شاحنة تعبر قرب الاسلاك الشائكة في العديسة
يقوم فريق مؤلّف من نحو 90 عنصراً بنبش حقول بلدة العديسة وتلالها، في مهمة متواصلة تهدف إلى تحرير أكثر من 2500 دونم من رجس الألغام. الفريق الذي بدأ عمله قبل ثلاثة أسابيع، بعد عرقلة إسرائيلية، يتوقع أن ينجز عمله نهاية الصيف الجاري. وينتظر الأهالي الموعد ليعودوا إلى أراضيهم التي حرموا منها لعقود
ثمانية أعوام مرّت على تحرير الجنوب قبل أن تقرّر قوات الأمم المتحدة المساهمة في تحرير هذه الأراضي من آلاف الألغام التي زرعها جنود العدو الإسرائيلي على طول حدود بلدة العديسة المحاذية لمستوطنة مسكاف عام.
وقد بدأ فريق من منظمة «باكتيك» العمل في الحقول الشاسعة المطلّة من الجنوب ومن الجنوب الغربي على وسط العديسة بعدما كان الإسرائيليون قد أعاقوا مشترطين بدايةً من خلال التفاوض مع الطوارئ وفريق الألغام أن يكون عناصر الفريق الذي سيزيل الألغام، كما المشرفون عليهم، من غير اللبنانيين. ليوافقوا لاحقاً على وجود لبنانيين، لكن في الصفوف الخلفية، نظراً لاقتراب الحقول من المستعمرة أو إشرافها على بيوتها. ويتشكل الفريق، العامل بتمويل كندي، من عناصر من زيمبابوي وجنوب أفريقيا، ويصل عدد عناصره اللبنانيين إلى أقل من النصف.
الفريق قسّم المنطقة إلى مربعات بحسب الأبجدية، متوقعاً الانتهاء من مهمته أواخر الصيف، وخصوصاً بعدما برزت مشكلة كبيرة «تمثلت بالعدد الهائل للألغام التي زرعها العدو الإسرائيلي في عام 1978 ثم بعد عام 1980، بعدما خرج الإسرائيليون إلى أبعد من الأسلاك الشائكة القديمة، إذ إن الحقل الذي يتسع لنحو خمسين لغماً بالمفهوم العسكري زُرع بأكثر من 150 لغماً، وقد أزال الفريق في أقل من ثلاثة أسابيع نحو 733 لغماً، بينما يفوق العدد المتوقع الثمانية آلاف لغم ضد الأفراد» بحسب رئيس بلدية العديسة المحامي أسامة رمال.
ومن العقبات الأخرى التي تواجه عملية التنظيف، بحسب رمال، «الخط العملي الآخر» الذي يحاول العدو الإسرائيلي تكريسه خارج الخط الأزرق الوهمي، بعدما وضع «بلوكات» بعيدة نحو 10 أمتار عن الخط الأزرق، وقرر أن الاقتراب إليها أو إلى داخلها محرّم: «يعني جعل العدو لنفسه حدوداً أخرى، غير تلك التي رسمها الخط الأزرق ويريد منا أن نلتزم بها، وهذا لن يحصل، فبعد الانتهاء من الحقول القريبة من البلدة، سوف نطلب إلى الطوارئ إزالة هذه المعوقات كي يتسنى للفريق تنظيفها وبالتالي استعادتها».
وكانت بلدية العديسة قد بدأت بعد عام من التحرير، التفاوض مع الأمم المتحدة من خلال قواتها العاملة في الجنوب، وتحديداً مع الناطق الرسمي باسم هذه القوات تيمور غوكسيل، في شأن تحرير أراضي العديسة من الاحتلال الآخر (الألغام). ويجدر التذكير هنا بأن بعض أراضي العديسة لا تزال محتلة منذ الانتهاء من عملية ترسيم الخط الأزرق، وبقاء عدد من النقاط الحدودية عالقة بين الطرفين، وهي نقاط كان الإسرائيليون قد توسّعوا إليها من مستعمرة مسكاف عام في السنوات التي سبقت عام 1978؛ ولعدم بتّ أمرها نهائياً، بسبب اعتراض الفريق اللبناني الذي كان مولجاً رسم الخط الأزرق مع الأمم المتحدة، صنفت تحت بند «نقاط عالقة».
بعد عام 2002 حاول جنود الكتيبة الهندية العاملة في إطار قوات الطوارئ البدء بعملية إزالة الألغام، ولم يوفّقوا، بسبب ضعف خبرتهم ومعدّاتهم، فأوكل الأمر إلى جنود الكتيبة الأوكرانية. بيد أن العقبات الميدانية، وفي طليعتها عدم توافر خرائط الزرع التي لم يكن الإسرائيليون قد أفرجوا عنها، والمراوغة التي كان يمارسها الإسرائيليون هناك من خلال التفاوض مع «الطوارئ»، فضلاً عن الحجم الكبير للألغام جعل المهمة تتجمد «حتى إشعار آخر».
وإذ حاولت كتائب الأمم المتحدة تقديم العديد من المشاريع لأهالي بلدية العديسة «كتعويض» مقابل عدم تحركهم ضد قوات الطوارئ الدولية في موضوع تحرير الأراضي الملغّمة، إلا أن الأهالي ورئيس البلدية لم يستكينوا، وجعلوا هذا الأمر من الأولويات وقاموا بالمراسلات والزيارات وتقديم تقارير مفصّلة عن الجدوى المعنوية والاقتصادية لتحرير هذه الأراضي التي حرم نحو 70 ملاكاً ومزراعاً من الاستفادة منها، عشرات السنين «عدا عن مشاعات البلدة، وبالتالي هم يستحقون الكثير من التعويض، الذي يفترض على الدولة اللبنانية أن تفرضه على العدو الإسرائيلي من خلال الأمم المتحدة»، يقول رمال.
ويؤكد رمال «أننا سوف ندخل إلى هذه الأرض شبراً شبراً، خلف فريق تنظيف الألغام وجنود الأمم المتحدة بعد تنظيفها، وسنجعل لذلك مناسبة وطنية نحتفي بها في العديسة».
وفي هذا الإطار يلفت المواطن محمد جواد جعفر إلى أن أقاربه «حرموا من الدخول إلى أراضيهم الزراعية في محلة العواجة والقصاعي منذ عام 1978، وهي نحو 65 دونماً مزروعة بالكرمة والزيتون والتين والأشجار المثمرة قبالة مسكاف عام. منذ ثلاثين سنة ولا يمكن لنا استثمار هذه الكروم في مرج الغزلان والقصعة والعوجة، ولم نتمكن بعد التحرير من الوصول إليها بسبب كثرة الألغام. وقد ذهبت مع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الخط الأزرق، العميد الركن أمين حطيط، والمختار السابق للبلدة حيث رسمنا إشارة الحدود هناك، وهي المرة الوحيدة التي شاهدت فيها هذه الأرض ولم نتمكن بعدها من العودة إليها».
وفي بقعة قريبة من العديسة، تم تنظيفها من الألغام، بدأت ورشة بناء لتؤكد على رغبة الأهالي في استعادة حقوقهم وتحرير أرضهم، بانتظار أن تتحرّر نهائياً من الألغام، نهاية هذا الصيف.. «إن صدقت الوعود»؟
تعليقات: