البحث عن الياس سركيس جديد

العين على رئيس من خارج الاصطفافات، أعزل إلا من أخلاقه (Getty)
العين على رئيس من خارج الاصطفافات، أعزل إلا من أخلاقه (Getty)


بدأ البلد رحلته الشاقة للبحث عن رئيس للجمهورية المتهالكة، ليشغل قصر بعبدا لست سنوات عجاف مقبلة، على ما تشير إليه الوقائع والمؤشرات الاقتصادية والسياسية.

ومع ذلك، يدغدغ المنصب الأول أحلام كثر من السياسيين الموارنة أو من رجال أعمال واقتصاد على تماس مع السياسة.


حروب الطامحين

وتواصل القوى السياسية صراعاتها وشدّ حبالها وعينها على الاستحقاق الرئاسي، منذ ما قبل الانتخابات النيابية، وأثنائها طبعاً، وصولاً إلى الربع ساعة الأخير.

يعرف الجميع، ويتواطؤون، على أن اسم الرئيس العتيد غالبا ما "يُوحى" به من الخارج. تحمله ظروف إقليمية وتقاطعات سياسية-مصلحية دولية، تنعكس على توازن القوى الداخلي، أو تفرضه.

ومع ذلك، بدأ البحث في الأسماء وتوزيع السيناريوهات المحتملة، وسط ضبابية تحيط باسم الرئيس الآتي، ضبابية لا تمنع "حروباً" صغيرة و"حرق" أسماء يخوضها متنافسون طامحون وحالمون.

في خضم هذا المشهد، بكّر البطريرك بشارة الراعي بالتشديد على وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية مع بداية المهلة الدستورية، أي في اوائل أيلول. ومنذ أشهر، باشر بتحديد مواصفات الرئيس المفترضة. ومرّة تلو أخرى، صار يبلور أكثر فأكثر ملامحه المنشودة.


مواصفات الراعي للرئيس العتيد

في نيسان الماضي طالب الراعي برئيس "يعمل على تحديثِ علاقاتِ المكونّاتِ الميثاقيّةِ في ظل دولة قادرةٍ على استيعاب التعدّديّةِ واحتضانِ الجميع في نظامٍ لامركزيٍّ موسّع. ويعمل ساعيًا على أن يتوحّد الولاءُ، ويُلتزَم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلةِ على وطنِنا ومجتمعِنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان".

وبديهي، استناداً إلى إرث بكركي وخطابها أن يطالب الراعي بأن "يصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيزِ استقلالِ لبنان وسيادتِه وهُويّتِه الأصيلةِ من خلالِ شرعيّةٍ ملتزِمةٍ بالدستورِ والميثاق".


كان ذلك قبل الانتخابات النيابية التي قرأ البطريرك جيداً نتائجها، تحديداً في البيئة المسيحية.


لا لـ"الأقوياء"

في 23 حزيران حدّد الراعي مواصفات جديدة وضعت رؤساء الأحزاب وأعضاءها خارج شروط بكركي. طالب برئيس جمهورية "حرّ وغير مرتبط بأحد لا عائلياً ولا حزبياً، وعلى معرفة بالقضايا اللبنانية والإدارة اللبنانية، ومعروفاً من المجتمع اللبناني، رجلاً يعرف الدولة ويعرف الإدارة وله تاريخ ناصع".

تغاضت الأحزاب المسيحية عن هذا الكلام، فيما نزل "برداً وسلاماً" على كل موظف أو مدير عام أو مستشار مارونيّ مرّ على الإدارة والدولة.

وعاد الراعي ليؤكد الأحد المنصرم في 10 تموز ضرورة "انتخاب رئيس متمرس سياسياً وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرد، رجل دولة حيادي في نزاهته وملتزم في وطنيته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكل تحدياً لأحد، ويكون قادراً على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية".


من أين نأتي بمثل هذا الرئيس؟

يتفق معظم اللبنانيين على الصفات التي وضعها الراعي للرئيس، لكنهم يتساءلون من أين نأتي بمثله وسط انقسامات دامت سنوات تموضع فيها الجميع في اصطفافات محددة؟


أين يمكن أن نجد الياس سركيس جديد؟ منزّه، خبير في الإدارة والاقتصاد والنقد؟ لا ينتمي إلى حزب، ولا يخجل مستقبله من ماضيه. رجل لا يريد شيئاً لنفسه فعلاً لا قولاً. "قويّ" بأخلاقه وقدرته على محاورة الجميع.

رجل دولة يده من حديد حين يتعلق الأمر بالثوابت، وقفازاته دائماً من حرير للحوار ومدّ الجسور.

رجل كالياس سركيس لا يحب الشعبوية. شارك فؤاد شهاب ببناء المؤسسات. عمل بجدّ على إعادة هيكلة المصارف بعد أزمة انترا، واشترى الذهب يوم كان حاكماً لمصرف لبنان.


من أين نأتي بالياس سركيس يعيد للرئاسة وقار الموقع وترفّعه؟


أعزل إلا من أخلاقه

انتخب الياس سركيس في إحدى أصعب مراحل لبنان. جاء وحيداً وأعزلَ إلا من أخلاقه ومن إرث شهابي راسخ. لكنه لم يكن ابن "المؤسسة العسكرية" كشهاب، ولم يكن زعيماً ككميل شمعون ولا حتى وريثاً مباشراً لشهابية "متأنقة" كشارل حلو في فترة ازدهار وبحبوحة. وبديهي، أنه لم يكن محاطاً بالأصهار كرؤساء ما بعد الطائف.

باختصار، لم يكن أحد متحمساً لسركيس ولا كثير الإعجاب به. لم ينصفوه إلا بعد وفاته.

فهل من يشبه سركيس اليوم ومستعد لرئاسة جمهورية الإنهيار، وما تتطلبه من خيارات موجعة ومصيرية؟

يقول الراعي"تقتضي ظروف البلاد أن يتم انتخاب هذا الرئيس في بداية المهلة الدستورية لا في نهايتها ليطمئن الشعب وتستكين النفوس وتنتعش الآمال".

حتى اليوم يبدو من الصعب أن يحمل أيلول بشارة للراعي وللبنانيين.

تعليقات: