تُسابق الاستعدادت الميدانية لحرب مُفترضة بين لبنان واسرائيل، مساعي التهدئة التي تدعو اليها وسائل إعلام اسرائيلية، عبر الاستثمار في "ليونة لبنان" حيال ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في حين تقول التقارير الاستخبارية الاسرائيلية ان "حزب الله" ثبّت 16 نقطة مراقبة عسكرية على الحدود منذ نيسان/ابريل الماضي، رغم أن الحزب رفض مقترحات إيرانية لـ"تصفية حساباتهم" مع الكيان.
يدور الإعلام الإسرائيلي بين شقين: الترغيب والترهيب. هذا ما يُفهم من مقال نشرته صحيفة "معاريف"، الثلاثاء، حثّ على استثمار "ليونة" الموقف اللبناني في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، كفرصة أنتجها استدعاء الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، على عجل، الأسبوع الماضي، على وقع التوتر الناشئ إثر الإستقدام الإسرائيلي لمنصة إستخراج الغاز "انرجين" الى حقل "كاريش".
المقال الذي كتبه سفير إسرائيل الأسبق، لدى مصر، يتسحاق ليفانون، حاول أن يقدم نظرة "تفاؤلية" بناء على أحدث تصريح أميركي، وقد زف فيه بُشرى "تضييق الخلافات بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية". وقال ليفانون أنه في أعقاب إرفاق بيروت وحزب الله دعوة استقدام هوكشتاين بتهديدات بمهاجمة إسرائيل، فإن الوسيط الأميركي لمس ظاهرة دفعت واشنطن إلى إطلاق تصريح تفاؤلي؛ إذ أنه، وفق ما سمعه من اللبنانيين، هناك أساس "قوي" لإستئناف المفاوضات، توطئة للإتفاق.
وذهب المقال الإسرائيلي أبعد من التفاؤل، عندما قدم توصية للجهات المسؤولة في إسرائيل بضرورة القبول بإقتراح لبنان الأخير، على ضوء ما اعتبرها "الأزمات السياسية" في لبنان وإسرائيل. فبعد نقاش داخلي، قدم اللبنانيون إلى هوكشتاين، حسب المقال، موقفاً موحداً لكل الأطراف ذات الصلة بالقضية. واعتبر كاتب "معاريف"، وحدة الموقف اللبناني بهذا الشأن، "إنجازاً"، واصفاً إياه أيضاً بمقترح لبناني يقضي بإمتناع لبنان عن التوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتوسيع منطقة النزاع مع إسرائيل، بحيث تضم حقل الغاز كاريش.
وستوافق بيروت، بموجب المقترح، على أن تدور النقاشات مع إسرائيل على أساس منطقة النزاع الأساسية التي سبق ونُقلت إلى الأمم المتحدة، أي 860 كيلومتراً مربعاً، وفق زعم مقال "معاريف".
وقال ليفانون، وهو من أصول لبنانية: "في رأيي حسناً تفعل إسرائيل، إذا وافقت على الاقتراح اللبناني وأنهت النزاع". وذكّر ليفانون بالإدعاء الإسرائيلي بأن الوسيط الأميركي الأول فردريك هوف قد اقترح، سابقاً، تقسيم منطقة النزاع بصورة غير متساوية وإعطاء لبنان مساحة أكبر من إسرائيل، مشيراً إلى موافقة تل أبيب على ذلك، حينها.
الواقع، أن المقارنة بين المقترحين، دفعت كاتب المقال إلى تفضيل "الموقف اللبناني اللين"، بإعتباره يضمن بقاء جزء من حقل قانا اللبناني في يد إسرائيل. وفي مفاوضات الأسبوع الماضي، اقترح اللبنانيون تغييراً بسيطاً في الترسيم، حسب صحيفة "معاريف"، بحيث يصبح حقل قانا كله في داخل الأراضي اللبنانية. بعبارة أُخرى، يصبح كاريش كله لإسرائيل، وقانا كله للبنان، حسب مفهوم ليفانون الذي يعتقد أن هذا التغيير يتجلى في نسب ضئيلة من الأرض.
كما أن حماسة ليفانون للموقف اللبناني الأخير، في حال صحة ما زعمه المقال، جاءت بعد المقارنة بين ما وصفه موقف لبنان "المتشدد" قبل مجيء هوكشتاين، وبين الموقف الأكثر مرونة، بعد اجتماع الوسيط الأميركي مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت.
لذا، يعتقد ليفانون أن هذا سيمكن إسرائيل من حل النزاع والبدء باستخراج الغاز "من دون عراقيل من هذا الطرف أو ذاك"، على حد تعبيره. وراح في مقاله إلى تحفيز اللبنانيين، عبر قوله إنه بإمكان لبنان استغلال منطقة النزاع لجني مداخيل كبيرة إلى صندوق الدولة وتحقيق القليل من الإستقرار الداخلي، مشيراً إلى فائدة إسرائيلية بأن يؤدي الإتفاق إلى وقف تهديدات حزب الله بمهاجمة "كاريش". لكنه، نوه بأن الجميع ينتظر الآن الجواب الإسرائيلي.
وهنا، لا ينسى يتسحاق ليفانون أن يذكّر بدعاية إسرائيل الضمنية، والتي تروج لأكذوبة أن "لبنان هو المشكلة"، وليست إسرائيل ذات المطامع الإستعمارية التي تتسع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، عبر قوله: "للمرة الأولى، هناك انطباع بأن لبنان ماضٍ على الدرب.. في لبنان، اليوم، حكومة انتقالية وحكومتنا الإسرائيلية سقطت".
بيدَ أنه ليفانون يعود إلى الحذر من مستوى تفاؤله، عبر التنويه بأنه في ظل اعتقاد لبنان أن إسرائيل سترد بصورة إيجابية على مقترح من أجل الدفع قدماً في اتجاه الحل، إلا أنه في حال حصول تغييرات في حكومتي بيروت وتل أبيب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأخير حل ترسيم الحدود إلى موعد آخر، وسيكون هذا "مدعاة للأسف"، كما ختم ليفانون مقاله.
على العموم، يرى مراقبون أن التفاؤل المُثار عن تضييق خلافات الترسيم بين لبنان وإسرائيل، يبقى حذراً، خصوصاً أن واشنطن معنية، قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، بالتهدئة في مختلف الملفات.
ولأنّ ملف ترسيم الحدود البحرية ليس بمنأى عن ملف لبنان العسكري، وما يتصل بالتسويات الإقليمية الأشمل، فإن إسرائيل لم تخفف وتيرة تهديداتها للدولة اللبنانية، على وقع النشر الإسرائيلي الجديد عن إقامة حزب الله 16 موقع مراقبة إضافية على الحدود مع شمال فلسطين المحتلة منذ أبريل/نيسان الماضي.. لدرجة أن صحيفة "هآرتس" كانت الأولى من بين وسائل الإعلام العبرية التي أدرجت تزايد النشر الإسرائيلي عن وجود حزب الله في الجنوب اللبناني واستمرار الحزب في تسلحه، بموازاة تهديدات الإحتلال للبنان مؤخراً، في سياق محاولة من إسرائيل لتحضير الأرضية في الساحة الدولية لحرب ثالثة في لبنان، بهدف تدمير كبير للبنى التحتية، وإيقاع عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين.
مع ذلك، فإن تقدير الاستخبارات الإسرائيلية يبقى من دون تغيير. فهي لا ترى أن لدى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، رغبة في حرب جديدة. بل أكثر من ذلك، فقد نقلت "هآرتس" عن الدوائر الأمنية الإسرائيلية تقديرها بأن "نصر الله المُكثر من تهديداته بمهاجمة إسرائيل، قد تهرّب، أكثر من مرة، من محاولات الإيرانيين الطلب منه تصفية حسابهم مع إسرائيل؛ رداً على عمليات الإغتيال المنسوبة إلى إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية". وهذه ليست المرة الأولى التي تُمايز فيها إسرائيل بين تقديرات نصر الله الميدانية القائمة على ظروفه اللبنانية، وبين دعوات إيرانية للحزب بالتصعيد "المضبوط"، أحياناً.
تعليقات: