أثار النائب عن القوات اللبنانية وعضو كتلة الجمهورية القوية، غسان حاصباني، في المدة الأخيرة، مراراً وتكراراً وفي أكثر من وسيلة إعلامية، فكرة ضرورة تقسيم بلدية بيروت إلى مجلسين بلديين. الأول يختص بدائرة بيروت الأولى، أي أحياء الرميل والأشرفية والمرفأ، أي الأحياء ذات الأغلبية المسيحية. والمجلس الثاني ينحصر بدائرة بيروت الثانية، أي المزرعة والطريق الجديدة وعين المريسة، أي الأحياء ذات الأغلبية الإسلامية.
وبصيغة أوضح: مجلس بلدي لأحياء بيروت الشرقية، ومجلس آخر لبيروت الغربية.
الحجج التي ساقها نائب رئيس الحكومة الأسبق مثيرة للاستهجان والاستغراب والتعجب. إذ كيف يجوز لهذا الرجل الذي يتلبس لبوس الحداثة والكياسة والشفافية، أن يعتقد أن هكذا حجج متهافتة وضعيفة، يمكن أن تقنع أهالي بيروت وأن تنطلي على الشعب اللبناني.
يقول النائب حاصباني عبر جريدة النهار إن ما يدعوه إلى إثارة مطلبه: "جاء انطلاقاً من سؤال كبير جداً في شأن أداء العمل في المجلس البلدي في بيروت، الذي هو من دون نظام داخلي وصلاحياته مطلقة لرئيسه، وأصبح مجلساً معطلاً لأن كثراً من أعضائه يشعرون بأن ليس لديهم القدرة على القيام بأي عمل يذكر كأعضاء مجلس بلدي، لوجود صلاحيات واسعة في يد رئيس المجلس في غياب نظام داخلي. فهو من يحدد جدول الأعمال وما يُطرح وما لا يطرح فيه ومتى يطرح على المجلس. وغياب هذا النظام أدى إلى الخلل في عمل المجلس البلدي في الفترات الماضية".
كما أثار حاصباني تكراراً مسألة وضرورة إلتفات الدولة إلى دائرة بيروت الأولى، التي تعيش إهمالاً مدقعاً كشفه الانفجار النكبة في الرابع من آب في مرفأ بيروت.
ويقول حاصباني: "لا يمكن لأهل بيروت والدائرة الأولى أن يتحملوا هذا الكم من الإهمال في الطرق والبنى التحتية والنفايات وغيرها من الملفات. لقد جعلوا الدائرة الأولى بورة خلفية لبيروت. لذا نطالب بمجلس بلدي محلي لبيروت الأولى. وذكر في أكثر من تصريح أن "ثمة غياباً تاماً لبلدية بيروت في الدائرة الأولى. وأكبر دليل أنها لم تهتم إطلاقاً بعد انفجار المرفأ"، معتبراً أن "الاستنسابية غير مقبولة".
باختصار، يقول حاصباني إن الصلاحيات بيد رئيس المجلس مطلقة، وليس هناك من نظام داخلي لعمل مجلس البلدية. وهي لا تهتم ولم تهتم بأحياء بيروت المسيحية، وخصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت. ولذلك فإن أهالي المنطقة غير قادرين على التحمل بعد الآن. ولذلك، وجب انتخاب مجلس بلدي لدائرة بيروت الأولى لكي يهتم بهذه الأحياء عن قرب!
في الواقع، فإن كلام النائب حاصباني يحمل نسبة كبيرة من الحقيقة، لكنها ليست كل الحقيقة، بل نصفها المشوه والمغيب.
والحقيقة الفعلية أن ليست دائرة بيروت الأولى التي تشعر فقط بالإهمال وانعدام الخدمات وتراجع البنية التحتية والاهتمام المناسب، بل كل مدينة بيروت تعيش الآن هذا الواقع المرير، بسبب غياب وإهمال البلدية ومجلسها الحالي، وفشل رئيسها وأسلوبه، الذي نجح في تحقيق إجماع على فشله من أغلب الأطراف. كما أن أغلب المشاريع التي طرحها وأثارها المجلس الحالي وعمل على تنفيذها، خرجت منها روائح كريهة، وأثيرت من حولها أسئلة مشبوهة متعددة.
لكن هذا النصف من الحقيقة الذي ينطلق منه النائب حاصباني، أي إهمال دائرة بيروت الأولى لا تبرر النتيجة التي خلص إليها أو الاستنتاج الذي توصل إليه وطرحه للعلاج؟ والذي يشكل في المحصلة تنصلاً من جوهر فكرة النائب الذي يتطلع لخدمة كل الوطن، والباحث عن مصلحة بلده ورفاه ومستقبل ناخبيه. كما تشكل استخفافاً بذكاء الرأي العام وأهالي بيروت والشعب اللبناني عامة.
النائب حاصباني يقول ببساطة: أنتم فشلتم وأهملتم الأحياء المسيحية، ولذلك نحن نريد مجلساً يمثلنا فقط، ويهتم بنا وبشؤون مناطقنا، من دون أن يتوقف عند انعكاسات هذه التوجهات وطنياً على تركيبة حساسة وهشة اجتماعياً وطائفياً، بعد التجارب الأليمة التي مر بها لبنان في سنوات الانقسام.
الأسباب التي ساقها النائب حاصباني نصفها صحيح، لكنه أهمل النصف الثاني الذي يقول أن كل المجلس البلدي فاشل، ويجب إعادة النظر بكل تجربته. وبما أن النائب حاصباني ضليع في مشاريع التطوير والتحديث، أليس من الأكثر إفادة لبيروت وأهلها الانصراف مع النواب الجدد والمجلس الجديد لتغيير كل التركيبة القانونية الحالية والبلدية، التي تعنى بمدينة بيروت، لجهة تطوير قوانينها وأنظمتها وتركيبتها انطلاقاً من الصيغة العجيبة المعمول بها، التي تسلط المحافظ الموظف بالتعيين على مجلس منتخب من سكان المدينة وغيرها من القوانين القديمة المتخلفة؟
الصيغة التي طرحها ويطرحها النائب حاصباني تناقض من حيث المنطلق وظيفة النائب الذي يمثل الأمة جمعاء حسب الدستور إلى تمثيل أحياء من المدينة، بتطلعات وأساليب شعبوية رخيصة تنعدم فيها الرؤية الطليعية التي تليق بعاصمة منكوبة مخنوقة ومحرومة تتطلع للانطلاق نحو النمو، بعد خيبة وخذلان وتدمير.
شخّص النائب حاصباني المشكلة بشكل مشوه وذهب إلى استنتاجات أكثر تناقضاً وتشويهاً وضعفاً. المشكلة الحالية الواقعة في العاصمة يجب أن تكون منطلقاً لتطوير ما هو متخلف وإزاحة ومحاسبة من هو مقصّر ومختلس، وانتخاب من هو الأصلح وفي المكان المناسب، من أجل الوصول إلى مجلس بلدي لكل بيروت بكل دوائرها من الشرق إلى الغرب، مروراً بالرميل والمدور وساحة أبو شاكر وصولاً إلى زاروب الطمليس.
نحو تغيير كل التركيبة القانونية الحالية والبلدية، التي تعنى بمدينة بيروت (الأرشيف، خليل حسن)
تعليقات: