الانهيار الشامل في اللبنانية: إضراب المدربين والأساتذة والموظفين

الانهيار المؤسساتي للكادر البشري في الجامعة (الأرشيف، المدن)
الانهيار المؤسساتي للكادر البشري في الجامعة (الأرشيف، المدن)


عشية البارحة، أعلن مدربو الجامعة اللبنانية الإضراب القسري، بعد سبعة أشهر من امتناع إدارة الجامعة عن صرف مستحقاتهم الشهرية، كما وطالبوا بعض العمداء والمدراء إقرار عقود المصالحة كاملة عن الأشهر السبعة التّي خلت.

ويأتي هذا الإضراب واحدًا من سلسلة إضرابات أعلنها مؤخرًا الموظفون والأساتذة المتفرغون في الجامعة اللبنانية المأزومة أصلًا. وتدور الآن التساؤلات عن مصير العام الدراسي الحالي، بامتحاناته المؤجلة، فضلًا عن واقع التسجيل للعام الدراسي المقبل، وما يكتنفه من غموض على مستوى القدرة التشغيلية بشكل أساسي. ناهيك عن الانهيار المؤسساتي للكادر البشري في الجامعة.


مدربون بلا معاشات

يُشكل المدربون في الجامعة اللبنانية، الكادر البشري الوحيد تقريبًا المحروم من التوظيف والتثبيت، رغم واقع حملهم على التصدي لمهمة تسيير شؤون الجامعة، بطلابها وأساتذتها. ولا يزال العاملون في هذا المجال، بعدما أستعانت بهم الجامعة التي هرمت وبدأ ملاكها يفرغ من الموظفين، رهينةً لعقود مصالحة تتحكم بمعاشاتهم الشهرية وواقعهم المعيشي في خضم الأزمة الاقتصادية.

ولسنوات طويلة انتظر حوالى ألفي مدرب، إصدار ملف عقودهم حكوميًا. وهي لا تكلف الدولة أي أعباء مالية. إذ يقتصر الأمر على تحويل العقود من "مصالحة" إلى عقود رسمية تسمح لهم بقبض مستحقاتهم شهريًا. إلا أن سبب التأجيل لا يعدو كونه نتيجة البيروقراطية الإدارية الفادحة التّي أوصلت الجامعة إلى وضعها الحالي، فضلًا عن الفساد المستشري في مفاصلها. وهذا جعل عملية مرور جداول ساعات العمل من عميد الكلية ورئاسة الجامعة، وصولًا إلى هيئة التشريع وديوان والمحاسبة، عملية طويلة ومعقدة ومرهونة بإضرابات الموظفين. وأدى أخيرًا إلى حرمان المدربين من مستحاقتهم الشهرية، بعدما ألزمت الإدارة المدربين، رغم واقع التأجيل في دفع المستحقات، بالمدوامة يومين أو ثلاثة أسبوعيًا، ما أجبرهم على مراكمة الديون لإتمام وظيفتهم الرسمية.

لا يخفى أن هذه الفئة التّي لحقتها لوثة 6 و6 مكرر، ووظف فيها بعض المتحزبين بلا امتحانات مجلس الخدمة المدنية، باتت أكثر الفئات تهميشًا في الجامعة، خصوصًا بعدما صارت قيمة ساعة العمل لا تتجاوز الدولار ونصف الدولار. واعتراضًا على هذا الواقع من التأجيلات في دفع رواتبهم كما في إصدار عقودهم، وللمطالبة بإعادة النظر بأجر السّاعة، شارك المندوبون بكافة الإضرابات السّابقة، كما أعلنوا أمس مجددًا الإضراب المفتوح والتوقيف القسري عن العمل، الذي أعلنته رابطة الأساتذة المتفرغين وأعلنه الموظفون.


وزير عمل يُطالب بحقوق المدربين!

وردًا على إضراب المدربين، وجه مصطفى بيرم وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال، كتابًا إلى رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران طالب فيه إدارة الجامعة بدفع مستحقات المدربين بصورة عاجلة، بوصفه حقًا للأجير. ولفت بيرم في كتابه إلى أنه "سبق لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أن فرضت على الجامعة اللبنانية دفع حقوق المدربين شهريًا". وقد جاء في الاستشارة رقم 152/2020 تاريخ 25/2/2020 ما يأتي: "إن وضع المدربين هو وضع كل متعاقد مع إدارة عامة يعمل تحت إشرافها وسلطتها ضمن حدود موحباته وحقوقه التعاقدية".

وأوضح أن "الهيئة قضت أن من حقّ كلٍ من هؤلاء المدربين أن يتقاضى تعويضًا شهريًا. وذلك استنادًا إلى المبدأ العام في التشريع اللبناني الداخلي (المادة 16 فقرة 2 من نظام الموظفين التي تنصّ على أن تصفى الرواتب وتوابعها مشاهرة، والمادة 47 من قانون العمل التي تنصّ على وجوب أن تدفع الأجور غير العينية مرة في الشهر للمستخدمين وسواها من النصوص ذات الصلة".

​وختم الوزير كتابه الموجه لرئاسة الجامعة بأن وزارة العمل تطلب من جانب الجامعة اللبنانية بما لها من سلطة، متابعة تقيّد أصحاب العمل بأحكام قانون العمل اللبناني والاتفاقيات والأنظمة ذات الصلة، وأن يصار فورًا إلى تسديد التعويضات والأجور والمساعدات التي يستحقها المدربون العاملون في الجامعة اللبنانية".


الموظفون والأساتذة يضربون

وتزامنًا مع إضراب المدربين أعلن موظفو الجامعة الإداريون أيضًا التوقف القسري عن العمل، لإعادة النظر في أجورهم كما صرف مستحقاتهم ومساعداتهم الاجتماعية، مطالبين الجامعة بوضع سياسات لوقف النزيف الاجتماعي الذي طرأ على الكادر البشري في خضم الأزمة الاقتصادية الراهنة. ودعت الهيئة التنفيذية لرابطة ​الأساتذة​ المتفرغين في ​الجامعة اللبنانية​، الأساتذة إلى ​الإضراب​ المفتوح، ابتداءً من صباح يوم الخميس 14 تموز 2022، في كليات ومعاهد وفروع الجامعة اللبنانية كافة. تضامنًا مع الموظفين والمدربين، مجددةً المطالبة بوضع حلول للأزمة.

يُذكر أن الهيئة كانت قد فكت إضرابها الذي أطلقته مطلع شهر آذار الماضي، بعدما عجزت عن الحصول على أي مطلب. واليوم تعود وتعلنه في جو مشحون وهجوم واسع طالها من قبل بعض الأساتذة المتفرغين والمتقاعدين على حدّ سواء. واللافت أن هذا الإضراب تزامن مع بدء امتحانات الفصل الثاني، ما جيش موجة اعتراض واسعة من قبل الطلاب الغيارى على مصيرهم الدراسي المهزوز.

ودعت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، الأساتذة كافة إلى جمعية عامة اليوم الجمعة 15 تموز الجاري عند الساعة العاشرة صباحًا، في قصر المؤتمرات -مجمع الرئيس رفيق الحريري الجامعي- الحدت، لمناقشة وإقرار الخطوات التصعيدية من أجل حفظ الجامعة الوطنية وكرامة أهلها.


طلاب خائفون على مصيرهم

لا يمكن إنكار حجم الأزمة التّي يعانيها الطالب في الجامعة اليوم، والتي تُستَهل بالتعليم غير الجدي وصولًا إلى الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة على هذه الفئة من الطلاب، ما دفع البعض إلى هجرة الدراسة أو التسرب، وأحيانًا الانتقال إلى جامعات أخرى. وهذا حجب عن الطبقة المفقرة آخر استثماراتها. وجعل تعداد الطلاب في الجامعة اللبنانية يصل إلى 64 ألفًا، بعدما كان يفوق 80 ألفًأ في الأعوام السّابقة.

والذي زاد الطين بلّة هو واقع الإضرابات المستمر الذي أطاح بكل طموحات الطلاب بإنهاء العام الدراسي وأخذ استراحة من مهرجان الأزمات الدائم. بل وزاد فرصهم في الرسوب في ظلّ الاستهتار المتعمد في علامات التصحيح، كما في وضع أسئلة الامتحانات الصعبة من دون وجود محاضرات لشرحها. واليوم يبدو هم هؤلاء الطلاب الذين يقاسون أسوأ أشكال خيبة الأمل والخوف على مستقبلهم، محكومين بهيئة منفردة في اتخاذ القرار ولا تشركهم في القرارات المصيرية، بل وتحاول جس نبضهم بما يتعلق بدولرة التسجيل، محملةً إياهم وزر فساد الجامعة وشللها.

وحتى الآن لا خطوات لحلحلة جديّة لوضع الجامعة اللبنانية المأزوم، بل تتوالى التصريحات الفضائحية التّي لا تحمل سوى حلول سطحية لأزمة الجامعة، يتنطح بها ممثلو السّلطة اللبنانية في الجامعة. وهم لم يوفروا فرصة لقضم كل مقدراتها بميزانيتها المجحفة، وتوزيعها تحاصصيًا، بل وإقحام طلابها وموظفيها وأساتذتها في دوامة من الأزمات، إلى جانب أزمتهم المعيشية. وهذا فوق التعريج على المحاولات الملتوية لدولرة وتسليع آخر مصادر التعليم شبه المجاني في لبنان.

تعليقات: