عائلات ومشايخ يفضلون تزويج البنات لمغتربين.. ونفقة الطلاق بالليرة!

نسبة عقود القران انخفضت كثيرًا بعد عام 2019 (Getty)
نسبة عقود القران انخفضت كثيرًا بعد عام 2019 (Getty)


لعقود طويلة خلت اعتبر مهر العروس من التقاليد اللبنانية التي تبرز قيمة المرأة وأهلها، فيحدد المهر حسب العادات والتقاليد السائدة في كل حقبة اجتماعية: من قطع أرض في أزمنة خلت، إلى ليرات ذهبية، وصولًا إلى مبالغ مالية بالليرة اللبنانية وبالدولار. وكانت المفاخرة بالمهور من تقاليد العائلات وعاداتها. أما اليوم أثناء تخبط اللبنانيين في أسوأ أزماتهم الاقتصادية والمالية منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وتهاوي الليرة اللبنانية وشحّ الدولار، فقد تهاوت تلك الأعراف والتقاليد ونمط العيش، ومنها مهر الزواج.

عائلات كثيرة أجبرت على خفض قيمة مهور بناتهن، أو ما يعرف بالشرط الذهبي للزواج. فتخلت عنه مخافة عنوستهن وبقائهن حملًا ثقيلًا على أهلهن في أوساط اجتماعية واسعة محافظة، وفقدت مداخيلها ومدخراتها. وهكذا يهدد تراجع معدلات الزواج الحياة الاجتماعية في لبنان، بسبب الأعباء المادية والتكاليف المجحفة المفروضة على الشبان الراغبين في الزواج.

انخفاض عقود القران وقيمتها المادية

يؤكد الشيخ أحمد يزبك لـ"المدن"، أن نسبة عقود القران انخفضت كثيرًا بسبب الأزمة الإقتصادية. ففي بداية عام 2019، كان الشيخ الواحد يقوم بتزويج أكثر من 20 شابًا خلال الشهر الواحد. وانخفض هذا العدد إلى زواجين أو ثلاثة في الشهر الواحد. وكلفة المهور اختلفت عن السابق وتحولت من الدولار إلى الليرة. سابقًا كان يعقد الاتفاق بين أهل العروسين على مهور مالية مرتفعة، تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 70 ألف دولار، أو إلى أكثر من 150 ليرة ذهبية تساوي 63 ألف دولار. وغالبًا يقدم العريس شقة سكنية للعروس في حال وقوع الطلاق. أما اليوم فيدهم الخوف الشبان اللبنانيين الراغبين في الزواج، جراء تكبدهم هذه التكاليف الكبيرة، حتى وإن كانت شكلية.

ويضيف يزبك أن عقود الزواج التي أجراها خلال هذه الأزمة، حددت فيها المهور بالليرة اللبنانية ولم تتعد 100 مليون ليرة. والتي سجلت بالدولار الأميركي كانت لفئة المغتربين، ولكنها لم تتجاوز 5 آلاف دولار. وهذا يعني أن بعض اللبنانيين "صاروا يسترخصون بناتهم". ويقول الشيخ أن عائلات كثيرة عزفت عن وضع مقدم مادي لتزويج بناتها، فيصرّ هو قبل البدء بعقد القران على تقديم أي شيء مادي أو الاكتفاء بليرة ذهبية واحدة. وفي معظم عقود الزواج الحالية، يكتفي العريس بتقديم نسخة من القرآن الكريم وتحديد مبلغ مادي بالليرة اللبنانية كمؤخّر. واللافت أن رحلة الحج والعمرة كانت من أساسيات مهر العروس، لكن اليوم تم التخلي عنهما بعد أن وصلت كلفتهما إلى أكثر من 350 مليون ليرة.


إكرامية الشيخ وتفضيل المغتربين

إلى جانب تقاليد المهر، حثت الأعراف على إكرام الشيخ بمبلغ مادي بعد عقد القران، وخصوصًا في قرى الجنوب اللبناني والبقاع تحديدًا. حيث كان يتم اختيار الشيخ تبعًا لمواصفات عدة، أهمها نفوذه السياسي ومكانته الاجتماعية. فيتم التفاخر باسم الشيخ ويقدم له مبلغ مالي بالدولار، يختلف بين شيخ وآخر. فمنهم من كان يكتفي بمبلغ متواضع يحدده العريس. وبعض المشايخ كانوا يشترطون على العريس أن يحصلوا، لقاء عقدهم القران، على مبلغ لا يقل عن 400 دولار، ويصل إلى 5 ملايين ليرة، أي حوالى 3400$ آنذاك.

أما اليوم فيهات أن يحصل شيخ على مئة أو 150 دولار، إكرامية عقده القران. لكن كثرة من المشايخ صاروا يتحينون فرصة عقد قران نساء على رجال مغتربين، فيرفعون الإكرامية إلى 500$ ينالونها من العريس المغترب الكريم.


طلاق على السعر الرسمي للدولار

وتعالت صرخات النساء في أروقة المحاكم الشرعية بعد مطالبتهن بالحصول على كامل حقوقهن، كما نصت عليه عقود زواجهن. وذلك بعد أن سمحت المحاكم الشرعية ودوائر تنفيذ القرار في العدلية للزوج بدفع مؤخر زوجة الطليقة أو نفقتها على سعر الصرف الرسمي.

وبرّر ذلك مصدر في المحكمة الجعفرية، بأن الشرع يحكم للمرأة بمهرها كما هو. فإن كان ذهبًا على الزوج تقديمه ذهبًا. وإن كان بالدولار أو الليرة اللبنانية على الزوج الالتزام بهذا المبلغ كاملًا. لكن المشكلة هنا ليست في صدور الأحكام من المحكمة الجعفرية، إنما في تنفيذ القرار المستند على قانون النقد والتسليف الذي لا يزال على السعر الرسمي المحدد من قبل حاكم مصرف لبنان، وهو 1507 ليرة للدولار. وهذه مشكلة قانونية وليست شرعية.

من جهة أخرى، يضيف المصدر أن المحكمة الجعفرية لا يمكنها إجبار الزوج على دفع المهر بالدولار. وما أن يلفظ الزوج أنه عاجز على دفع هذا المبلغ بسبب أوضاعه الاقتصادية، فإن المحكمة تتعاون معه لتقسيط هذا المبلغ على سنوات. كذلك الأمر في ما يخص نفقة المطلقات. فالمحكمة تلتزم بالمبلغ الذي يستطيع دفعه الزوج شهريًا.

فإذا كان مؤخر الزوجة 40 ألف دولار على سبيل المثال، يدفع المهر على سعر الصرف الرسمي، أي 60 مليون ليرة التي تساوي اليوم 2140 $. وإذا طلب الزوج تقسيط هذا المبلغ، وأخبر القاضي أنه لا يستطيع يقدم سوى 600 ألف ليرة شهريًا، فلا تستطيع المحكمة إجباره على تخصيص مبلغ إضافي لطليقته.


ضحايا المحاكم الجعفرية

عقد قران هلا. ف. في بداية سنة 2019. وحدد مهرها بنسخة من القرآن الكريم وطقم من الذهب. أما مؤخرها عند الطلاق فحدد بـ10 آلاف دولار. وسجل هذا الزواج في المحكمة الجعفرية. ولما قرر الزوج الانفصال عن زوجته في بداية 2022 بلا أسباب واضحة، لجأت إلى المحكمة التي سمحت للزوج دفع المؤخر بالليرة اللبنانية: 15 مليون ليرة لبنانية تساوي اليوم حوالى 500 دولار. وتقول هلا إن "الاستنسابية منتشرة في أروقة المحكمة بين القضاة. علمًا أنني أخبرتهم أن أحوال زوجي المادية ميسورة. وهو مغترب. لذا طالبتهم بكامل حقوقي. لكنه أكد للقاضي أنه لا يملك 10 آلاف دولار، ويريد تقسيط المبلغ بالعملة اللبنانية على دفعات. ورضيت المحكمة بذلك.

وفي حديث "المدن" مع سارة م. (27 عامًا)، وهي ضحية أخرى في المحاكم الجعفرية. تبين أنها عقدت خطوبتها عام 2017 وسجلت عقد زواجها في المحكمة قبل زفافها. وقررت الانفصال عام 2019 قبل شهرين من تحديد موعد زفافها، بسبب تراكم مشاكلها مع قرينها. ولجأت إلى عدد من الشيوخ لمساعدتها بعد رفض الزوج تثبيت الطلاق. وبعد جلسات مع رجال الدين والقضاة أخبروها أنها لن تحصل على طلاقها إلا إذا أثبتت للمحكمة أنها تعرضت للضرب أو الأذية. وإلا فهي ملزمة بدفع مبلغ مادي للزوج يسمى "تعويض عن الأذى النفسي". وشرح لها شيخ أن هذا التعويض حُدّد أيام الرسول الأكرم عند فضّ أي معاهدة بين شخصين. فطلب زوجها مبلغ 50 ألف دولار الذي لا تملك منه شيئًا. وأجابها الشيخ أن زوجها أخبره أن والدها يملك "بيتًا وسيارة" ويمكنها بيعهما لتسديد هذا المبلغ. وبعد عامين من اللجوء إلى المحاكم، ثبت طلاقها عام 2021 بعد دفعها 5 آلاف دولار و8 ملايين ليرة لبنانية، والتنازل عن طقم الذهب وتقديم جهاز العروس كاملًا مع الهدايا المقدمة من الزوج وعائلته. وقد أرغمت على دفع كامل تكاليف الطلاق في المحكمة الجعفرية.

تعليقات: