مافيا الأدوية المزوّرة تضرب بقوة في لبنان، وهذه الظاهرة في تفاقم، لا يسلم منها مرضى السرطان الذين يدفعون الملايين لقاء الحصول على علاجات تخفّف آلامهم. وزراة الصحة ضبطت مخالفين، وأُحيل الملف إلى القضاء. هناك عشرات القرارات ضد هذه الأدوية... إلاّ أنها لا تزال منتشرة في مراكز صحية
تُباع في لبنان أدوية تحمل اسم أدوية عالمية، ولكنها مزوّرة، هناك نسخ من أدوية «MABTHERA»، و «NEUPOGEN VIAL»، و«ELOXATIN» و«TAXOTERE» و«NAVELBIN و«ZOMETA» التي تستعمل في علاج مرضى السرطان، ويبلغ سعر علبة الدواء ملايين الليرات، وقد ضبطت وزارة الصحة اللبنانية النسخ المزوّرة، وتُستخدم في بعض المستشفيات، وتباع بسعر الدواء الأصلي! وتبين بعد تحليل النسخة المزورة من «MABTHERA» مثلاً أنها مركّبة من الماء فقط!
أصدرت وزارة الصحة عشرات القرارات في السنوات الثلاث الأخيرة لسحب أدوية مزوّرة من الأسواق. ومن بينها نسخ مزوّرة من «PANADOL»، ودواء الالتهاب «AUGMENTIN»، والمنشط الجنسي «CIALIS» و«VIAGRA»، ومهدئ الأعصاب «XANAX»، وأدوية الضغط «concor5» و«diovan» و«aprovel»، وغيرها المئات من الأدوية.يشير مدير إحدى شركات الأدوية إلى أنه رفع، قبل نحو عام، دعوى ضد مستشفى في بيروت، لأن العاملين فيه يستخدمون نسخاً مزوّرة من دواء تنتجه شركته لعلاج مرض السرطان، وقد أُوقف المسؤولون عن هذه المخالفة و«لكنهم عادوا لمزاولة المهنة»، ولم تقاطع المؤسسات الضامنة لموظفي الدولة هذا المستشفى. يفضل مدير الشركة عدم ذكر اسمه كي لا يتعرّض للمحاربة من سياسيين ومدراء مستشفيات. ولكن المعلومات التي أوردها عاد وأكدها لـ«الأخبار» مصدر قضائي. مدير شركة الأدوية روى أن مسؤولين في المستشفى المذكور فاوضوا أصحاب الشركة لإسقاط الدعوى. وعلمت الشركة أن الدواء المزوّر يُستخدم في مستشفى ذي سمعة مهمة، وبسبب الضغوط السياسية رفع أصحاب الشركة الدعوى ضد مجهول!
بعدما رُفعت الدعوى ضد المستشفى البيروتي، ارتفعت نسبة مبيع أدوية السرطان الأصلية في الشركة، لكن هذه المبيعات تراجعت من جديد بنسبة 40% لمصلحة الدواء المزوّر. ويلفت مدير شركة الأدوية إلى أنه اجتمع بمسؤولين في وزارة الصحة لإطلاعهم على خطورة الوضع، فأكدوا له تعرّضهم لضغوط سياسية تمنعهم من القيام بواجبهم، وتمنعهم من التحدث إلى وسائل الإعلام!
رفضت رئيسة دائرة التفتيش الصيدلي في بيروت الدكتورة كوليت رعيدي تسجيل الحوار الذي أدلت به لـ«الأخبار»، ورفضت تسمية المستشفيات أو الصيدليات التي ضُبطت فيها هذه الأدوية «حرصاً على عدم التشهير بها»، ورأت أن دور مصلحة التفتيش المركزي ووزارة الصحة ينتهي عند التثبت من تركيبة الدواء وإرسال الملف إلى النيابة العامة التمييزية.
نائب رئيس الاتحاد الدولي لنقابات الصيادلة الفرنكوفونيين زياد نصور أكد أنه ضُبطت نسخ مزوّرة من دواء السرطان «MABTHERA» في أحد المستشفيات اللبنانية. ويعزو نصور انتشار هذه الأدوية المزوّرة في المستشفيات إلى أن «الصيدلي المسؤول عن صيدلية المستشفى، والذي يمثّل الضمانة لنوعية الأدوية المبيعة فيه، يفتقر إلى صلاحيات تنفيذية، وهو نادراً ما يتمتع بسلطة القرار المتعلقة بلائحة الأدوية المقبولة في المستشفى». ولفت نصور إلى أن المستوصفات لا تخضع لرقابة منتظمة ومنهجية، وفي بعضها تنتشر أدوية مزوّرة ومقلّدة ومهرّبة، ما يفرض إجراء دراسة ميدانية عن عدد المستوصفات والأدوية التي تعطيها «حتى ولو كان بعض هذه المستوصفات تابعاً لجهات سياسية!».
وفي هذا الإطار، أوضحت رعيدي أن «التفتيش الصيدلي» يفتّش دورياً مراكز بيع الدواء بهدف تحجيم كمية هذه الأدوية أو تقليصها في السوق اللبنانية، إلاّ أنه من المستحيل أيضاً تحديد كميات الأدوية المزوّرة المنتشرة في لبنان، فدفعات كبيرة منها يُمكن أن ترسل إلى مؤسسات طبية في أية لحظة.
وأكدت رعيدي أن وزارة الصحة أصدرت قراراتها بناءً على تقارير مرفوعة من دائرة التفتيش الصيدلي في بيروت لسحب بعض الأدوية من الأسواق اللبنانية، ومنع تداولها، وقد أحالت الوزارة هذه القرارات إلى النيابة العامة التمييزية، وكلفت التفتيش الصيدلي المركزي تنفيذ مضمون هذه القرارات، وقد صدر عدد من هذه القرارات في شهر أيار الماضي. أكد النائب العام التمييزي سعيد ميرزا لـ«الأخبار» وجود دعاوى ضد بعض المستشفيات، لكنه رفض تسميتها «حرصاً على عدم التشهير بها».
تنتشر المصانع التي تصنع الأدوية المزوّرة في عدد كبير من الدول، ولكن نشاطها سريّ، لذلك يستحيل تحديد أماكنها، ولكن ثمة أسئلة يطرحها المتابعون لهذه القضية: هل تُصنع هذه الأدوية المزوّرة في لبنان أم تُستورد من الخارج فقط؟ وما هو دور «مافيا الأدوية» في لبنان في هذا الملف؟
أخيراً، هل تُعدّ سمعة المستشفيات والصيدليات أهم من حياة المرضى؟ ومن يغطي نشاط مافيا الأدوية المزوّرة؟ وهل تملك مصلحة حماية المستهلك وقوى الجمارك اللبنانية الوسائل التي تتيح ضبط هذه الأدوية؟
الحدث
... مؤتمر لبناني ــ دولي لمحاربة التزوير
تنظم وزارة الصحة العامة، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لنقابات الصيادلة الفرنكوفونية ونقابة الصيادلة في لبنان ومنظمة الصحة العالمية (منتدى الصيادلة في إقليم شرق المتوسط)، مؤتمراً لإطلاق الحملة الوطنية الأولى للتوعية ولمكافحة الأدوية المزوّرة والمقلدة.
برعاية وزير الصحة محمد جواد خليفة، يُعقد المؤتمر غداً في فندق الحبتور ـــ سن الفيل، ويهدف إلى تسليط الضوء على مشكلة الأدوية المزوّرة في لبنان، وسبل مكافحتها والحدّ من انتشارها. المواضيع المطروحة متنوعة، أبرزها تعريف منظمة الصحة العالمية للأدوية المزوّرة والمقلدة، حيث تُعدّ هذه الأدوية مزوّرة عمداً عن طريق الغش بلصاقة لا تحدد هويتها أو مصدرها الحقيقي. وستُشرح طرق تزوير مستحضر معروف أو تقليده (منتج له علامة تجارية)، وتتنوع هذه الطرق بين أشكال متعددة، كأن يوضع الدواء المزوّر في عبوة تشبه العبوة الأصلية، أو توضع لصاقة تمدد تاريخ انتهاء الصلاحية، وأن تكون تركيبته مماثلة أو مختلفة قليلاً عن الدواء الأصلي، وغير ذلك من أساليب التزوير.
وسيناقش المجتمعون مدى انتشار الأدوية المزوّرة في مستشفيات وصيدليات ومستوصفات لبنانية، وسبل تثقيف المريض، ودعم القوانين التي تحول دون المنافسة غير المشروعة بين الصيادلة والتي تعرّض الناس للخطر.
وسيتطرق المجتمعون إلى العوامل التي تسهّل انتشار هذه الأدوية، كالعامل الاقتصادي (ارتفاع الأسعار، والمنافسة غير المشروعة)، ونقص القوانين التي ترعى طرق توزيع الأدوية في كثير من البلدان (عدم احترام تطبيق القوانين، والعقوبات المخففة وغير الفعالة في ردع المجرمين)، وقوانين التبادل الحر (المنطقة الحرة، وإعادة التصدير)، وعوامل أخرى كالخدمة المجانية للمنازل والبيع والترويج عبر شبكة الإنترنت. وستُفسّر زيادة الأدوية المزوّرة والمقلدة وانتشارها، وتُشرح المخاطر الصحية التي يمثّلها تناول هذه الأدوية على حياة المريض، ويؤكَّد أن الدواء المزوّر قد لا يحتوي على المادة الفاعلة المطلوبة أو يحتوي على مادة فاعلة أخرى، وقد يحتوي الدواء المزوّر على مواد سامة.
وسيتحدث المحاضرون في المؤتمر عن طريقة التعرف على الدواء المزوّر، وعن واجب الصيدلي تجاه المريض، ودور وزارة الصحة ونقابة مستوردي الأدوية ووسائل الإعلام في محاربة الأدوية المروّزة، والإجراءات الواجب اتباعها تجاه منتج يشتبه في أنه مزوّر أو مقلد. وسيذكّر المؤتمرون بالدور الذي تلعبه منظمة الأمم المتحدة في مكافحة هذه الظاهرة العالمية (إعلان روما 2006)، وضرورة متابعة المؤتمرات العالمية التي يعقدها الأطباء والصيادلة اللبنانيون لهذه الغاية، وضرورة الالتزام بالميثاق الذي وضعه الاتحاد الدولي لنقابات الصيادلة الفرنكوفون، حيث تعهد فيه الصيادلة بمحاربة هذه الأدوية، أي بإعلان «بيروت 2006».
وسيجري التعريف بأحدث الطرق لمتابعة الأدوية التي توصّل إليها مصنعو المستحضرات الصيدلانية ومراقبتها وهي: علامة datamatrix التي توضع على عبوة الدواء (وهي دليل ترميز قضيبي ذو بعدين) وهي في طور التأسيس في أوروبا. وتحتوي هذه العلامة على دليل ترميز (cip) من 13 رقماً، وعلى رقم العبوة وتاريخ انتهاء الصلاحية. ويمكن أن تحتوي كذلك على رقم متسلسل لكل علبة دواء وعلى علامة rfid (المراقبة بالتردد اللاسلكي) التي تمكّن من مراقبة كل وحدة دوائية، وهي عبارة عن رقاقة إلكترونية تسمح بقراءة المعلومات التي تتضمنها العبوة عن بعد، وتُستعمل في الولايات المتحدة.
تعليقات: