هل يستأنف لبنان تنفيذ أحكام الإعدام؟

باسمة عباس وبناتها الثلاث، ضحايا جريمة أنصار
باسمة عباس وبناتها الثلاث، ضحايا جريمة أنصار


في الأسبوع الماضي، شهد قصر العدل وقفتين طلباً لمحاسبة الجناة في أكبر جريمتين هزتا المجتمع اللبناني هذا العام. وفيما هتف أهالي ضحايا جريمة أنصار "ما بدنا إلا الإعدام" لقتلة باسمة عباس وبناتها الثلاث، طالب المعتصمون من نواب تغييريين وناشطين وجمعيات حقوقية، بإنزال "أشد العقوبات" بحق العسكري المتقاعد إ.ض، المشتبه في اغتصابه ما لا يقل عن 20 طفلاً في بلدة القاع، في وقت دعا فيه ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة تنفيذ أحكام "الإعدام" في لبنان "منعاً لتكرار جرائم بهذه الوحشية".

ويأتي رفع شعار "السلطة تحمي المغتصب وتبرر قتل النساء"، على وقع "تستر" مرجعيات سياسية ودينية على مغتصب القاع، مقابل تلكؤ القضاء في إيجاد عائلة أنصار بعد شهر على اختفائها.

والحال ان تلكؤ وإضرابات قضائية وتصاعد الفلتان الأمني على وقع الأزمة الاقتصادية، جعلت مؤيدي أحكام الإعدام، يؤمنون بأنها السبيل الوحيد لمنع تصاعد وتيرة الجريمة، فيما فقد آخرون إيمانهم الكلي بالعدالة من داخل المؤسسات، مبشّرين باقتراب مرحلة "أخذ الحق باليد".


زيادة الجرائم بنسبة 101%

أرديت باسمة وبناتها قتلى بسلاح صيد قرب مغارة في خراج أنصار حيث خبئت جثثهم. أشهر مرت على الحادثة، وما زالت تفاصيلها المروِّعة، تروى، كمثال عن ارتفاع وتيرة الجريمة في لبنان، التي، ووفق "الدولية للمعلومات"، ارتفعت بنسبة 101% مطلع العام 2022، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.

واصطدم والد البنات المفجوع، بعقلية مجتمعية ذكورية تعطي تبريرات لقتلة النساء. عقلية، لم يسلم منها القضاء الذي تباطأ في البحث عن البنات وأمهنّ، تصوراً منه بأنهنّ هاربات بإرادتهنّ... ليتبيّن أنّ أحد أسباب المطالبة بحكم الإعدام، هو التصعيد بوجه القضاء نفسه، كضمانة للمحاسبة، بعد فقدان الثقة بحزم السلطة القضائية.


هول الجريمة

المحامي حسن بزي، قريب الضحايا، والمؤيد لحكم الإعدام، لا ينكر في حديثه لـ"المدن"، أنه "كان لجريمة أنصار دور أساسي بإعادة طلب تنفيذ حكم الإعدام في لبنان". فهي "مذبحة" لم يشهد مجتمعنا لها مثيلاً منذ سنوات لناحية فظاعة الجرم والتخطيط والتنفيذ، فهي مسّت المجتمع بأسره، فيما توالي الجرائم المروعة بعدها، من جريمة الدوير، الى القاع، ساهم في ارتفاع الأصوات المطالبة بالإعدام كـ"عقوبة رادعة".

ويرفض بزي اعتبار إعادة تنفيذ أحكام الإعدام "خطوة إلى الوراء"، فالنص القانوني "ينص على الإعدام، ونحن بالتالي نطالب بتطبيق القانون، فيما التنفيذ يتم بموجب مرسوم يوقع عليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير العدل، وبالتالي، فإن القرار سياسي للأسف، فالسلطة السياسية يدها على السلطة القضائية".


منعاً للثأر

ويشير بزي الى أن "المشرّع اللبناني نصّ على الإعدام بطريقة محددة ومحصورة، نظراً لفداحة الجريمة وخطورتها وشناعتها وآثارها في المجتمع"، ثم أنّ "هناك حالات قتل عديدة في القانون اللبناني لا إعدام فيها كالقتل غير العمد، وحتى القتل العمد"، بينما "من يقتل بدافع السرقة، من ينكّل بالجثة، أو يقتل عائلة بأسرها... هو قاتل أخذ وقتاَ طويلاً في التخطيط لمشروعه الجرمي، فتنطبق عليه أحكام المادة 549 لناحية مستوى التخطيط المسبق وشناعة الجريمة واحترافها".

والحقوقيون الرافضون للإعدام كعقوبة، ينطلقون من مبدأ الحق بالحياة للقاتل. هنا، يعلّق بزي: "كما هناك حق بالحياة للجاني، هناك حق بالحياة للضحية وقد سلبها الجاني هذا الحق"، مستغرباً رفض فكرة إعدام "قاتل لا إنساني، حرم الآخرين حياتهم بدناءة"، مستخلصاً أن "هناك جرائم لا يشفي الغليل فيها سوى الإعدام، لا بل أنه قد يكون رادعاً كذلك للثأر كردّ فعل، عندما لا تشعر عائلة الضحية بعدالة الأحكام المخففة".


توجه عالمي لإلغاء عقوبة الإعدام

تلفت المحامية ديالا شحادة في حديث لـ"المدن"، إلى أن قرار الإعدام، يستوجب إصدار مرسوم رئاسي، فالمادة 43 من قانون العقوبات، توجب عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة".

وفي بيان سابق لها، اعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن تجميد لبنان لتنفيذ الإعدامات هو "نقطة مشرقة في سجل الدولة الحقوقي"، عدا عن أنه إجراء يستقيم مع توجه عالمي بإلغاء عقوبة الإعدام.

في السياق، تقول شحادة: "صحيح أنّ لبنان ملتزم الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مع تحفظه على بنود عديدة منها، وبينها عقوبة الإعدام، لكنه يلتزم عملياً وفعلياً (لا رسمياً) بعدم تطبيق هذه العقوبة منذ نحو عقدين من الزمن، كما أن ثمة مشاريع قوانين عرضت في العقدين الآخرين لإلغائها.

وبرأيها، فإنّ عقوبة الإعدام ليست رادعة أكثر من عقوبة السجن، وخصوصاً في ظروف سجنية متردية مثلما هو الحال في لبنان. "فمن لا يردعه عن فعل القتل خطر السجن المؤبد في لبنان لا أعتقد أن خطر الإعدام سيردعه".


القضاء في مرمى الانهيار

وعن الخشية من الوصول لمرحلة "أخذ الحق باليد"، وهو ما حصل بالفعل مع المودع عبدلله الساعي منذ أشهر، تقول شحادة: "في أي دولة فيها اهتزاز للمؤسسات الدستورية وإحساس غامر بالمظلومية وعدم القدرة للوصول للحق بالطرق القانونية، يجنح المواطنون لاستيفاء حقهم بذاتهم"، فيما الرادع هو "تطبيق القانون وأن ينفّذ القضاء القانون بحرفيته". والمشكلة برأيها ليست بتسييس القضاء وحسب، "فالظروف الاقتصادية تعرقل سير المؤسسات العامة بما فيها القضاء".

من جهته، يرى بزي أن "بعض القضاة نزيهون، لكنّ الآخرين هم خدم للسلطة السياسية، ما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب ويحرّض على أخذ الحق باليد عندما يفشل القضاء في تحقيق العدالة.


لتحصين المجتمع

وجريمة القاع كشفت مغتصباً متسلسلاً، لتهزّ المجتمع اللبناني بأسره، لناحية وحشيتها. من جهته، المعالج والمحلل النفسي أنطوان شرتوني، لا يعتبر الإعدام قادراً على وقف التعديات الجنسية التي تُرتكب ضد الإنسانية والطفولة، فيما يعول على تثقيف المجتمع والأولاد لحمايتهم. وكذلك تفسير الانحرافات الجنسية، لمساعدة من يعانون منها على طلب المساعدة النفسية.

والإعدام هو "فشة خلق" للأهل، لكنه "ليس رادعاً للجريمة" برأيه، فالحل "لا يكون بالرد على العدوانية بعدوانية، بل بتحصين المجتمع من دوافع الجريمة".

الإفلات من العقاب... مقتل العدالة

بعد انفجار مرفأ بيروت، عُلّقت مشانق الزعماء -رمزياً- في الساحات، تعطشاً لتحقيق العدالة في جريمة العصر. في المقابل، تعرقل المنظومة التحقيق، فيما زيادة رواتب القضاة دون غيرهم اعتبرت "رشوة"، عمّقت الإحباط الشعبي حول استقلالية السلطة القضائية.

والمنظومة أفلتت من العقاب يوم إصدار السلطة عفواً عاماً عن جرائم الحرب، لتفتتح صفحة "إعدام" جماعي للشعب اللبناني، وتتوالى بحقه الجرائم دونما محاسبة.

وإعدام مجرم في قضية، لا يعالج اهتزاز الثقة بالمؤسسة القضائية، غير القادرة على المجرم "الأقوى"، فيما الرادع الحقيقي للجريمة يكون بتحرير السلطة القضائية، وإخضاعها جميع المجرمين والفاسدين للمحاسبة، تحقيقاً للعدالة.

تعليقات: