فاجعة ضهر المغر: المباني كلها مهددة بالسقوط؟

أصبح الخوف من الموت تحت الأنقاض هاجسًا يوميًا للسكان (جنى الدهيبي)
أصبح الخوف من الموت تحت الأنقاض هاجسًا يوميًا للسكان (جنى الدهيبي)


أمام أنقاض مبنى ضهر المغر، يجلس خالد ديكو (32 عامًا) حانيًا رأسه، مفجوعًا ومصدومًا، كحائرٍ بأمر مصائبه التي حلّت عليه دفعةً واحدة: مقتل طفلته جومانة البالغة 5 سنوات، إصابات زوجته الخطيرة وهي بالعناية الفائقة، دمار منزله كاملًا، فلم يعد رجلًا فقيرًا فحسب، بل مشرد مع من بقي من عائلته بلا مأوى.


قصة الفاجعة

عند ضفاف نهر أبو علي في طرابلس، تبدأ نقطة العبور إلى ضهر المغر عبر أدراج طويلة، كلما تقدمنا نحوها درجة، تنجلي مأساة العيش في منطقة سمتها الهشاشة والعشوائية، وتضم عشرات المباني الآيلة للسقوط.

ونحو أنقاض ذلك المبنى الذي سقط مساء الأحد 26 حزيران، يلهو عشرات الأطفال في أزقة ضيقة بالكاد تتسع للمارة. يلعبون بالطابة، ثم يصرخ بعضهم لبضع: "هربوا هربوا قبل ما توقع على راسنا شي بناية". يرد أحد الأطفال الذي لا يتجاوز 12 عامًا على صديقه الذي يقفز أمامه: "منيح منصير لحمة مفرومة"، ثم يقهقهان سويًا ويركضان.

وهنا، لا أثر لمبنى كان يتألف من 4 طوابق وبقي صامدًا منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية إلى تاريخ سقوطه على رأس الطفلة جومانة ووالدتها.

وفي حديث لـ "المدن"، يروي خالد ديكو وهو عامل بعمل للزجاج، بعض تفاصيل الحادث، ذاكرًا أن هذا المبنى كان يسكنه والديه منذ العام 1973، وقد ولد وعاش وتزوج فيه. وفي الأشهر الأخيرة، توالت الأخبار عن تصدعات كبيرة بالمبنى قد تؤدي لسقوطه، "لكننا لم نتوقع الأمر، ومع ذلك أبلغنا بلدية طرابس أن المبنى على وشك السقوط، لتسارع إلى المساعدة بترميمه وهو ما لم تفعله".

وكانت تعيش في هذا المبنى المدمر عائلتان، واحدة في الطابق الأرضي، وعائلة ديكو في الطابق الرابع. وبعد عصر الأحد، كان الوالد مع ابنه خارج المنزل حيث بقيت زوجته وابنته. ولم تمضِ ساعات قليلة على خروجه، حتى هرع إليه بعض شبان الحارة لإخباره أن زوجته وطفلته بين انقاض المبنى ويحاولون إسعافهما.

وحسب شهادة الوالد، فإن ما أدى إلى سقوط المبنى فجأة، هو اصطدام شاحنة به تابعة لشركة لافاجيت للتنظيف، كما أن العاصفة التي ضربت الشمال لساعات قليلة صباح السبت، أدت لسقوط صاعقة على سطح المبنى، حسب روايته.

ويعبّر الوالد المفجوع عن شجبه لكل بيانات التضامن التي صدرت عن سياسيين وقياديين في طرابلس، "لأننا لا نسمع صوتهم إلا بعد وقوع المصائب للاستعراض على حساب دماء أبنائنا الذين يُقتلون بالمجان، وذنبهم الوحيد أنهم يعيشون في لبنان". كما يرفض الوالد مطالبة السلطات بأي تعويض له، فـ"كفانا إذلال، وابنتي لن تكون أغلى عندهم من ضحايا انفجار المرفأ في بيروت ولا من ضحايا انفجار التليل في عكار ولا من المفقودين في البحر".


مخاطر ضهر المغر

شكل سقوط هذا المبنى تهديدًا كبيرًا لمبنى ملاصق له، وهرع سكانه للخروج منه. وفي جولة الشاب يوسف عبد اللطيف من سكان ضهر المغر، يعاين عشرات المباني المهددة بالسقوط، ويظهر هشاشة بنيانها من التصدعات الخارجية، ما جعل العيش فيها مجازفة كبيرة.

ويوضح الشاب لـ"المدن" إن منطقته التي عاشت مختلف فصول الحروب التي شهدتها طرابلس، يتناوب بعض أهلها على السهر أمام المباني لمراقبتها خوفًا من سقوطها، وتحديدًا في مواسم الشتاء والعواصف. ويقول: "لقد أصبح الخوف من الموت تحت الأنقاض قوت يومنا، ونعرف أننا عاجزون عن مغادرة منازلنا بسبب أوضاعنا الاقتصادية، ولأن معظمنا عاطل عن العمل".

ويعد ضهر المغر واحد من المناطق السكنية غير الرسمية حول نهر أبو علي، وفي جهات أخرى من طرابلس والميناء، مثل حي التنك ووادي النحلة والشلفة، وفي البداوي، حيث معظم مساكنها متهالكة ومهددة بالسقوط، ولم تخضع لأي عمليات ترميم منذ ما قبل الحرب الأهلية. كما جرى بناء الكثير من العشوائيات على سطوحها بطريقة مخالفة ولا تراعي أسس العمار، وتسكنها باكتظاظ آلاف العائلات المعدومة والفقيرة. وهذه البيوت، معظمها تخضع لقوانين الإيجارات القديمة، ولا قدرة لسكانها على الانتقال لسكن بديل، كما يواجهون تعقيدات ومصاعب قانونية كبيرة سواء مع المالكين أو البلدية لجهة ترميمها. وهو ما يجعل الأهالي العاجزين عن الترميم على نفقتهم الخاصة أو تذليل العقبات القانونية. أي أنهم عرضة للموت بأي لحظة تحت أنقاض منازلهم.


وقائع حول الحادثة

وسادت حالة من الغضب والسخط جراء وفاة الطفلة جومانة بين أنقاض منازلها، وأقدم بعض أفراد عائلتها صباح الاثنين على قطع طريق القبة.

وبعد بيانات الشجب والتضامن والاستنكار الرسمية، أعلن رئيس بلدية طرابلس رياض يمق رفضه الاتهامات الموجهة إلى بلدية طرابلس بالتقصير في شأن المبنى؛ لأنه برأيه "كغيره من المباني المهددة بالإنهيار في المدينة القديمة والقبة والتبانة وغيرها من المناطق الشعبية، والتي أعدت البلدية تقارير مفصلة بشأنها وأرسلتها إلى جهات الاختصاص، سواء للمديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة أو للهيئة العليا للإغاثة، وبالتالي لجانب مجلس الوزراء أو لوزارة الداخلية والبلديات". واتهم يمق مديرية الآثار في وزارة الثقافة برفض أي طلب لترميم المباني الأثرية حتى لو توفرت الأموال اللازمة لها.

ووسط تقاذف المسؤوليات، تفتح هذه الحادثة المأسوية الباب على جوهر الأزمة في مناطق طرابلس القديمة التي تكتظ بالسكان، وتضم آلاف المباني المتهالكة والأثرية المهددة بالسقوط على رؤوس سكانها، في ظل إهمال رسمي كبير، يبلغ وفق كثيرين مستوى الجريمة، طالما بقوا متفرجين على احتمال وقوعها.

تعليقات: