انتهى العيد: عودة إلى جحيم البحث عن ربطة خبز

الوقوف أمام الفرن مجازفة خطيرة: إطلاق رصاص وعراك وفوضى (مصطفى جمال الدين)
الوقوف أمام الفرن مجازفة خطيرة: إطلاق رصاص وعراك وفوضى (مصطفى جمال الدين)


ما إن انتهى عيد الأضحى في طرابلس، حتى تعالت أصوات الرصاص في ضواحيها ليلًا على خلفية أزمة شح الخبز في الأفران والمحال التجارية. لكن، وفي مشاهدات عيانية، يتحدث كثيرون عمّا يصفونه بـ"سلوك الزعران" وعلى خصرهم السلاح، الذين يفتعلون التوتر والفوضى قصدًا، بعد تسللهم بين طوابير المواطنين المتعبين من ساعات الانتظار طلبًا لربطة خبز واحدة.

هذا ما حصل مساء الثلاثاء في المنطقة البداوي أمام أفران الريداني، وهو واحد من أكبر أفران الشمال الذي يعمل 24 ساعة متواصلة. إذ شهد إشكالًا كبيرًا على خلفية فوضى افتعلها مجموعة من الشبان، قاموا باقتحام الفرن والعبث بمحتوياته، كما أطلقوا الرصاص عشوائيًا ما أدى لسقوط 3 جرحى.

والحادث الذي أدى إلى إغلاق الفرن أبوابه، انسحب على مختلف أفران الشمال التي تشهد أمام أبوابها توترات متقطعة، وأضحى الوقوف أمام الفرن وفق وصف أحد المواطنين بـ"المجازفة الخطيرة"، خصوصًا أن الاشكالات واطلاق الرصاص قد ينشب بأي لحظة.

وفي جولة ميدانية الأربعاء، أغلقت معظم الأفران أبوابها على خلفية شح مادة الطحين، في حين شهدت الأفران التي عملت في ساعات الفجر الأولى طوابير طويلة، نتيجة تزاحم المواطنين عليها، للحصول على ربطة أو ربطتي خبز على الأكثر.

أما محال السوبرماركيت، فقد شحت كليًا من الخبز العربي، واقتصرت واجهاتها على عرض كميات قليلة من خبز التنور والفرنجي بأسعار مرتفعة أيضًا. ومن كان لديه ربطات خبز عربي يبيعها بضعف سعرها الرسمي، بحجة شح الكميات. وداخل إحداها، يقول رجل مسن لـ"المدن": "أتنقل من محلٍ لآخر بحثًا عن ربطة خبز ولا أجدها، لأنني غير قادر على الوقوف في الطابور، وإن وجدت واحدة تكون غير طازجة وبما لا يقل عن 25 ألف ليرة".

والوضع في مناطق أخرى ليس أفضل حالًا. في بيروت مثلًا، يتمكن المواطنون من الحصول على الخبز لكن سرعان ما تنفد الكميات عن الساعة 12 ظهرًا على أبعد تقدير. وفي البقاع، تفيد معطيات "المدن" أن الخبز متوفر بكميات قليلة جدًا، وكل فرد يقف بالطابور أمام الأفران، ولا يستطيع الحصول على أكثر من ربطة خبز واحدة.


أين الخبز؟

هذا الواقع الميداني، تنفي مخاطره السلطات الرسمية باعتبار أن الطحين متوفر بكميات طبيعية في لبنان. وتفيد معطيات "المدن" أن بعض المطاحن الكبيرة لا تقوم بتسليم حصة الطحين كاملة للأفران. ورغم كل الوعود بحلحلة أزمة الخبز، على المستوى الاعتمادات المادية في مصرف لبنان وعلى مستوى عمليات التوزيع للأفران وآليات البيع، غير أن المشكلة تتعاظم من أسبوع إلى آخر، وسط استمرار بعمليات الاحتكار واستغلال الناس لكسب الأرباح على حساب معاناتهم.

وقال ئيس نقابة أصحاب المطاحن اللبنانية أحمد حطيط الثلاثاء، إن لبنان سيتسلم 35 ألف طن من القمح من أوكرانيا وروسيا هذا الأسبوع، في خطوة قد تخفف مؤقتا مشكلة نقص القمح في البلاد. وللتذكير، يستورد لبنان كامل حاجته من القمح سنويا بمعدل نحو 600 ألف طن، 60% من أوكرانيا، ونحو 20% من روسيا ورومانيا.

وسبق أن اعترف وزير الاقتصاد أمين سلام أن أزمة الخبز في لبنان هي رهن عمليات الاحتكار والتهريب إلى سوريا، إلى جانب تحميل اللاجئين السوريين أزمة استهلاك نحو 40% من كميات الخبز في لبنان.

ورغم ربط سلام حلحلة جزء كبير من الأزمة بصرف قرض البنك الدولي الذي حصل عليه لبنان بقيمة 150 مليون دولار لدعم استيراد القمح، لكن حتى الآن لم يبصر هذا الحل النور، وينتظر اجتماع مجلس النواب لإقراره.

وتشير المعلومات إلى اجتماعات متواصلة يجري عقدها اليوم الأربعاء، في وزارة الاقتصاد بحثًا عن حلولٍ ولو آنية للأزمة.

وإلى ذلك الحين، سيبقى اللبنانيون رهن المحتركين والمهربين والسوق السوداء في كل مرة يتوجهون فيها لشراء ربطة خبز، خصوصًا أن توفر الطحين بكميات اعتيادية وكبيرة لم يعد شرطًا كافيًا لحلحلة الأزمة في بلد تحكم الفوضى ومافيات الاحتكار والتهريب.

تعليقات: