات على الرسوم تستوجب قرارًا يصدره مجلس الوزراء، وقانونًا يحق للجامعة وإدارة كلياتها أصداره وتحديد كلفة الرسوم على الدراسات العليا المتخصصة أو "الماجستير المتخصص" ومدته سنة واحدة، فإن الإعلان الأول انطوى على بعض الغموض في الفصل بين رسوم " الماجيستر المتخصص" والماستر الأولى. وأثار ذلك استياء طلاب السنة الخامسة الذين يطمحون لإكمال دراساتهم العليا التّي قد تضاعف فرصهم في سوق العمل، المزدحم بالخريجين والمهندسين الذين لا يقدرون على السفر لإكمال دراساتهم العليا.


سحق المفقرين

ورغم أن هذا القرار يحمل إيجابيات في مضمار ميزانية الجامعة (في حال لم يتم نهبها) التي تعاني اليوم من خلل جسيم في ميزانيتها التّي باتت تبلغ 11 مليون دولار، أي 330 مليار ليرة تقريباً، فضلاً عن تحسين صورتها واستقطابها الطلاب من مختلف الجامعات الخاصة والدول المجاورة، يُمكن للقرار نفسه أن يسحق شريحة كاملة من الطلاب المفقرين الذين لم يجدوا فرصاً مناسبة بعد تخرجهم، ولم يتمكنوا من التسجيل في هذه الدورات لزيادة فرصهم، نظرًا لأسعارها العالية، خصوصاً على أصحاب الدخل المحدود وحديثي التخرج. كما أنها تحثُّ المتخرج على السّفر إلى حيث التعليم أفضل والظروف الاقتصادية لا تكبده رسوماً لا طاقة له على تحملها.


ردّ الجامعة

أصدرت الجامعة عقب موجات الاحتجاج بياناً نفت فيه أي تعديل على رسوم التسجيل في كلية الهندسة وفي أي كلية أو معهد في الجامعة اللبنانية. ذلك لأن أي تغيير فيها يحتاج إلى تعديلات قانونية. أما بخصوص الرسوم المعلنة، فهي حصرًا للماسترات التخصصية المستحدثة بمعظمها، ومنها التحكم عبر الإنترنت بعناصر الخطورة في الهندسة المدنية والطاقة المتجددة وغيرها. وهذه اختصاصات يتابعها المهندسون المتخرجون (منذ خمس سنوات على الأقل) من الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى. أي دراسة ماستر لسنة واحدة ينال بعدها الطالب شهادة اختصاص وتُدفع رسومها بالليرة اللبنانية حصرًا.

وفي هذا الإطار أطلع عميد كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، البروفيسور رفيق يونس "المدن" على نيّة الكلية وإدارة الجامعة، تطوير استراتيجة الجامعة المنتجة، والتّي تضمنت إنشاء مثل هذا النوع من الشهادات في الدراسات العليا المتخصصة، للموظفين والخريجين والمهندسين الذين يحتاجون تطوير طاقاتهم المتجددة.

وشدد على أن هذه الرسوم لن تستوفها الجامعة إلا بالعملة الوطنية، رغم الخسارة التّي قد تنتج بفعل تقلب تسعيرة صيرفة. والطالب في التعليم الأساسي أي الإجازة ليس له علاقة بهذا القرار لا من قريب ولا من بعيد.

وأشار يونس إلى ان هذه الرسوم لا تحوّل إلى حساب كليّة الهندسة، لأنها أصلاً لا تملك حساباً خاصاً، بل إلى حساب الجامعة اللبنانيّة في المصرف المركزي أو إلى ميزانية الحكومة العامة. وتنطوي الخطة على تحويل الجامعة إلى جامعة منتجة، بإنشاء مراكز دراسات بحثية ومصانع. وأصرّ يونس على فكرة أن التعليم المجاني أو برسوم رمزية هو حق الطالب على دولته، ولا يمكن انتزاع هذا الحق منه. وهذه الإستراتيجية كما الرسوم، مستقاة من نماذج الجامعات الأوروبية والتّي تتراوح تكلفة أسعار التسجيل بالماسترات المتخصصة فيها بين 5 و8 ألاف يورو. وهذه البرامج من الماسترات التخصصية شبيهة بالدورات المهنية المدفوعة التي تنظم عادة بالتنسيق بين الشركات والجامعات.


نوايا مبيتة

لكن إذا كان هذا القرار محصورًا بالخريجين والموظفين، ولا يطاول الطالب المُسجل في كلية الهندسة، فإنه ينطوي على نية السّلطة اللبنانية والمعنيين بملف الجامعة الحيويّ، بالتوجه الشامل للدولرة، من دون الانتباه إلى مصير الطبقات المفقرة التّي لا تملك القدرة على مجاراة هذا الواقع. وهذه السّياسات الممنهجة هدفها جس نبض الطلاب والأساتذة حول دولرة الرسوم. هي محاولة صريحة لتسليع آخر مصادر التعليم المجاني في لبنان وتحويله امتيازاً طبقياً، كباقي القطاعات. ويظل الطالب اليوم رهين الحلول الترقيعية التّي تعتمدها إدارة الجامعة اللبنانية، عاجزًا وخائفًا على مصيره الدراسي.

تعليقات: