خلف ناطحات السحاب الإماراتية، دولة بوليسية تتعامل بازدراء مع فئة من اللبنانيين، بسبب انتمائهم الطائفي، عبر جعلهم أهدافاً أمنية محتملة، واعتقالهم تعسّفاً على الشبهة، وغالباً بتهم ملفّقة تُنسب إليهم لـ«المسّ» بوحدة الإمارات ومصالحها وتشكيل تهديد لها! قبل أكثر من شهر انضمّ اللبناني حسين نحال ونجله محمد، إلى 7 معتقلين آخرين، 5 منهم حوكموا بقضايا تصل عقوبتها إلى المؤبّد، استناداً إلى «أدلة» و«قرائن» أخطرها حيازة صورة للأمين العام لحزب الله!
في «الحرب» التي تشنّها دولة الإمارات على حزب الله، كل لبناني يقيم على أراضيها مشتبه فيه حتى تثبت إدانته. و«التهمة»، غالباً، هي التخابر مع حزب الله وتأليف خلايا تعمل لمصلحته والتحضير لمهاجمة مصالح داخل الدولة أو الاتصال بمنتمين إلى الحزب (حتى ولو كانوا أفراداً من العائلة)، وتمويل الحزب رغم أن أعلاهم دخلاً لا يتقاضى أكثر من 1300 دولار في الشهر!
هذا ما بيّنته خلاصة الأحكام التي حصلت عليها «الأخبار»، والصادرة بحق 11 لبنانياً حوكموا في جلسة علنية في أبو ظبي في أيار 2019، في ما يُعرف بـ«القضية 38» بتاريخ 2018.
تبيّن وقائع المحاكمة أن «أدلة» الاتهام تعاني من عطب جوهري في بنيتها وطبيعتها، وهو ما ينسحب بطبيعة الحال على المحاكمات التي خضع لها معتقلون آخرون في قضايا مشابهة، إلى جانب عدم معرفة «أعضاء الخلية» المزعومة بعضهم بعضاً أو اقتصار العلاقة بين بعضهم على التشارك ضمن نطاق العمل، كما أن غالبية «القرائن» أُخذت من الهواتف الخلوية العائدة للمتّهمين. وبحسب خبراء في القانون، لا يمكن اعتبار هذه المواد أدلة نظرياً في أي قانون لأي دولة، كونها محتويات يجري تداولها على وسائل التواصل كموادّ إخبارية. وتُراوح «القرائن» التي استخدمها جهاز أمن الدولة الإماراتي كـ«أدلة» على ضلوع الموقوفين في «جرم» الانتماء إلى حزب الله وتأليف «خلية» أمنية، بين أشرطة فيديو لمقاتلين من حزب الله خلال الحرب السورية متداولة عبر مواقع التواصل، وصور لشهداء ومقاتلين أو للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، وأشرطة دينية وأخرى لأنشطة على صلة بمناسبة عاشوراء تدل على الانتماءات المذهبية للموقوفين.
فنجان قهوة لتفجير المطار
المعتقل عبد الرحمن شومان المتهم بقيادة «خلية» للحزب وتمّت محاكمته على هذا الأساس، أوقف عام 2018 في مطار دبي. وزعم «أمن الدولة» أن شومان «عضو نشط في حزب الله وتم تجنيده لتنفيذ مهمة أمنية». تُظهر التحقيقات المنسوبة إليه، أنه كان يجري «مناورة» لمحاكاة تنفيذ تفجير في المطار! واستند جهاز «أمن الدولة» في هذه الفرضية إلى أن المعتقل ترك حقيبة سفره في مكان بعيد عنه نسبياً «للوقوف على مدى سرعة استجابة الأجهزة الأمنية داخل المطار»، علماً أن شومان أكّد خلال المحاكمة أنه ابتعد قليلاً عن حقيبته لشراء فنجان قهوة من مكان قريب فيما كان يُجري مخابرة هاتفية!
«اصطياد» شومان شكّل «هدية» لـ«أمن الدولة» لتركيب ملف له ربطاً بوظيفته في مجال أمن الطيران في شركة «طيران الإمارات». أحد «الأدلة» على «ارتباطه» بحزب الله كان احتواء هاتفه المحمول على شريط فيديو مصدره «قناة الميادين» يتحدث عن سير «معركة جرود فليطة» في 6 حزيران 2015، إضافة إلى رسالة عبر إحدى مجموعة «الأخبار» على «واتساب» جرى تداولها على نطاق واسع حينه، تطلب «مقاطعة محالّ تجارية وأفران مشهورة في لبنان بتهمة دعم التكفيريين في سوريا»، وقد اعتبرها جهاز «أمن الدولة» الإماراتي بمثابة «رسالة توجيه حزبية واردة من قيادة حزب الله في لبنان».
طبيعة وظيفة شومان في مجال الطيران أدّت إلى التوسع في تلفيق تهمة استغلاله لمنصبه لالتقاط صور للمطار إضافة إلى حيازته منشورات لمسارات طائرات، أكد شومان أنها تندرج ضمن طبيعة وظيفته وإلمامه بالطيران المدني.
«جريمة» صورة الأسد
المعتقل حسين برده (أُفرجَ عنه في وقتٍ لاحق عام 2019) واجه «الأدلة» نفسها تقريباً. كما تضمّنت التحقيقات معه «اعترافات» بلقائه مسؤول ما يسمى «الملف الإماراتي» في الحزب وتوكيله بمهام نفى علمه بها خلال المحاكمة. وقد عُثر في هاتفه على صور متداولة على الصفحات الإخبارية بثّتها قناة «المسيرة» اليمنية حول معارك عدن، إضافة إلى صورة تعود لشخص يحمل مسدساً. وعُثر في هاتف آخر يعود إليه على صور للأمين العام لحزب الله وصور لخرائط مناطق تدور فيها معارك عسكرية في سوريا كان يجري تداولها على نطاق واسع حينها، إضافة إلى صور دينية من وحي عاشوراء، وصورة للرئيس السوري بشار الأسد!
واتُّهم برده بأن «القيادي» في الحزب علي نور الدين جنّده، وأنه أُلحق بـ«خلية شومان»، وكان من مهامه المساهمة في تنفيذ العملية الأمنية في المطار، واستقصاء عن معلومات حول أوضاع «العائلات الشيعية» في الإمارات، ومحاولة تأمين تمويل للحزب من قبلها.
الأمر نفسه تكرّر مع المعتقل الثالث (المفرج عنه) أحمد أمين صبح، الذي وُجّهت إليه تهمة لقاء أحد من تتهمهم الإمارات بأنه المسؤول عن «الملف الإماراتي» في حزب الله، وعُثر لديه على «بندقية هوائية» غير مرخّصة اعتُبرت دليلاً على وجود نية للهجوم على المطار!
كلّ الموقوفين الذين خضعوا للمحاكمة في القضية الرقم 38 أنكروا الاتهامات، وتحدث شومان خلال المحاكمة عن تعذيب وإكراه تعرّض لهما للتوقيع على اعترافات لم يدلِ بها، وأنكر معرفته بعدد من الموقوفين الذين وردت أسماؤهم كأعضاء في «الخلية» كجهاد فواز.
«تلفيق التهم» و«عدم كفاية الدليل» و«انتفاء أركان الجريمة والقصد الجرمي» و«تناقض أقوال الشهود» و«عدم معقولية الوقائع المسرودة في التحقيقات»، كلها عبارات وردت في مرافعات المحامين الذين عيّنتهم الدولة الإماراتية للمرافعة عن عدد من الموقوفين، ومنهم محامو عبد الرحمن شومان، حسين برده، أحمد أمين صبح، مصطفى حسين كريم، حسين إبراهيم زعرور، علي ناصيف فواز، محسن قانصوه وجهاد علي فواز، والأخير الذي اعتُبر شاهداً على وجود «الخلية» وصدر حكم ببراءته لاحقاً، أكد محاموه أنه ليس شاهداً على كل ما نُسب إليه أو ما جرى اتهامه به.
غالبية «القرائن» في الهواتف الخلوية العائدة للمتّهمين يجري تداولها على وسائل التواصل كموادّ إخبارية
رغم ذلك، رفضت المحكمة الإقرار بصحة وجود تعذيب، وثبّتت مضمون التحقيقات على أساس أنها «طبيعية ولم يرد فيها أي شيء يوحي بارتياب». وقالت إنه لم يظهر لديها أي دليل حول إكراه بالنسبة إلى الموقوف شومان، متجاوزة أن الاعترافات «تحت التعذيب» تم تقديمها قبل مدة من المحاكمة، وادّعاء المحكمة بانتفاء فرضية التعذيب «غير سويّ» بالمعنى القانوني لذوبان الدليل بعامل الوقت.
«التخابر» مع حزب الله
يبلغ عدد المعتقلين اللبنانيين في الإمارات حالياً 9، بعدما انضمّ إليهم قبل نحو شهر حسين نحال ونجله محمد. نحال الأب الذي كان مقيماً في الإمارات، اعتُقل لدى وصوله إلى المطار. وبعد أيام اعتُقل نجله بتهمة التواصل مع ناشطين لبنانيين وتسريب معلومات إليهم حول توقيف والده، ما أدى إلى وصول تفاصيل القضية إلى مكتب اللواء عباس إبراهيم. وقد انقطع الاتصال بهما منذ توقيفهما.
والمعتقلون السبعة الآخرون هم:
- عبدالله هاني عبدالله (الخيام)، اعتُقل في 26 أيلول 2013 وحُكم مؤبّداً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- أحمد علي مكاوي (طرابلس)، اعتُقل في 14 تشرين الأول 2014 وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- علي حسن مبدر (صيدا)، اعتُقل في 20 تشرين الثاني 2014 وحُكم مؤبّداً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- عبد الرحمن شومان (بيروت)، اعتُقل في 15 كانون الثاني 2018 وحُكم مؤبّداً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- أحمد فاعور (الخيام)، اعتُقل في 18 شباط 2019 وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- فوزي دكروب (الخيام)، اعتُقل في 18 شباط 2019 وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة «التخابر» مع حزب الله.
- وليد إدريس (البقاع)، اعتُقل في 23 كانون الأول 2020 ولا يزال قيد المحاكمة.
«القضية 38»
ضمّت القضية 38 تاريخ 2018 (تخابر لمصلحة حزب الله) 11 لبنانياً هم: علي نور الدين، إسماعيل ملاح، فادي علي سعد، عبد الرحمن طلال شومان، حسين محمد برده، أحمد نمر، محمد أمين صبح، مصطفى حسين كريم، حسين إبراهيم زعرور، علي حسين ناصيف فواز، محسن عبد الحسين قانصوه وجهاد محمد علي فواز.
وفيما ثبت خلال المحاكمة التي شهدها مقر قاعة الاتحاد في أبو ظبي، في 15 ايار 2019، اعتبار الموقوفين كريم وزعرور وفواز وقانصوه وفواز أبرياء رغم حيازتهم نفس الأسباب الاتهامية، أدانت المحكمة المتهمين غير المقيمين في الإمارات نور الدين وملاح وسعد غيابياً، وزعمت أنهم «قادة» في حزب الله يقفون خلف تشغيل «الخلية» وتجنيد أفرادها، فيما حُكم على شومان بالسجن المؤبد واتُّهم بـ«إدارة الخلية في الدولة». وأدين كل من برده وصبح بتهمة عضوية الخلية وصدر حكم بسجنهما 10 سنوات، وأُفرج عنهما في عام 2019 مع مجموعة من الموقوفين بعد وساطة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فيما رفضت السلطات الإماراتية الإفراج عن شومان.
تعليقات: