معظم زبائن مقاهي المراهنات هم من المراهقين (الأرشيف، ريشار سمور)
في الأسابيع الماضية، قامت القوة الضاربة في الجيش اللبناني بمداهمات شبه يومية في الضاحية الجنوبية، فألقت القبض على شبكة واسعة من تجار ومروجي المخدرات، بعدما اشتبكت معهم بالرصاص والقذائف. وشملت حملة المداهمات اللصوص المنتشرين بين الأحياء. لا تعتبر هذه الخطوة جديدة أو مميزة أو نوعية. فهي تتكرر يومياً واعتاد عليها أهالي المنطقة. ولكن المفاجأة حصلت في مداهمة مقهى صغير في محلة صفير، تبين أنه مركز للمراهنات والمقامرة الإلكترونية.
مقاه مشبوهة
لا يعدّ هذا المقهى المركز الأول والوحيد في المنطقة. فحسب مصادر "المدن"، تنتشر مراكز هذا النوع من المراهنات وتتوزع في الأحياء الشعبية، وخصوصاً في برج البراجنة، صبرا، حي السلم... ولأنها غير شرعية في لبنان، تحتاج إلى واجهة تستتر خلفها لابعاد الشبهات، وتكون هذه الواجهة مقهى لبيع القهوة والسجائر، أو صالة صغيرة للألعاب الإلكترونية والبلياردو.
ففي محلة صفير تحدث المراهنات في مقهى متواضع لبيع القهوة والسجائر لشباب الحي. ويتجمع مراهقون وشبّان أمام المقهى وفي زواياه، فيشربون القهوة ويدخنون النرجيلة ويسهرون حتى ساعات الفجر. وعلى الرغم من ضيق المقهى وصغر حجمه، تتوزع أجهزة المراقبة في جهاته وعلى مدخله الرئيسي، وفوق نوافذه، فترصد حركة الشارع والمارة. وأمام هذه العيون الكهربائية لا يمكنك إلا أن تسأل: ما أهمية وجود هذه الأجهزة كلها في مقهى لا يقدم سوى فنجانٍ كرتوني من الإكسبرسو وعلبة سجائر وطنية؟
مراهنات بالدولار
تتنوع المراهنات بين مركزٍ وآخر. ويعد الرهان الإلكتروني الأكثر شيوعاً. وهو يتصل بشبكة الإنترنت وبتطبيقات خاصة بها، كتلك الموجودة في كازينو لبنان والمراكز المرخصة. يبدأ الرهان بمبالغ صغيرة تتراوح بين 10 و15 دولاراً، وتصل إلى مئات الدولارات. والدفع نقدي وبالدولار أو بما يوازيه في السوق السوداء. أما مراهنات كرة القدم فانتشرت بكثافة منذ عام 2013 في عدة مناطق وأهمها حارة حريك، الشياح، زقاق البلاط، وبرج حمود، حيث حول محبو كرة القدم لعبتهم المفضلة إلى طاولة قمار، تهدر أموالهم أو تمكنهم من أرباح خيالية. ويتسع انتشارها مع اقتراب موعد المونديال.
وحسب معلومات "المدن"، تحقق مراكز المراهنات مبالغ معتبرة من الدولارات، بسبب إقبال الشبان والمراهقين عليها يوميًا خلال المباريات. وتتنوع مادة المراهنات في لعبة كرة القدم، إذ تسمح بالرهان على كل تفصيل في اللعبة: "النتيجة، عدد الأهداف، البطاقات الصفراء والحمراء، وعلى اللاعبين. ويستعمل في اللعبة وسطاء، أو مواقع إلكترونية أشهرها "BET365"، فيتقاضون نسبة من الأرباح.
استثمار وهمي
وفي حديث مع ماهر (اسم مستعار) وهو صاحب متجر لبيع أجهزة المراقبة والتنصت، طلب منه قبل أسابيع تركيب مجموعة من أجهزة مراقبة في صالة ألعاب إلكترونية، فربط هذه الأجهزة ببرنامج متصل بتطبيق على الهاتف الذكي.
توجه سامر إلى الصالة وبدأ بتركيب الكاميرات في زوايا المحل، ولكنه فوجئ بأن المحل يضم أبواب حديد عدة، وخالٍ تماماً من أي لعبة إلكترونية. وهو صالة واسعة تضم غرفًا وفي زاويته وضع مكتب لاستقبال الزبائن تديره شابة. ويقول إنه أثناء عمله في الصالة لاحظ حركة غريبة: دخول شبان ورجال في منتصف العقد الثالث والرابع وخروجهم حاملين محافظ تحوي المال. فسألهم عن نوع هذا المحل، فأخبروه أنه مكتب استثمار.
نفوذ ومعارف
تورط كثيرون في المراهنات، منهم أحمد م.، وهو شاب في منتصف العقد الثالث، وأصبح سمسارًا للمراهنين، ويجذب المراهقين، لقاء حصوله على نسبة من الأرباح بعد خسارتهم. أما الوكيل الأساسي، أي صاحب المقهى، فيحصل على 60 في المئة من خسارة كل زبون.
ويتمتع أصحاب مراكز المراهنات بتغطية أمنية مميزة، ولا أحد يتعرض لهم أو يتدخل في شؤونهم. فالمراكز الموجودة في منطقة الرويس، وهو من أقوى مراكز المراهنات في الضاحية، كانت صالة للألعاب الإلكترونية، وأُقفل بالشمع الأحمر مرات، لكن يعاد فتحه كأن شيئاً لم يكن، بسبب قوة نفوذ والد صاحب المقهى ومعارفه الكثر.
خسائر موجعة
ويروي حسام تجربة عائلته في المراهنات، فيقول إنه اكتسب هذه العادة من والده السبعينيّ المدمن على المراهنات منذ عقود في سباق الخيل ومباريات كرة القدم، إضافة إلى إدمانه القمار مع أصحابه. ويضيف حسام أن وضع عائلته المادي جيد. وهو بدأ المراهنات مع والده قبل سنوات. في البداية راهن على مبلغ 300$ التي كانت تساوي 450 ألف ليرة، فربح حينذاك 1500$، وتابع اللعب واستمر فيه، فيربح مرة ويخسر مرات.
ويقول أن أهداف اللعب تختلف من شاب إلى آخر. ففي الآونة الأخيرة اتجهت فئة واسعة من الشبان نحو المراهنات لرغبتهم في الربح السريع، بسبب تردي الوضع الاقتصادي. وقسم كبير دخل عالم المراهنات للحصول على مبالغ مالية لاستعمالها بشراء المخدرات وترويجها وكسب المال أيضًا. وتشيع هذه الأعمال في برج البراجنة والشويفات وحي السلم.
وهناك فئة من المراهنين هدفها التسلية وتمضية الوقت، هروبًا من الواقع. ولأن بعض الشبان ربحوا أموالًا أثناء تسليتهم، انجرفوا إلى الإدمان الذي يتلاعب بأعصابهم وإرادتهم ورغباتهم. ومنهم من خسر فأجبروا على بيع ما يملكونه لتسديد ديونهم. وهناك بعض المدمنين يتجهون إلى السرقة والنشل والقتل أحياناً. وهذا ما يفسر تكاثر حوادث النشل والسرقة في الأشهر الماضية التي اجتاحت بعض أحياء الضاحية الجنوبية.
تعليقات: