الهنود والأسبان بعد سنتين على اليونيفيل

صف اللغة الاسبانية في القليعة
صف اللغة الاسبانية في القليعة


»من ورا هداك الحرف بينزل هانيك هيك هيك هيك.. فيه طريق زفت للإسرائيليي بيجي على نصه.. بيضل طالع لعند المراقبين على المركز...«.

هذا هو الخط الازرق، بلهجة ماهر الشبعاوية. يحكي ويشير الى التلال أمامه. يرسم الراعي الصغير بإصبعه خطاً وهمياً يحفظه أكثر مما يحفظ أشكال الخطوط في كفيه، مع أن الخط ليس مرسوماً ولا محدداً بشريط شائك. هناك براميل زرقاء ترتفع على دعامات حديدية هي بمثابة نقاط تشير إلى خط الانسحاب الاسرائيلي العام .٢٠٠٠ معرفته بالخط ليست ترفاً. على الصبي أن يكون حذرا خلال تجواله خلف قطيع الماعز. لأن عبوره وماشيته بين برميلين يعني خرقاً للقرار .١٧٠١ ماهر، الجاهل بالقرار الدولي، تعلم بالتجربة أن جنودا لبنانيين وآخرين من الكتيبة الهندية سيحذرونه بالصوت أو بالصفارة إن هو أخطأ. الصبي يفكر قبل أن يجيب عن سؤال السن. يقول: »شي عشرة! تناعش هيك.. شو بيعرفني«. ساهٍ صاحب العينين الخضرواين، يعيش في طبيعة أخاذّة ولا يدري أن الخط الذي رسمه لتوه جلب الجيوش من أمم كثيرة لمراقبته وللحفاظ عليه.

ماهر الآن جالس في باحة منزله. حوله أشقاؤه وشقيقاته ووالده ووالدته. حليمة الصغيرة تقوم بواجب ضيافة القهوة للضيوف. الضابط بالبزة العسكرية يعرف هذه الوجوه الجميلة. الضابط الآتي من شبه القارة الهندية صديق للعائلة اعتاد على طعم قهوتها. ممنوع اصلا من المغادرة قبل شرب القهوة. هكذا، يمضي يومه في العمل وشرب القهوة. هو طبيب بيطري. يزور الاسرة غالباً من اجل معاينة رؤوس الماشية. فارس، رب الاسرة، يقول إنه لولا احترامه لهؤلاء الناس الطيبين، يقصد الهنود، لما امتنع عن اختراق الخط. »أرضنا يا أخي. قبل تموز كانوا معزياتي يطلعوا يرعوا وين ما بدهون. هلأ لا. يعني أنا مضطر روح اقعد بجبل راشيا؟«.

صداقة فارس للهنود تمنعه من اختراق الخط إذاً. لم ير من الجماعة إلا كل خير. إذا شعر بأن رأس ماشية مريض، لا يفعل إلا الاتصال بأحد ابناء قريته، اسامة زاهوري الذي يعمل مترجما مع الكتيبة الهندية، فيأتي الكولونيل او مساعده لمعاينة الماشية ووصف الدواء وإعطاء الإرشادات اللازمة. كل هذا مجاناً. لدى فارس من الأدوية ما يكفي ماشيته لعام كامل، وهي تخضع لمعاينة دورية وتأخذ ما تحتاج إليه من طعوم ضرورية. فارس ممتن لهذه الخدمة. كذلك الطبيب الهندي الذي يتحدث بحماسة شديدة عن عمله. يقول إن بعض الرعاة يخجل من ان يرسل في طلبه، مع أنه موجود هنا لهذا العمل، ويسعد كثيرا لكل مساعدة ممكنة في هذه النواحي. الرجل لا يخطئ في لفظ اسماء كل البلدات المحيطة بشبعا. عمل فيها كلها، يرافقه مترجم لبناني يساعده في محادثة الرعاة. يعلمهم الطبيب كيف يعتنون بماشيتهم أكثر، وكيف يشخصون الامراض. في هذه المنطقة »النائية« عن خدمات الدولة اللبنانية، يصير وجود طبيب كهذا نعمة. ليس وحده. الكتيبة الهندية تقدم خدمات طبية للناس. لديها طبيب صحة وآخر للأسنان يجولان طوال الأسبوع على القرى، وفي نهاية الاسبوع، يوم السبت، تقيم الكتيبة في مركزها الرئيسي في بلاط، القاعدة ٢ـ٤ يوما مفتوحا للمعاينات، ويأتي متخصصون لمعاينة المرضى. طواقم الأسنان التي تصنع لمن يحتاج من المسنين، وتقدم اليهم مجاناً، تبدو خدمة جليلة لمن يحتاج الى المال الكثير والذهاب الى خارج المنطقة للحصول على مثلها. الهنود لا يراقبون الخط الازرق فحسب، مع ان القاعدة التي يمكن رؤيتها من بيت فارس مخصصة لهذا الشأن الدولي.

[[[

في القاعدة التي تعلو تلة، يقف الضابط الشاب برتبة نقيب في غرفة زجاجية مطلة على الشريط الحدودي الشائك. هذه نقطة مراقبة للخط الأزرق. للغرفة على مستوى الخصر حافة خشبية وضعت عليها صور بعيدة وقريبة للنقاط المواجهة، وقضبان حديدية صغيرة يشير كل واحد منها باتجاه النقاط الزرقاء. مهمة هذا النقيب، ورجاله في المركز شبه المقطوع عن العالم، مراقبة الخط العزيز. ابن الخامسة والعشرين يشعر أن مسؤوليته عن هذه القاعدة تحد كبير له، ويبدو أنه مرتاح الى التحدي. كيف يمضي الوقت هنا؟ دوريات منتظمة ولقاءات مع الزوار اللبنانيين ورياضة وموسيقى. في غرفته الصغيرة ثمة غيتار يؤنسه ورفاقه، كما ان جهاز التلفزيون الموصول بصحن لاقط يبث القنوات الهندية المطلوبة لإبعاد الضجر. خدمة الضابط مع »اليونيفيل« ستستمر سنة هي عمر خدمة كتيبته في البلد البعيد. أما الجنود فيستبدلون في منتصف المهمة، أي بعد ستة أشهر.

في خلال هذه السنة، يمكن للكولونيل »بي كي سينغ« مثلاً ان يقع في غرام قرية مثل شبعا ويسحره كل ما فيها، ويكنيه ناسها باسم عائلة فيها، فيصير »بي كي حمدان«. »مثلنا«، يقول اللبنانيون عن الهنود، وكذلك يقول الهنود عن اللبنانيين. ما هو وجه الشبه بين هاتين الثقافتين؟ »نحن مثلكم نشعر بالإهانة إن جئتم لزيارتنا ولم تجلسوا الى المائدة«، يقول المايجور راكيش كوندالس، المسؤول الاعلامي في الكتيبة ممازحاً، لكنْ مصرا في الوقت نفسه على أن لا نغادر قاعدة شبعا من دون غداء. هكذا نجلس إلى مائدة الضباط لتناول الأطباق الهندية الحارة بخبز مدوّر يشبه خبزنا العربي. تختلط لغات ثلاث في المكان. العربية والهندية والانكليزية. شبه آخر بيننا وبينهم هو في الاواصر العائلية الشديدة. يقول كوندالس.

يشرح الخدمات التي تقوم بها الكتيبة: اقامة صفوف تدريس الانكليزية والكومبيوتر واليوغا. اليوغا؟ نعم، وهناك إقبال شديد على هذه الصفوف. ما ان ينتهي صف حتى يطلب الناس فتح صف جديد ويأتونا أحيانا من خارج منطقة عملنا.

هذه الصفوف التعليمية تنظم بناء على طلب اللبنانيين انفسهم. هكذا تقوم الكتيبة بسد حاجات المجتمع المحلي. تضع بين يديه، عبر هذه الصفوف، الحاجات الأساسية التي يقدر من خلالها أن يتابع وحده، إن في اليوغا او في اللغة الانكليزية او في صف تزمع الكتيبة على إقامته لتعليم مبادئ ميكانيك السيارات. وبما ان المهندسين موجودون، فلمَ لا؟ جهود مدنية هي بمثابة قيمة مضافة في جنوب الليطاني المهمل منذ يومه. الكتيبة الهندية مثل من أمثلة عديدة، فلكل كتيبة عاملة في جنوب النهر خدمات مدنية كهذه تختلف باختلاف قدرات دولتها. ماذا يسمي الهنود عملهم هذا؟ نشر لحضارة بلادهم؟ لا، يقول كوندالس، نحن لا نسعى الى نشر ثقافة بلادنا، وإلا رأيتنا مثلا نعلم اللغة الهندية. لكن التبادل الثقافي حتمي وعفوي. نحن نتعرف الى بلادكم وأنتم تتعرفون الى بلادنا من خلالنا. ضباطنا في مأذونياتهم يزورون المناطق اللبنانية كافة، وباتوا يعرفونها، كما ننظم رحلات سياحية جماعية للجنود، ونختلط بالناس. الأكيد ان كل هذا سيترك أثرا إيجابياً«.

ينتهي الغداء الشهي ونغادر قاعدة شبعا عائدين الى القاعدة الرئيسية في بلاط، حيث بوابتها شبه مفتوحة دائماً لاستقبال الجميع.

[[[

على تلة عالية في بلاط، تمتد »فور داش تو«، مركز قيادة الكتيبة. الاجراءات الامنية تصل إلى الحد الأدنى. على الزائر ان يصرح باسمه ورقم لوحة سيارته لدى مكتب يقع عند البوابة ثم يدخل إلى القاعدة. ما الذي يجيء باللبنانيين إلى هنا؟ بالاضافة الى الخدمات الطبية، ثمة من يأتي ليزور متجرا يبيع بضائع هندية تأتي التوابل في مقدمها. غير أن منظمة جابور في زيارتها الثالثة الى لبنان جعلت المكان مزدحما تماماً بالزوار ذوي الحاجات الخاصة. على مدى ايام عديدة، أقيمت ورشة كاملة لتركيب الأطراف الاصطناعية. أتى الناس في جماعات من كل المناطق اللبنانية. تنقسم خيمة كبيرة إلى ثلاثة أقسام، واحد للانتظار زود بالمياه الساخنة والأكواب والشاي والقهوة، وآخر محجوب عن العيون فيه طبيبة هندية تعمل مع النسوة، والثالث معمل الاطراف. فيه بضعة عمال متخصصين وعشرات الاطراف الاصطناعية وضجيج آلات العمل. الزوار نوعان، منهم من أتى سابقا وأخذ قياسات طرفه الاصطناعي، ومنهم من يأتي للمرة الاولى، تؤخذ قياسات طرفه المطلوب وينتظر إلى ان يعد له العمال طرفا اصطناعيا جديداً. ورشة لإصلاح ما تفسده الحروب البشرية غالباً. المنظمة، او المجتمع كما تسمي نفسها، هي غير حكومية، لا تميز في الدين والعرق والسياسة. تعمل منذ العام ١٩٧٥ على تركيب الأطراف الاصطناعية حول العالم. »قدم جوبار« يضعها أكثر من ١٦ الف ضحية ألغام ارضية في احدى وعشرين دولة. كلفتها اربعون دولاراً مقارنة بثلاثة آلاف دولار للقدم نفسها مصنوعة في الولايات المتحدة الاميركية. هي تقدم لمحتاجيها مجانا بالطبع، وترعى شركات اقتصادية تكلفة انتقال المنظمة وعمالها، وفي الحالة اللبنانية، مصارف معروفة. بعد انتهاء زيارتها الثالثة، بلغ عدد المستفيدين اللبنانيين من هذه المنظمة أكثر من ٥٠٠ مواطن. في عصر نهار بدا باكراً، يحمل محمد الطرف الاصطناعي في كيس مغادراً إلى بعلبك، ليوقفه شاب آخر مستفسراً. يشرح له كم الطرف جيد. يطويه ليظهر ليونته. يرتاح الشاب لخبر الجودة، لأن الطرف الذي يضعه صار مزعجاً تماماً.

المنظمة تصنع ايضا جهازاً يضعه أصحاب الشلل النصفي حول سيقانهم. أدهم نجدي، ابن صريفا الذي انفجرت فيه قنبلة عنقودية وضع واحدا من هذا. بعد عامين على اصابته، صار ادهم يقود سيارته ذات الصندوق الخلفي الكبير بنفسه، بعدما عدلت ليوجهها بيديه فقط، كما يتنقل على عربة كهربائية تشبه الدراجة النارية. الرفيق في اتحاد الشباب الديموقراطي يعتمد على نفسه الآن ولا يحتاج الى مساعدة من أحد. اختلفت عيناه عما كانتا قبل عام. يبدو اليوم اكثر اصراراً على المضي قدماً.

[[[

حيوية أيام الهنود في لبنان. يعملون كثيراً، ويسمعون عبارات الشكر. »تشعر أنك منهم وهم منك«، يقول لبناني عنهم. قائد الكتيبة الهندية العقيد سينغ، ردا على سؤال حول حب اللبنانيين لجنود بلده، يفضل ان يحكي من جهته: »على الاقل نحن نحبهم ونشعر أننا جزء منهم، وأتمنى أن يكون شعورهم نحونا مماثلاً«.

سيشتاق العقيد إلى لبنان بعد مغادرته. حين جاءت عائلته لزيارته، ذهب إلى اماكن يعددها: »الناقورة. بيروت. بعلبك. حاريصا. جبيل. كسارة. بشري. زحلة«. تقاطعه المترجمة اللبنانية ضاحكة لتقول له إنها نفسها لم تزر كثيرا من هذه المناطق. يقول انه سمع هذا الكلام من آخرين أيضاً. اكل الطعام اللبناني، وتعوّد على طريقة اللبنانيين في شرح طرق الوصول إلى الوجهة المطلوبة: »دوغري دوغري.. شمال. يمين. ودوغري«، يقول ويضحك.

[[[

الكتيبة الهندية هي واحدة من ست كتائب أخرى تعمل في القطاع الشرقي، اسبانية تقود القطاع، ونيبالية وماليزية واندونيسية وبولندية.

المقر الرئيسي للكتيبة الاسبانية يقع في بلاط، بجوار ابل السقي. قاعدة واسعة ومحاطة بأسلاك شائكة وخنادق. هي أكبر قاعدة لأسبانيا في الخارج. الدخول إليها أكثر تعقيدا بالطبع من الدخول الى مقر الكتيبة الهندية. زجاج فاصل بين الزائر والحرس وباب حديدي دوار وتنبيهات إلى منع الخلوي وبطاقات زيارة تعلق في الاعناق وما إلى هنالك، قبل أن تصل الضابط لتأخذنا الى مسؤول العلاقات العامة العقيد بويغ الذي لا يدخر لحظة، بل يشرع في عرض ورقي مصور لمهمة قوات بلاده.

الاسبان فخورون بخبرة تمتد ١٥ سنة من العمل خارج الحدود. وفخورون أيضاً بقاعدة »ميغيل دي سرفانتس« التي يبلغ محيطها ٣٣٠٠ متر، بنيت كلها بمواد ابتيعت من لبنان. هم فخورون ايضاً بأن نحو ٣٠٠ لبناني يعملون معهم. مركز الخدمات المدنية (cimic) الخاص بهم انجز ١٤١ مشروعا حتى الآن، ٩ منها دفعت تكاليفها الامم المتحدة (نحو مئتي الف يورو) و١٣٢ دفعتها الحكومة الاسبانية (٦٣٠ الف يورو).

امكانات الدولة الاوروبية الغنية تسمح بتنفيذ مشاريع انمائية في القرى تفيد الاهالي. الاسبان، شأنهم شأن الهنود، يقومون بزيارات اسبوعية الى القرى من اجل التطبيب والطب البيطري، ومشفاهم في القاعدة يستقبل الحالات الطارئة التي تأتي إليه.

هم ايضاً يدرسون اللغة الاسبانية وفق برنامج »معهد سرفانتس« في بيروت. لغتهم الام مطلوبة في القرى وهم سعيدون. بعد العرض الاول، وعرض ثان من مسؤول cimic، ينطلق العقيد بويغ الى إحدى ثانويات القليعة حيث يُنظم صفان لتعليم اللغة الاسبانية. مع مروحة أعمار واسعة، من طفلة في الرابعة إلى رجل ستيني، يجلس الطلاب في صف امام ضابط اسباني يدرسهم لغة بلاده. الغالبية الموجودة هنا من الإناث. سبب واحدة من الطلاب لتعلم اللغة هو أن ابناء شقيقتها المسافرة لا يجيدون الا الاسبانية. أما زميلتها فمعلمة مدرسة ومن المفيد ان تزيد الى لغتيها الانكليزية والفرنسية لغة ثالثة، وأيضاً، »جاؤوا وفتحوا صفوفاً، ويدرسوننا مجاناً. وهم شعب لطيف. وباقون. من المفيد ان نتعلم لغتهم ونعلمهم لغتنا. التواصل حلو«، تقول.

التواصل، مضافاً إليه أن القوات هي باب محتمل لعمل في بلاد تعاني الاهمال التاريخي. فايز غبار، ابن ابل السقي، واحد من الطلاب الذين يدرسون الاسبانية. لماذا يا ترى؟

[[[

ما كان سوقا كبيرا يمتد من أول ابل السقي إلى عمقها، صغر مع الوقت، بعد مغادرة النروجيين للقرية الصغيرة في العام ١٩٩٨ وحلول الهنود محلهم. امكانات الهنود المادية لا تقارن بمثيلتها الاوروبية. معظم ما هو معروض على الهنود هنا يمكنهم شراؤه من بلادهم بربع الثمن او حتى اقل. إبل اسقي عادت لتنتعش بعد حرب تموز لكن هذا الانتعاش لم يطل. كان الاعتداء على القوات الاسبانية كفيلاً بتراجع هذا السوق ودخوله في ما يشبه الغيبوبة.

فايز كان واحدا ممن وسعوا محلهم ليصير مطعما وملهى ليليا. المحل يقع على باب مركز هندي. في مواجهته كان ملهى اميغو الذي اغلق ابوابه. بقرب اميغو متجر آخر للإلكترونيات يقول صاحبه إنه اضطر إلى عرض بضاعة أرخص تناسب ميزانيات زبائنه الهنود. في لعب على الكلام، سمي متجر الألبسة المجاور UN Believable . (لا يصدق) حرف B يرتدي خوذة كتب عليها un. مالكة المحل، رلى، تعيد الازمة الاقتصادية اللاحقة بمتجرها الى الانفجار بعدما لم يعد مسموحا للجنود الاسبان مغادرة قاعدتهم. التعويض يكون بالسوق الذي تنظمه القاعدة فتجلب التجار اليها ليعرضوا بضاعتهم. هذا غير كاف بطبيعة الحال. لكن الجنود الاسبان يستغلون فرص خروجهم في دوريات لينزلوا في استراحة عند فايز، ويتسوقون بما يسمح لهم وقتهم.

على هذا، تنقلب كليا صورة ابل السقي عند الثانية عصرا عندما تتوقف مجموعة آليات أمام مطعم فايز، ويترجل الجنود والضباط. فجأة يصير المطعم ملآناً بالزبائن يلبي فايز طلباتهم ويحدثهم بأسبانية لا ندري مدى طلاقتها. وتمشي جندية صوب محل رلى لتعود من عندها بكيس بلاستيكي زهري فاقع على ألوان بزتها العسكرية وبندقيتها المتدلية من كتفها. على مثل هذا المرور يعتمد فايز. قبل الانفجار، كان الاسبان يصلون الخامسة عصر الجمعة ويغادرون الخامسة صباح السبت. »شعب كييف متل اللبناني. مد سفرة لحمة مشوية وتبولة وحمص وقنينة عرق بيشطح ست ساعات«. والاسبان الذين يشعلون ليل ابل السقي جروا اقدام لبنانيين إلى محل مقصود تصدح فيه الموسيقى الاسبانية والدبكة. ماض بات بعيداً للشاب الذي تثب شطارة اللبناني من عينيه. يعرفه الضباط والجنود الاسبان بالاسم ويمازحهم ويمازحونه. يتناولون غداءهم وقبل ان يغادروا، يصل ضابطان فرنسيان. يحيي فايز الضابط الفرنسي بالفرنسية فيرد هذا عليه بالعربية. يتابع فايز بالفرنسية ويتابع الضابط الفرنسي بالعربية، ثم وبالعربية يقول لفايز: »تابع هكذا. أحك معي بالفرنسية وانا احكيك بالعربية«. فجأة يصير المحل مزدحماً بوصول جنود بولنديين. اوروبا بين يدي فايز الآن وهو، ومعه صبي، يلبي طلبات الجميع. مع الهنود الملاصقين، يصير المكان كبابل. هذا الازدحام صدفة جيدة. حين يلبي طلبات الجميع، يهرول بكيس سندويشات الى سيارته وينهب الارض. يعود بعد دقائق. »ديلفري« الى القاعدة الاسبانية. فايز يحب الاسبان. لهذا يتعلم لغتهم.

بالمناسبة، في ابل السقي افتتح ملهى ليلي لم يدم طويلاً. اغلق بعد اشهر فقط. اسمه ما زال مكتوبا على جداره، وبالازرق: blue line.

الإسبان في مطعم في إبل السقي
الإسبان في مطعم في إبل السقي


 القهوة في شبعا
القهوة في شبعا


تعليقات: