مسرحية القبض على سلامة: العرض متواصل


لم تيأس القاضية غادة عون في سعيها لملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حتى وصل بها الأمر إلى دهم المصرف المركزي بحثاً عنه. إلا أنّ تواطؤ الأجهزة الأمنية يُحيل إصرار النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان على توقيف سلامة إلى مسرحية هزلية، يبدو معها وكأن المطلوب ليس شخصية عامة، بل «طافر» في الجرود كالمطلوب «أبو سلة»، بلا عنوان سكن أو عنوان عمل، وتعجز القوى الأمنية عن تحديد مكانه لدهمه أو جرف «مضافته»!

أبرز المتهمين باختلاس المليارات والتواطؤ لإهدار أموال اللبنانيين وإفقارهم معروف مكان الإقامة والعمل، لكن كل الأجهزة الأمنية من دون استثناء، قوى الأمن واستخبارات الجيش وحتى أمن الدولة، تتخاذل في تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها القضاء في حقه ولا يُحرّك أحد منها ساكناً لتنفيذها. تتذرع الأجهزة الأمنية، تحديداً جهاز أمن الدولة، بأنّ السلطة السياسية ممثلة برئاسة الحكومة تمنع عنه «داتا» الاتصالات الخاصة بحاكم المصرف المركزي ما يحول دون تحديد مكانه، الأمر الذي يُستعاض عنه بعمليات دهم متقطّعة ومباغتة إلى منازله أو مكان عمله في المصرف المركزي. لكنه كلام حقٍّ يراد به باطل لكون ذلك قد يصحّ على مطلوب مغمور لا يعرف صورته أحد، أما في ما يتعلق بحاكم المصرف المركزي المعروف العنوان، فذلك يعني شيئاً واحداً: أنّ القيمين على جهاز أمن الدولة الذي تتكل عليه القاضية عون وغيره من الأجهزة يُنفّذون عراضات، من دون نتيجة، ومن دون أن يجرؤ أحد على مخالفة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يلعب دور حامي الحاكم.

أمس، دهمت قوّة من أمن الدولة منزل سلامة في الرابية صباحاً بحثاً عنه، إلا أن الأخير لم يكُن هناك، فتوجهت إلى مصرف لبنان المركزي. وفي هذه الأثناء، اتصل ضابط من أمن الدولة بالقاضي رجا حاموش طالباً منه الإذن بمداهمة المصرف، فاستغرب القاضي الطلب وأبلغه بأنّه لا يمكنه ذلك لكون مصرف لبنان إحدى مؤسسات الدولة. فأبلغه الضابط بأنّ هناك مذكرة توقيف بحق سلامة وبأنّ هناك إشارة من القاضية عون. رفض حاموش إعطاء الإذن بدهم المصرف، لكنه أذِنَ للضابط بالدخول إلى المصرف برفقة عسكري واحد للسؤال عن الحاكم. في هذه الأثناء، وصلت القاضية غادة عون إلى المصرف المركزي لتُعطي إشارتها بفتح محضر تحقيق مع الموظفين. عاود الضابط الاتصال بحاموش الذي تحدثت إليه عون، وبحسب المصادر، وقع جدال بين القاضيين. إذ اعتبر حاموش أن عون تتجاوز صلاحيتها المنحصرة في جبل لبنان عبر دهمها مصرف لبنان، فيما رأت عون في خطوتها متابعة لمذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرتها بحق سلامة المتواري عن الأنظار. لم يوافق حاموش على إعطاء الإذن بفتح تحقيق طالباً من الضابط في أمن الدولة المغادرة مع عناصره فوراً، فيما أصرت عون على أنّها تنفّذ القانون عبر ملاحقة سلامة. وفي النهاية، خرجت من مبنى مصرف لبنان من دون أن تجد سلامة، وصرّحت بأنه «تم إبلاغنا بأن حاكم مصرف لبنان غير موجود في مبنى المصرف». وأضافت: «أتتنا إشارة من القاضي رجا حاموش لإخلاء البنك المركزي».


لم تعثر القوى الأمنية على الحاكم في منزله ولا مكان عمله!

وإمعاناً في الضغط على القاضية عون، أعلن البنك المركزي أنه أقفل أبوابه بوجه من يريدون القيام بمعاملات، وأعلن الموظفون بدء إضرابٍ استنكاراً لما حصل. وقال رئيس نقابة موظفي مصرف لبنان عباس عواضة في تصريح من أمام البنك المركزي: «كرامة المؤسسة والموظفين أعلى من كل شيء ونرفض أن نُعامل بطريقة ميليشياوية»، معلناً الإضراب.

تعليقات: