نزار بنات قرأ تاريخ التجربة الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها وحدد نقاط ضعفها ونقاط قوتها
راغب حرب ونزار بنات ، عندما يقرر الإنسان الطليعي الإرتقاء الى مستوى النموذج والقدوة الإنسانية .
عندما كنت استمع الى نزار بنات وهو يحلل ويستعرض ويستنتج كنت اخاف عليه بشدة وأغبطه على هذا المستوى من الوعي والإخلاص والإحاطة بالمواضيع التي يتناولها وكنت مدهوشاً بجرأته في النقد الصارم والحاسم لأجهزة وأنظمة قادرة في أي لحظة ان تسكته بأساليبها الوحشية المعهودة وأن تكسِّر جمجمته وعظامه، وهو رغم ذلك لم يكن يعتني بكل المخاطر المهولة المحيطة به من كل جانب.
وكثيرا ما كنت اسأل نفسي "من تراه يشبه نزار بنات؟ وإلى أي مدرسة ينتمي هذا الإنسان المختلف ؟" وكنت ألحظُ في قرارة نفسي شبها كبيرا بينه وبين الشيخ راغب حرب رضوان الله تعالى عليه ، راغب حرب الذي جاء من مدرسة كربلاء الحسين ع ، تلك المدرسة التي أسست لمشروع ضرورة أن تضحي الطليعة الواعية بنفسها وكل ممتلكاتها من أجل أن تقدم النموذج والقدوة للأحرار المتبقين بعدها والذين يمكن أن يجود بهم الزمان لاحقاً بعد تقديمها لتجربتها ، فيقتدون بها كنموذج في مقاومة ومقارعة الظالمين والمحتلين حتى يحققوا الإنتصار عليهم ويكسروا إرادتهم ويقتلعونهم من جذورهم ، وهكذا قرر الشيخ راغب حرب بعد الإجتياح الصهيوني للبنان وما قام به الصهاينة في هذا الإجتياح وبعده من مجازر وعدوان وتنكيل وتعذيب وتهجير واعتقال وقهر وإزهاق للأرواح ودمار للأرزاق ، قرر أن يحول شخصه وتجربته وعلاقاته وارتباطه بمدرسة الحسين ع التي استلهمها مستفيداً من استاذها وموجهها وملهمها في تلك المرحلة الإمام الخميني (رض) ، وراح يهزأ بالإحتلال الصهيونب ويسخر من جبروته وينتقده وينتقد عملائه من ضعفة النفوس بكل جرأة وقسوة ، ورفض الإعتراف بوجوده ورفض مصافحة رموزه وراح يعمل ليل نهار على توعية الناس واستنهاض هممهم ومشجعا لهم على مقاومة المحتل والتظاهر لرفض وجوده كما راح يعمل على تأسيس مجتمع متكافل يرعى الأيتام والفقراء ويعتني بعوائل الشهداء والمجاهدين لدرجة أقلقت العدو وعملاءه ، الذين اعتقلوه وضغطوا عليه وهددوه إن هو تمادى في توعية الناس ضدهم وضد مخططاتهم واهدافهم في لبنان والمنطقة ، ولكنه صمد أمام تهديداتهم كجبل ولم يأبه بكل ما عملوا حتى يئس العدو من إمكانية ضبط أدائه فعملوا على تصفيته جسدياً ظلماً وعدواناً ، تصفية كان يتوقعها الشيخ المجاهد في أي لحظة وكان دائم الإستعداد لها ليكتمل بها مشروع إنتاجه للنموذج الإستنهاضي للأمة وقد استفاد لاحقاً أحرار لبنان المتطلعين الى التحرر والخلاص من ظلم وطغيان الصهاينة وحماتهم من القدوة التي صنعها لهم الشيخ راغب حرب بفكره وخطابه وممارساته الرسالية التي ما زالت تلهم الأحرار وتبعث فيهم الحماس والإندفاع في مقارعة الحق للباطل في كل مكان. وهكذا فعل نزار بنات الذي قرأ تاريخ التجربة الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها وحدد نقاط ضعفها ونقاط قوتها وحدد بوضوح مذهل المسارات التي حفظت خط المقاومة الفلسطينية منذ بداية ظهور المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب والمسارات التي حملت شعارات الثورة الفلسطينية الشرعية لفترة ولكنها كانت تعتمد تمويه حركتها مرحلياً لتصل لاحقا إلى مشاريع التسوية في أوسلو وما تلاها ومن ثم التطبيع والقبول بالمشروع الصهيوني كأمر واقع لا قدرة للفلسطينيين على هزيمته مهما فعلوا ومهما استعدوا . وبين هذين النهجين نسج نزار بنات منظومة وعيه الرسالي وقرر أن يكون المفكر الطليعي القدوة لشعبه ومفكريه ومجاهديه وراح يعري المشروع الإنهزامي الفلسطيني والعربي ويفضح الاعيبه وفساده وارتباطاته بالمشروع الإستعماري الغربي وراح يسدي النصح للحركات الوطنية والقومية والأسلامية داعياً المخلصين في هذه الحركات الى التعاون والتآزر والتخطيط المشترك لتعزيز روح المقاومة المخلصة والتي بدأ يستشعر بواكير انتصاراتها مع انتصارات حزب الله لبنان على الإحتلال الصهيوني لأجزاء من الأراضي اللبنانية وشجع فصائل المقاومة الفلسطينية على التعاون والإستفادة من المقاومة في لبنان وحركات الممانعة والمقاومة للهيمنة الغربية في المنطقة فكان نصيرا لليمن المظلوم شعبه ، وكان مؤيداً لسوريا المقاومة والداعمة لقضية فلسطين العادلة ، وكان محباً للثورة الإسلامية في ايران ، تلك الثورة التي دعمت الفلسطينيين منذ يوم إنتصارها الأول ولم تزل تدعم الفلسطينيين المجاهدين بالمال والسلاح والمواقف والتدريب والتواصل . كما تمكن نزار بنات أن يفضح الإدعاءات الكاذبة والمنافقة لحكام الخليج وخاصة زعماء المملكة السعودية التي تُسَخِّر ثروات شعبها للتآمر على الشعوب العربية وعلى القضية الفلسطينية وعلى كل الثورات التحررية في العالم . وهكذا استطاع نزار بنات كفرد نخبوي فلسطيني مخلص أن يُخرِجَ نفسه من كل الأطر التنظيمية والأيديولوجية التقليدية ليعلن إنتماءه إلى مدرسة الحق الإنساني المقدس الذي يحق له أن يأخذ من كل مدرسة ما يخدم مشروع المقاومة الفلسطينية والعربية والإنسانية ضد قوى الطغيان والظلم والفساد أينما كانت وإلى أي فئة إنتمت ، سواء كانت هذه القوى غربية او صهيونية أو عربية أو غيرها لأن الباطلَ ، باطلٌ ، لا دين له ولا طائفة ولا عقيدة ولا ايديولوجيا ولا من يحزنون .إن طريقة إسكات نزار بنات بالأسلوب الوحشي والظالم والتي قامت بها السلطة الفلسطينية العميلة والمرتهنة للمشروع الصهيوني الغاصب لأرض وحقوق فلسطين تمثل عدوانا مستنكراً ومشجوباً ومداناً بكل المقاييس الإنسانية وذنباً لا يغتفر وعلى احرار فلسطين والعرب والعالم أن يحفظوا ذكر هذا الشهيد ويستلهموا تجربته الشجاعة الملفتة ويبقوا ذكر تجربته وتضحياته حياً فاعلا وملهما لأنه بغير هذا الأسلوب يتعذر إفشال مشاريع الذين إغتالوا الفكر الواعي والجريء الذي مثله الشهيد القدوة نزار بنات. وإن أمة قادرة على حفظ ذكر وتجربة نزار بنات وأمثاله من أبناء الأمة المضحين هي أمة جديرة بتحقيق الإنتصار على أعدائها الظلمة المستبدين وجديرة بصناعة المستقبل المشرق لأبنائها المجاهدين المضحين رغم الصعوبات ورغم المعوقات. وفي الختام لا يسعنا إلا الترحم على روح الشهيد نزار بنات في الذكرى السنوية الأولى لشهادته ونسأل الله ان نكون من حملة همه الرسالي العظيم ومن العاملين على تحقيق الأهداف الكبرى التي حلم بها وقدم نفسه شهيداً في سبيل تحقيقها.
عدنان إباهيم سمور.
باحث عن الحقيقة.
27/06/2022
تعليقات: